معلقون: الرحلة استخباراتية.. تمت «خلسة» وخالية من البروتوكول الدولي

زيارة موسكو تخرج الأسد من اعتكافه في مقر إقامته منذ عام 2011

معلقون: الرحلة استخباراتية.. تمت «خلسة» وخالية من البروتوكول الدولي
TT

معلقون: الرحلة استخباراتية.. تمت «خلسة» وخالية من البروتوكول الدولي

معلقون: الرحلة استخباراتية.. تمت «خلسة» وخالية من البروتوكول الدولي

كسر اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس السوري بشار الأسد، أمس، اعتكاف الأخير الدائم في مقر إقامته، والذي طال لنحو 4 سنوات ونصف السنة، إذ غادر الأسد بلاده لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس (آذار) 2011، وعقد لقاءً سريّا، بدا أنه ترتّب على عجل، ولم يستوفِ الشروط البروتوكولية لأي لقاء يجمع رئيسي دولتين.
وبينما وصف الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الزيارة بأنها «زيارة عمل»، موضحا أنها تمت مساء الثلاثاء، يقول مراقبون إن الزيارة أظهرت أن بوتين «لم يعامل الأسد على أنه رئيس دولة»، بحسب قول «رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» رياض قهوجي، لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن الروس «لم يعزلوا الأسد في وقت سابق، لكنهم أتوا به هذه المرة خلسة، وهو ما يحمل مؤشرات أبعد من أهداف الزيارة المعلنة». وأوضح: «عادة، ينفذ أي رئيس دولة زيارته وفق بروتوكول معمول به عالميا، مثل الاستقبال في المطار، وغير ذلك. لكن العملية هنا تمت خلسة، ويظهر أنها تمت بطريقة استخباراتية لتوصيله وإعادته إلى سوريا، من دون أن تترافق مع مظاهر التكريم المعمول بها».
وتقود هذه الزيارة إلى مضمون مختلف عن المعلن، نظرا لأنها «بدت موجهة للجمهور الروسي وليس السوري». ويضيف قهوجي: «الأسد زار بوتين مثل شخص يتوجه لتقديم الطاعة، وذلك بهدف إعطاء الزيارة انطباعا بأنها مخصصة للاستهلاك الإعلامي داخل روسيا، وتظهر الأسد على أنه قادم لطلب المساعدة من بوتين»، مشيرا إلى أنها «مسرحية روسية أكثر منها سورية، ولا تتضمن أي مضمون مشرّف للأسد، كونه رئيسا للجمهورية السورية، ويقوم بزيارة سرية خلسة».
وتوقف آخرون عند شكل الزيارة، إذ قال مصدر بارز في الائتلاف الوطني السوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن موسكو «حاولت تكريس شرعية الأسد من خلال إخراجه من سوريا بعد 4 سنوات ونصف السنة من التزامه أراضيها، لكنها في الواقع أثبتت أنه لا شرعية له، نظرا إلى غياب المظاهر البروتوكولية البديهية البروتوكولية، وأهمها الجلوس على مقاعد وثيرة، يستقبل بوتين عادة الزعماء والضيوف والرؤساء عليها، كما أن الأسد بدا ملحوقا بالوقت، فظهر على أنه لقاء يجمع أستاذا بتلميذ يواجهه في امتحان».
وقال المصدر إن مجمل الزيارة «ليست زيارة رئيس لرئيس، بل استدعاء لهذا الشخص لفرض إملاءات وشروط وأوامر، ذلك أن روسيا، من خلال هذه الزيارة، لا تعامله كرئيس، بل كواحد من الموظفين لديها الذين أخطأوا وآن الأوان لتأنيبهم». وقال المصدر: «أعطت موسكو إشارات بعدم شرعية الأسد في سوريا، وأن دوره لا يتعدى كونه وكيلا وضابطا أمنيا». وأشار المصدر إلى غياب مرافقين «يحملون ملفات الأسد، مثل وزراء الخارجية أو الدفاع أو الاقتصاد، مما يفقد الزيارة معناها كزيارة عمل».
وتعد هذه الزيارة نادرة للأسد خارج سوريا، إذ التزم الأسد مقر إقامته منذ اندلاع الحراك السوري ضده في مارس 2011، ولم يخرق ذلك سوى زيارات نفذها إلى حمص والرقة، كانت آخرها في عام 2012. فقد زار الأسد مدينة الرقة (شمال البلاد) في عيد الفطر 2011، حيث أدى الصلاة في المدينة، قبل أن تخرج عن سيطرته في فبراير (شباط) 2012، ويسيطر عليها «داعش» في عام 2013. وكان زار حي بابا عمرو في حمص، في مارس (آذار) 2012، بعد جولة من المعارك في الحي. ونفذ زيارة بعدها إلى حلب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، للإشراف على العمليات العسكرية هناك، بعد فترة وجيزة من اندلاع المعارك فيها.
وعادة ما ينفذ الأسد زيارات ميدانية إلى البلدات والمناطق المحيطة بدمشق، بينها زيارته إلى داريا في جنوب دمشق في يناير (كانون الثاني) 2013، تلتها زيارة إلى عمال محطة الكهرباء في دمشق في عيد العمال في مايو (أيار) 2013. إضافة إلى زيارته إلى عدرا بريف دمشق في مارس 2014، وبعدها زيارته الشهيرة إلى معلولا بعد استعادة قواته مدعومة بمقاتلين من حزب الله اللبناني السيطرة عليها في أبريل (نيسان) 2014، ومنطقة جوبر بريف دمشق مطلع عام 2015.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.