بعد تفجيري أنقرة.. تركيا تواجه متطرفيها بعدما كانت معبرًا للمقاتلين إلى سوريا

3 هجمات خلال 4 أشهر نفذها انتحاريون يتحدرون من نفس البلدة الكردية

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يتحدث في تجمع انتخابي ببورصة أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يتحدث في تجمع انتخابي ببورصة أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد تفجيري أنقرة.. تركيا تواجه متطرفيها بعدما كانت معبرًا للمقاتلين إلى سوريا

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يتحدث في تجمع انتخابي ببورصة أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يتحدث في تجمع انتخابي ببورصة أمس (أ.ف.ب)

أظهر التحقيق في تفجيري أنقرة أن تركيا باتت بدورها منطقة لتجنيد الانتحاريين بعدما كانت تعتبر حتى الأمس القريب نقطة العبور الرئيسية للمقاتلين الأجانب في اتجاه سوريا المجاورة.
ثلاث هجمات في أربعة أشهر ونيف، ففي الخامس من يونيو (حزيران) 2015 قتل خمسة أشخاص في انفجار في ديار بكر خلال تجمع انتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي. وفي 20 يوليو (تموز) قتل 34 شخصا في هجوم انتحاري استهدف أنصارا للقضية الكردية في سروج. وفي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) قتل 99 شخصا في تفجيرين انتحاريين استهدفا مظاهرة من أجل السلام.
لم تتبن أي جهة أيا من هذه الهجمات، لكن السلطات التركية أكدت أنها تحمل كلها بصمات تنظيم داعش المتطرف.
وفي الحالات الثلاث، اتهمت المعلومات التي سربتها الصحافة مجموعة من الشبان الأتراك المتطرفين القريبين من تنظيم داعش ويتحدرون من المدينة نفسها في جنوب شرقي البلاد، اديامان التي يقطنها نحو مائتي ألف نسمة.
ويعلق مصدر دبلوماسي غربي «إنه تيار تركي متطرف، مجموعة صغيرة من الأتراك المتطرفين الذين قاتلوا تحت راية تنظيم داعش في سوريا وينفذون عمليات بمبادرة منهم».
وأوردت صحيفة «حرييت» أن المشتبه بتنفيذهما اعتداء أنقرة تم التعرف على هويتيهما رسميا، وهما عمر دنيز دوندار ويونس ايمري الاغوز. والأخير هو شقيق عبد الرحمن الاغوز الذي قيل إنه انتحاري سروج.
ولدوندار أيضا شقيق وهما معروفان لدى أجهزة الشرطة وكذلك في اديامان. وقال صديق للعائلة لوكالة الصحافة الفرنسية هو علي ايكين إنهما «توأمان يبلغ عمرهما 23 أو 24 عاما»، مضيفا أنهما «طالبان تبنيا النهج المتطرف وتوجها مرارا إلى سوريا للقتال». وأضاف أن «والدهما أبلغ أمرهما مرارا إلى السلطات لكن دون جدوى».
وأكد محامي العائلة عثمان سوزن أن «الشكاوى الأولى لذوي دوندار تعود إلى سبتمبر (أيلول) 2013».
وأوضح أن الأب توجه إلى الرقة، معقل التنظيم المتطرف في سوريا بحثا عن ابنيه وانتهى الأمر بعودتهما إلى تركيا مع زوجتيهما. وتابع: «لقد عاشا طوال أشهر في منزل الأسرة من دون أن يكلف أحد نفسه عناء المجيء لاستجوابهما».
وليس تطرف الشقيقين دوندار في منطقة اديامان مجرد حالة معزولة بحسب محامي المنطقة. وتحدث سوزن عن «ثماني عشرة شكوى تقدمت بها عائلات انضم أفراد منها إلى داعش».
من جهته، قال علي ايكين إن «تنظيم داعش استند إلى نواة صلبة من خمسة أو ستة رفاق لتجنيد عشرات من الشبان وتشكيل فريق من الانتحاريين». لكنه سارع إلى التأكيد أن «اديامان لم تصبح عاصمة (داعش)» في تركيا، مضيفا أن «تعاطف الناس هنا مع التنظيم المتطرف ليس أكبر منه في باقي أنحاء البلاد».
وأورد متابع للملف لم يشأ كشف هويته «هناك خلايا في بنغول وقونية وسكاريا وعثمانية وأيضا في إسطنبول وأنقرة. تنظيم داعش يقوم بالتجنيد في الأوساط الشعبية وداخل عائلات غير متدينة كثيرا».
وأوضح علي ايكين أن الشقيقين الانتحاريين في كل من سروج وأنقرة هما كرديان، لافتا إلى أن «الأصعب بالنسبة إلى ذوي هؤلاء الشبان الذين فجروا أنفسهم أنهم أكراد قتلوا أكرادا أو موالين لأكراد. ذلك هو الأسوأ».
وعلى غرار حزبه، يأخذ بهجت يلديريم النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي في اديامان على الحكومة التركية أنها تتساهل مع تنظيم داعش. وقال بأسف «إن تنظيم داعش، عدو الأكراد في سوريا والعراق، بات حليفا لتركيا» بهدف «محاربة الأكراد».
وبعدما اتهمها حلفاؤها لوقت طويل بالتساهل مع المتطرفين، عمدت أنقرة المناهضة لنظام دمشق إلى تعديل سياستها بعد اعتداء سروج وشنت عددا من الغارات الجوية على تنظيم داعش الذي توعدها بالرد.
وقال المصدر الدبلوماسي «نحاول منذ أكثر من عامين دفع تركيا إلى إدراك ما يمثله تنظيم داعش من تهديد بالنسبة إليها. ولست واثقا حتى الآن بأن أنقرة اقتنعت». وذكرت الصحافة أن انتحاريي أنقرة كانا مدرجين على قائمة من عشرين شخصا اعتبرتهم الشرطة مصدر خطر. لكن ذلك لم يحل دون خداعهما السلطات لضرب العاصمة.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».