تسود حالة من القلق في الأوساط الاقتصادية – التجارية التركية والروسية، كما في الأوساط السياسية. وهو ناجم عن التوتر الحالي بين موسكو وأنقرة، الذي يشكل التناقض في المواقف حيال الأزمة السورية عنوانا عريضًا له، بينما شكلت حادثة اختراق مقاتلات روسية للمجال الجوي التركي نقطة تصعيد خطيرة فيه.
على خلفية هذا المشهد انعقد في موسكو المؤتمر الدولي لتعزيز الشراكة الروسية - التركية بمشاركة عدد كبير من ممثلي النخب الاقتصادية والسياسية من البلدين، وكان البحث عن سبل تجاوز الخلافات التي هيمنت على العلاقات بين البلدين نتيجة الأزمة السورية موضوعًا رئيسيا على طاولة المؤتمر، الذي تغير جدول أعماله بسبب التطورات الأخيرة في سوريا، لا سيما التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا.
خلال النقاشات التي حاول المؤتمرون الإجابة فيها على سؤال إلى أي مدى قد يذهب التوتر بين موسكو وأنقرة، قال علي كمال إيدين، نائب وزير الخارجية التركي المشارك في المؤتمر، إن بلاده «لم تفهم حتى الآن الهدف من المناورات الخطيرة التي نفذتها الطائرات الروسية»، وأعرب عن أمله في أن تقدم روسيا توضيحا مناسبًا للحادثة. بينما أوضح السفير التركي السابق في موسكو خليل آكنجي رد فعل إردوغان الغاضب وقال: إن «هذا الأمر جاء بعد أن انتهكت الطائرات الروسية المجال الجوي التركي، وفي موقف كهذا يجب على أي سياسي يحترم نفسه أن يظهر رد فعل حازما». كان كمال إيدين قد بحث في وقت سابق هذه المسائل مع أليكسي ميشكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، خلال محادثات مغلقة. ونقلت صحف روسية عن مصدر دبلوماسي تركي قوله بأن «المحادثات لم تؤد إلى تقريب المواقف حيال كل القضايا الخلافية، إلا أن هذا لن يؤثر على مواصلة الاتصالات على أعلى مستويات». ومن المتوقع أن يلتقي الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في منتصف الشهر المقبل.
هذا، وفي حين لم يحمل النقاش بين السياسيين خلال المؤتمر أي نتائج ملموسة، أولى ممثلو المجالات الاقتصادية في البلدين اهتمامهم لتقييم آفاق التعاون الثنائي، ولا سيما على خلفية تلويح إردوغان بتأمين مصدر بديل لتركيا عن الغاز الروسي، ووقف العمل بمشروع بناء شركة روسية لمحطة طاقة كهرو - ذرية في تركيا، وصولا إلى تجميد التعاون مع موسكو في مشروع «السيل التركي» الذي تعلق موسكو عليه الآمال لتتخلص من اعتمادها على الشبكة الأوكرانية في نقل الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية.
بشكل عام لم تكن الأجواء خلال بحث ملف التعاون في مجال الغاز مشجعة، إذ قالت مصادر من داخل الجلسات إن المؤتمرين كانوا أقل حماسة في بحث هذا الملف، واعتبر الجانب الروسي أن الكرة الآن في «الملعب التركي»، لافتًا إلى أن روسيا أرسلت نص الاتفاقية الحكومية حول مشروع «السيل التركي» وتنتظر الرد من أنقرة عليها. إلا أن الأمر كان مختلفا خلال بحث ملف التعاون في مجال الطاقة النووية، إذ برز خلال المؤتمر إصرار من جانب مديري شركات الطاقة النووية في روسيا والشركة التركية على المضي في التعاون. إذ تحدث ظافر البير، مدير شركة الطاقة النووية في تركيا، بإسهاب عن نجاح مشروع محطة «آكويو» للطاقة النووية، وانضم إليه في هذا الحديث كيريل كوماروف، نائب مدير الشركة الروسية للطاقة النووية، الذي عدد الجوانب الإيجابية التي يمكن أن يتمتع بها هذا المشروع بفضل استخدام التقنيات والخبرة الروسيتين في تنفيذه.
مع هذا كله تشير نتائج المؤتمر إلى أن المشاركين لم يتمكنوا من القفز على تبعات الأزمة السورية وانعكاسات التباينات السياسية حولها بين موسكو وأنقرة على تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي بينهما. إذ حرص ميشكوف، نائب وزير الخارجية الروسي على توضيح موقف بلاده من جديد، وأعرب عن أسفه لرفض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تفهم العملية الروسية، ورد على الاتهامات الموجهة لروسيا بأنها تقصف مقرات الفصائل السورية المعارضة للأسد، مكرّرًا التصريحات التي طلب فيها بوتين، وبعده وزير الخارجية سيرغي لافروف، بتقديم إحداثيات المجموعات التي يعتبرها الغرب معارضة معتدلة. أما كمال إيدين، فقال: إن «أحداث الأيام الأخيرة خلقت مشهدًا غير مشجع لتطوير العلاقات التركية - الروسية. تربطنا الآن مع روسيا مخاوف كثيرة وقلق وخيبة أمل. لقد عبرنا أكثر من مرة للقيادة الروسية عن قلقنا إزاء الوضع في سوريا».
صدى الطائرات في سوريا يخترق أجواء مؤتمر تعزيز العلاقات بين موسكو وأنقرة
نائب وزير الخارجية التركي: تجمعنا وروسيا مخاوف وقلق وخيبة أمل
صدى الطائرات في سوريا يخترق أجواء مؤتمر تعزيز العلاقات بين موسكو وأنقرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة