«ما زلت أذكر ذاك الشاب الجاف الخجول الآتي لتوه من بلاد السباسب وهو يبحر لمغامرة نحو المطلق زاده الوحيد ألمه وهل للشعر أحسن خصبا من الألم»، هكذا قدم الكاتب الصحافي عبد الجليل المسعودي، بدايات الشاعر التونسي الأكثر حضورا والأكثر توهجا في الساحة الشعرية التونسية، منذ أن فارقها شاعر تونس الأول أبو القاسم الشابي سنة 1934. عرف الصغير أولاد أحمد بتجربته الشعرية المميزة في مدونة الشعر التونسي الحديث، فهو شاعر مميز بقوة الحضور داخل النص الشعري، وهو مبدع في النثر تماما مثل الشعر.
محمد الصغير أولاد أحمد من أبناء ولاية – محافظة - سيدي بوزيد التي أججت الثورة التونسية سنة 2011 إثر حرق أحد أبنائها جسده احتجاجا على وضعه الاجتماعي المتردي لتنتشر الثورة في كامل أرجاء الوطن وتؤدي إلى إسقاط نظام الحكم. وهو من مواليد عام 1955 وقد عرف بقصائده الملتزمة بقضايا الناس ومشكلاتهم والانتقاد الشديد اللهجة للحاكم. ففي عهد بن علي كتب القصيدة الذائعة الصيت «أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد». ناضل أولاد أحمد ضد الاستبداد والقهر في تونس بصفة مبكرة نسبيا، ولكن بطريقته الخاصة المعتمدة على السخرية والاستهزاء بقوة الحاكم وضعف المحكوم، فتعرض للمضايقة والفصل من العمل لمدة خمس سنوات بسبب أفكاره وآرائه حول الواقع السياسي والاجتماعي السائد، سواء في نظام زعيم الاستقلال الحبيب بورقيبة أو خلفه زين العابدين بن علي.
وسجن أولاد أحمد فترة قصيرة فيما يعرف بـ«أحداث الخبز» سنة 1984، خلال اعتصام نظم للدفاع عن الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال الأكثر تمثيلا في تونس)، ومنع ديوانه «نشيد الأيام الستة» الصادر في 1984، وبقي محجوزا حتى سنة 1988، كما أصدر ديوان «جنوب الماء» سنة 1992، وتولى إدارة «بيت الشعر» خلال السنوات الأولى من نظام بن علي وذلك من 1993 إلى 1997.
يقول في أحد الحوارات الصحافية: «مورست علي الرقابة طوال سنوات فحذفوا مقاطع من قصائدي قبل نشرها وغيروا حتى الكلمات، فكتبت، هذا أنا لا يقرأ البوليس نصي في الجريدة ناقصا، بل يقرأ المخطوط حذو مديره في الليل قبل توجعي وصدورها، وإذن سأكتب لمن أريد وما أريد».
كتب أولاد أحمد مجموعته الشعرية «الوصية» وهي على حد تعبير الناقد التونسي مال الشيحاوي، قصيدة يؤبن من خلالها الشاعر أولاد أحمد نفسه. في هذه المجموعة الشعرية، يرتبط القول الساخر تارة بالضحك والإضحاك، وتارة أخرى بالسخرية من مظاهر اجتماعية وسياسية وثقافية.
وتجاوز صيت أولاد أحمد حدود تونس، فانتقده يوسف القرضاوي، بعد نشره سنة 2007، عنوانه «الأدعية» الذي أرفقه بعدد من التعاويذ والأذكار المرفق بدوره بمجموعة من الحروز والتنغيمات وأشياء أخرى لا تفقهها إلا الخاصة على حد تعبيره. وأدى هذا النص الشعري إلى تكفيره من قبل القرضاوي، واتهامه بالتطاول على الذات الإلهية، وأهدر دمه متهما إياه بالكفر والإلحاد.
وقد هاجم الشاعر أيضا حزب النهضة، الحزب الإسلامي الأكبر في تونس، خلال فترة حكم الترويكا بعد الثورة، كما في هذه الأبيات:
«نحنُ نتحدث عن الدولة المدنية.. وهم يتحدثون عن دولة الخلافة. نحن نتحدث عن دولة القانون.. وهم يتحدثون عن دولة الشريعة. نحن نتحدث عن التداول السلمي على السلطة.. وهم يتحدثون عن التمكين الإلهي.
نحن نحلم ببناء وطن للمواطنين.. وهم بصدد بناء إسطبل للرعية. نحن نؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة.. وهم يعتبرون المرأة ناقصة عقلا ودينا..».
أخيرا نال أولاد أحمد تكريما رسميا قادته وزيارة الثقافة التونسية ودعت له مجموعة من الشعراء والأدباء في سهرة نظمت يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهو تكريم مستحق لمسيرة شعرية جاوزت الثلاثين سنة. ففي إطار تقليد جديد للوزارة تريد الخروج به من موضة تكريم المبدعين بعد وفاتهم. وكانت قراءات شعرية لكل من محمد بنميلود من المغرب وزياد عبد القادر وآدم فتحي من تونس، وقرأ أولاد أحمد مقتطفات من كتابي «التوانسة» و«مسودة وطن»، هذا بالإضافة إلى وصلات موسيقية أشرف عليها كل من جمال قلّة وخميس البحري وآمال الحمروني في عرض «عيون الكلام». أما القراءات المسرحية فكانت لكل من جمال المداني ونسرين الدقداقي.
الصغير أولاد أحمد.. شاعر الثورة في تونس
تكريم رسمي له يكسر تقليد الاحتفاء بالمبدعين بعد رحليهم
الصغير أولاد أحمد.. شاعر الثورة في تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة