ألمانيا.. مغامرة اللاجئين

ميركل تواجه تحديات .. وتراجع نسبة التأييد لحزبها

ألمانيا.. مغامرة اللاجئين
TT

ألمانيا.. مغامرة اللاجئين

ألمانيا.. مغامرة اللاجئين

سلطت أزمة تدفق اللاجئين على الأراضي الأوروبية، لا سيما من دول الشرق الأوسط، الضوء على عدة مسائل دفعة واحدة، منها الالتباس الشديد في العلاقات الأوروبية - الأوروبية، وما يعنيه تضارب المصالح الآنية بين دول القارة التي تواجه سيل اللاجئين، وكذلك مسألة «المؤسسات الأوروبية» الضابطة لتلك العلاقات. غير أن ثمة مسألة مهمة وأساسية برزت على السطح هي مكانة ألمانيا وحساباتها السياسية والاقتصادية مع ملف اللجوء واللاجئين، وبالأخص بعدما أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استعداد بلادها لاستقبال مئات الألوف من اللاجئين، ووضعت بالتالي ضغطا غير مسبوق على ما بات يعرف بـ«دول المعبر» بين تركيا وألمانيا، مثل صربيا وكرواتيا والمجر.

خاطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سياستها المتعلقة بأزمة اللاجئين، والمخاطرة ليست أمرا اعتياديا بالنسبة لميركل، لكن قراراتها في هذا الملف كانت ضرورية. هذا هو الموقف الذي عبرت عنه الألمانية ريبيكا هارمس، رئيسة كتلة أحزاب «الخضر» في البرلمان الأوروبي، في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» ببروكسل. ودافعت البرلمانية الأوروبية عن قرارات ميركل بفتح الحدود للاجئين، وقالت: «لقد أرادت ميركل أن تكون ألمانيا مثالا يحتذى به، وأرادت أن تتبعها دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بخطوات مماثلة».
المستشارة الألمانية دافعت عن سياستها المتعلقة بأزمة اللاجئين، وانتقدت عيوب إدارة هذه الأزمة من قبل الاتحاد الأوروبي. وقالت إن رد فعل الاتحاد الأوروبي على أزمة اللاجئين «مخيّب للآمال»، مضيفة أنه لا يوجد «توزيع عادل للأعباء». وأوضحت أنه إذا كانت أوروبا ترغب في أن تكون قارة تضامنية، فعلى جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ28 أن تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد، وليس أربع أو خمس دول فقط. وأعربت عن اقتناعها بإمكانية التغلب على تدفقات اللاجئين، وقالت «سننجز هذا»، مشيرة إلى أن هذا الأمر أصبح مهمة عالمية، في ظل وصول عدد اللاجئين إلى 60 مليون شخص على مستوى العالم.
موقف ميركل أثار العديد من التساؤلات والجدل أيضا، وتساءل البعض من المراقبين عما تريده ميركل بالتحديد.. هل تريد أن تحقق نجاحات داخلية في ألمانيا باستغلال هذا الملف؟ أم تريد أن تشعل نار الانقسامات في القارة العجوز؟
المفوضية الأوروبية في بروكسل رفضت الإجابة عن هذين السؤالين، واكتفى تيم ماكفي، المتحدث باسم المفوضية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بالتأكيد على أن الجهاز التنفيذي للاتحاد لم يعتد أن يعلق على سياسات الدول الأعضاء خاصة السياسات الداخلية.
مجلة «فوربس» الأميركية المعروفة كانت قد سمت ميركل «أقوى امرأة في العالم لعام 2011»، وهي بذلك حازت الصدارة في قائمة «أقوى امرأة في العالم» في خمس سنوات. وعن اعتبارها امرأة قوية، يقول الصحافي والمحلل السياسي الهولندي كريس ألبرت، إن اعتبار ميركل شخصية قوية أم لا يتوقف على مدى إقناع الآخرين، فمثلا لو تراجعت ميركل عن قراراتها الأخيرة بشأن اللاجئين سيرميها الناس بالضعف والتردد.. أما إذا تمسكت بها وحققت نجاحا من دون تأثيرات سلبية فسيعترف الناس بشخصيتها القوية.
وأضاف ألبرت، في تصريحات أدلى بها لـ«الشرق الأوسط»، أن ميركل «معروفة في هولندا جيدا، خاصة بعد موقفها من مساعدة اليونان ماديا أثناء الأزمة المالية، وهو موقف معارض لتمرير مساعدات بشكل تلقائي لليونان، إلا أنها اليوم تتخذ قرارات سريعة ولم تظهر أي معارضة لمسألة استقبال اللاجئين، ولكن لا يمكن إنكار النجاحات التي حققتها ميركل في سياستها الداخلية».
وأكد الصحافي الهولندي أن «قرارات ميركل لم تكن إيجابية، لأن الدول الموجودة في المسافة الجغرافية التي تفصل ما بين ألمانيا وتركيا تضرّرت بسبب القرار الألماني، الذي يمكن أن تكون له تداعيات سلبية بل وأزمات».
وعن إمكانية حدوث انقسامات أوروبية بسبب القرار الألماني وإثارته غضبا للدول الشرقية، قال ألبرت: «..هذا أمر حقيقي، وليست فقط الدول الشرقية وحدها التي أغضبها القرار، بل هناك دول أخرى في غرب أوروبا لم يعجبها القرار، منها هولندا، ففيها يرى المواطنون أن أي قرار يتعلق بأوروبا يجب أن يتخذ بشكل جماعي وليس من خلال تحرك فردي».
وعلى العكس من ذلك، ترى ريبيكا هارمس أنها زارت بنفسها المجر، ورأت الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين كانوا ينتظرون القرار الألماني بفتح الحدود.. «لكن ألمانيا وحدها لا تستطيع أن تفعل كل شيء، ولا بد من التضامن في هذا الملف».
وحول وجود شعور بالغضب لدى دول شرق أوروبا، قالت البرلمانية الأوروبية، وهي ألمانية الجنسية: «ليس فقط في شرق أوروبا بل هناك أيضا دول في غرب القارة لا تتحرك بالشكل المطلوب.. والأخرى غاضبة من التحرك الألماني».

من هي ميركل؟
خلفية أنجيلا ميركل توضح الكثير من جوانب مفاهيمها السياسية، فهي ولدت بمدينة هامبورغ في شمال ألمانيا، أما أبوها فهو قسيس بروتستانتي لوثري اسمه هورست كاسنر. وعام 1954، وبعد ولادة ابنته أنجيلا ببضعة أسابيع، انتقل والدها ومعه العائلة للعمل في شرق ألمانيا (حينها جمهورية ألمانيا الديمقراطية) وبقيت أنجيلا مع عائلتها في بلدة تمبلين حتى بعد انهيار «سور برلين» وتوحيد الألمانيتين عام 1990.
ميركل، التي ما زالت تحمل اسم عائلة زوجها الأول، الذي كان زميلا لها أيام الدراسة الجامعية حيث حصلت على إجازة في الفيزياء من جامعة لا يبزيغ، عملت في المركز الرئيسي للكيمياء الفيزيائية في أكاديمية العلوم في برلين حتى عام 1990. وكانت في عام 1984 قد تعرفت في الأكاديمية على زوجها الحالي الكيميائي يواخيم زاور، الذي تزوجته في عام 1998. وقبل انهيار جمهورية ألمانيا الديمقراطية في أواخر الثمانينات، نما حسها السياسي وبدت نشيطة أكثر في هذا المجال، تدعو لحرية سياسية أكثر لمواطني ألمانيا الشرقية. وانضمت لحزب نهضة الديمقراطية اليميني، وشاركت عام 1989 في أول انتخابات حرة تجرى في البلاد. وأصبحت متحدثة باسم الحكومة المنتخبة تحت رئاسة لوثر دي ميزيير، وانضمت بعد الوحدة الألمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني.
وبعد إجراء أول انتخابات حرة في عموم ألمانيا الموحدة (الغربية والشرقية) عام 1990، أصبحت وزيرة لشؤون المرأة والشباب في حكومة المستشار هيلموت كول (1990 - 1994). وبعد هزيمة كول في انتخابات عام 1998 أمام الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بزعامة غيرهارد شرودر، استقال كول، وصعدت ميركل لتصبح أمينة عامة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. بعد سلسلة من الفضائح المالية التي هزت حزب الاتحاد، فسح العديد من ساسة الحزب، أهمهم فولفغانغ شويبله، المجال لميركل للصعود إلى سدة الحزب. انتخبت في سابقة تاريخية في 10 أبريل (نيسان) 2000 كرئيسة للحزب، كأول امرأة وأول بروتستانتية تتولى مثل هذا المنصب في حزب جذوره مسيحية كاثوليكية متشددة.
ومع أنها أفسحت المجال في انتخابات عام 2002 لإدموند شتويبر، رئيس وزراء ولاية بافاريا، كي يرشح نفسه عن اليمين في الانتخابات النيابية العامة، أدت خسارة شتويبر بفارق بسيط أمام شرودر إلى خلو الطريق خاليا تماما أمام ميركل لأن تصبح الشخصية الأولى عند الديمقراطيين المسيحيين. وفعلا قادت الحزب اليميني للفوز بفارق بسيط على «اشتراكيي» شرودر في الانتخابات النيابية التي حصلت في 18 سبتمبر (أيلول) 2005. ولكن لم يتمكن أي من الحزبين الكبيرين من الحصول على غالبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة. وبعد مفاوضات شاقة مع الاشتراكيين تمكن الحزبان في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2005 من الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلاف تقودها ميركل التي باتت يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 أول امرأة تتولى المستشارية، وأول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية من شرق ألمانيا.
ومع أن ميركل زعيمة الحزب المحافظ المعروف بكونه ضد الإنفاق الحكومي ومع تضييق الخناق على العاطلين عن العمل، فإن سياستها تتميز بتسامح نسبي ومراعاة للطبقات الفقيرة وللعاطلين عن العمل، بخلاف التيار اليميني المتشدد داخل الحزب، كما أن خططها الإصلاحية في الاقتصاد تراعي الطبقات الفقيرة أيضا.
وفي الآونة الأخيرة تحولت أزمة اللاجئين إلى مأزق يورّق المستشارة ميركل، التي تعيش راهنا فترة عصيبة بسبب تزايد ردود الأفعال على الصعيد الداخلي، وارتفاع الأصوات المعارضة داخل حزبها إزاء سياساتها في مسألة اللاجئين. وحقا، سجل التأييد الشعبي الذي حظيت به ميركل من الرأي العام الألماني - بعد فتحها الحدود لأسباب إنسانية - خلال الشهر الماضي، تراجعا في الأيام الماضية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع نسبة الألمان القلقين من موجة اللاجئين من 38 في المائة في سبتمبر إلى 51 في المائة في أكتوبر الحالي. كذلك تشير سجلات الشرطة إلى تجاوز الاعتداءات المنفذة ضد مآوي اللاجئين 490 اعتداءً.
من جهة ثانية، بدأ الشارع الألماني التساؤل حول سياسة الحكومة تجاه قضية اللجوء تحت تأثير أنباء تناقلتها وسائل الإعلام تفيد بأن الأرقام القياسية للاجئين ستشكل حملا ماليًّا على الاقتصاد الألماني يبلغ مقداره 10 مليارات يورو. وحسب استطلاع للرأي نشره التلفزيون الحكومي (ARD)، في الأول من أكتوبر، فإن الدعم الشعبي لميركل تناقص بـ9 نقاط، وتراجع إلى مستوى 54 في المائة، خلال الشهر الماضي. كذلك تراجعت نسبة أصوات حزبي الاتحاد المسيحي، بزعامة ميركل، نقطتين وأصبحت 40 في المائة. بيد أن التطور المثير للقلق بالنسبة لميركل هو تزايد الدعم لحزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للاجئين نقطتين في الأسابيع الأخيرة، ليبلغ 6 في المائة، وهو ما يرشحه لتجاوز العتبة الانتخابية.
ولكن على الرغم من الانتقادات الشعبية المتزايدة تدافع ميركل عن السياسة التي تتبعها، وتؤكد أن بلادها قادرة على القيام بأعباء اللاجئين، الذين تقبلهم. وتعقد المستشارة الألمانية آمالها للخروج من هذه الأزمة على إقناع شركائها الأوروبيين وإقامة تعاون مع تركيا.
واليوم، تضع ألمانيا نصب عينيها إجبار جميع بلدان الاتحاد الأوروبي على تحمّل المسؤولية على المدى المتوسط، وتعتمد الخطة الألمانية لحل أزمة اللاجئين على فتح مخيمات لهم في إيطاليا واليونان، بدعم من الاتحاد، وتقييم طلبات اللجوء فيها، ومن ثم توزيع اللاجئين الذين قُبلت طلباتهم على بلدان الاتحاد الأوروبي، بشكل عادل وفقًا لنظام حصص يصار إلى تحديدها حسب معايير معينة تبعًا لحالة كل بلد.
وفي سبتمبر الماضي، أظهر استطلاع لشبكة «إيه آر دي» التلفزيونية تراجع شعبية المستشارة الألمانية بشدة بسبب طريقة تعاملها مع أزمة اللاجئين إلى أوروبا. وعلى الرغم من أن ميركل أصبحت بطلة في أعين العديد من المهاجرين ومناصريهم، فإن الحلفاء المحافظين قالوا إنها بعثت «برسالة خاطئة تماما» بالسماح باستيعاب المهاجرين الآتين من المجر. وفي الوقت نفسه، رحب مواطنون بوصول الأعداد الجديدة من المهاجرين واستقبلوهم بحفاوة في محطات القطارات في أنحاء البلاد.
في هذه الأثناء، ليست ألمانيا كلها سعيدة بوصول المهاجرين، وأيضا على الصعيد الخارجي تعرضت سياسة ميركل حيال اللاجئين لانتقادات. إذ قال دونالد ترامب، المرشح الجمهوري اليميني المتشدد للانتخابات الرئاسية الأميركية، أخيرا على قناة «سي بي إس إن» التلفزيونية، إن ما تفعله المستشارة ميركل من أجل طالبي اللجوء «ضرب من الجنون». وتابع ترامب القول: «أنا لا أحب حركات الهجرة. لا أحب الوافدين (...) ستكون هناك اضطرابات في ألمانيا. ما فعلته (ميركل) في ألمانيا ضرب من الجنون.. لكن استقبال 200 ألف شخص سيكون كحصان طروادة (...) إذا تبين أنهم من تنظيم داعش». وللعلم، يتوقع أن تستقبل ألمانيا بين 800 ألف ومليون طالب لجوء هذا العام، أكدت ميركل أن بلادها قادرة على استقبالهم.
ومحليا، أعلن حزب «الخيار البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، أنه قدّم بالفعل شكوى ضد المستشارة ميركل بتهمة «الاتجار بالبشر» بعد قرارها فتح حدود بلادها أمام مئات آلاف اللاجئين. وقال كريستيان لوث، وهو متحدث باسم الحزب، إن «ميركل انتهكت بقرارها فتح الحدود المادة 96 (من قانون العقوبات) التي تنص على عقوبة السجن 5 سنوات أو غرامة مالية». وأضاف: «نحن نأمل بأن تؤتي هذه الشكوى ثمارها، لكننا نريد أيضا لفت النظر إلى أن ميركل استخدمت نفوذها لمخالفة القانون في ألمانيا وأوروبا»، مشيرا إلى أن هذه الشكوى ستتيح «للمواطنين طرح الأسئلة حول ما إذا كانت الهجرة غير المنظمة تصب في مصلحتهم». وبحسب الحزب، تم إرسال الشكوى إلى النيابة العامة في العاصمة برلين.
أخيرا، اعتبرت المستشارة ميركل أمام البرلمان الأوروبي أن القوانين الأوروبية الحالية التي تنظم كيفية التعامل مع طالبي اللجوء باتت «بالية» ويجب إبدالها «بإجراء جديد». وقالت أمام النواب الأوروبيين المجتمعين في ستراسبورغ، إلى جانب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: «لنكن صريحين بأن اتفاقية دبلن (التي تنص على وجوب أن يطلب اللاجئون اللجوء في أول بلد أوروبي يصلون إليه) بشكلها الحالي باتت بالية». ثم أردفت: «أنا أدعو إلى اعتماد إجراء جديد» لتوزيع طالبي اللجوء بين الدول الأوروبية بإنصاف». وتوقعت أن يؤدي التدفق «المذهل» للمهاجرين إلى ألمانيا إلى تغيير البلاد في السنوات المقبلة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».