بينما يبحث الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية ودول خليجية في كيفية الرد على التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الدائرة في سوريا منذ الأول من الشهر الحالي، استبعدت مصادر فرنسية رسمية أن يتضمن الرد تزويد المعارضة السورية المسلحة أو بعض فصائلها «المعتدلة» بدفاعات جوية صاروخية.
وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن إقدام المناهضين للنظام السوري والداعمين للمعارضة على خطوة كهذه «يعني فتح باب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا»، الأمر الذي يدخل الحرب في مسارات جديدة «لا أحد يستطيع التكهن منذ اليوم بما يمكن أن تفضي إليه من تداعيات».
وأضافت هذه المصادر أن الجميع «يعي» أن الضربات المكثفة التي يقوم بها سلاح الجو الروسي في سوريا «من شأنها تغيير مسار الحرب عسكريا ليس على المدى القريب بل على المدى المتوسط». لكنه يعرف، في الوقت نفسه، تماما أن وصول أسلحة صاروخية مضادة للطائرات كصواريخ «ستينغر» أميركية الصنع أو ما شابهها، من شأنه أن «يخلق واقعا جديدا في الشرق الأوسط» وأن «يشكل تهديدا للطيران المدني والعسكري بما في ذلك لسلاح الجو الإسرائيلي».
وبرأي هذه المصادر، فإن تطورا من هذا النوع «سينظر إليه في موسكو على أنه استهداف مباشر لها وهو ما لا يمكن أن تسمح به»، خصوصا أن أحد أهداف الحملة الجوية الروسية هو «عرض عضلات لسلاح وإظهار أن موسكو عادت بقوة إلى مسرح الشرق الأوسط، وأنها استعادت الإمكانات العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن مصالحها في المنطقة بما في ذلك توفير قواعد جوية وبحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط تكون ركيزتها في المنطقة». وتذكر هذه المصادر بما جرى في أفغانستان حيث وصلت للمقاومة الأفغانية وقتها صواريخ «ستينغر» لتعطيل عمل سلاح الجو السوفياتي وقتها وحرمانه من التفوق الجوي. كذلك فإنها تشير إلى أن واشنطن سعت، بعد الانسحاب السوفياتي، لاستعادة الصواريخ غير المستخدمة عارضة شراءها بمبالغ كبيرة. ولذا فإنها «لن تعيد ارتكاب الخطأ نفسه» بعد 26 عاما على انسحاب القوات السوفياتية من هذا البلد.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن ما يصح على واشنطن والبلدان الغربية يصح أيضا على الدول الخليجية التي تبحث هي الأخرى عن رد على التصعيد العسكري. وباتت هذه الأطراف كلها متيقنة من خلال التواصل مع موسكو ومن خلال ما تدل عليه الضربات الجوية أن الأهداف الروسية التي يروج على أنها عسكرية ثم سياسية «غير مقنعة» وبالتالي يتعين توفير الرد عليها.
في أي حال، تبدو المصادر الفرنسية «واثقة» من أن الطرف الروسي «لن يكشف أوراقه في الوقت الحاضر» بانتظار أن تحقق الضربات الجوية بعض أهدافها، أقلها العسكرية، حتى يتم استثمارها لاحقا على طاولة المفاوضات. ومن هذه الزاوية، لا ترى باريس وجود تناقض بين الأهداف المختلفة التي يمكن تصورها للتدخل الروسي أكان ذلك، من جهة، إعادة إيقاف النظام السوري على قدميه وتمكينه من استعادة بعض المواقع التي فقدها في الأشهر الأخيرة وتحصينه من السقوط أو خسارة ما يعتبرها «مناطق حيوية» أو من جهة أخرى، دفاع موسكو عما تعتبره مصالحها الاستراتيجية في سوريا والشرق الأوسط والمتوسط.
هذه الأسباب جميعها تدفع باريس لاعتبار أن تحركات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي زار موسكو الثلاثاء وينوي إجراء محادثات مشابهة مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن «لن تفضي في الوقت الحاضر إلى أي نتيجة».
وترى باريس أن ما يكشف عدم اكتراث موسكو بالجوانب الدبلوماسية والسياسية، أنها قدمت مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص تشكيل جبهة عريضة لمحاربة الإرهاب منذ ما يزيد على شهر. والحال، أنها حتى الآن لم تدع أبدا إلى أي اجتماع تشاوري بشأنه كما جرت العادة في المجلس. كذلك تطرح باريس تساؤلات حول امتناع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حتى الآن، عن السعي لتشكيل «مجموعة الاتصال» التي أقرها مجلس الأمن إلى جانب اللجان الأربعة المتخصصة للحوار بين الأطراف السورية، علما بأن هذه المجموعة يفترض أن تشكل «المظلة السياسية» المشرفة على الحراك السياسي والدبلوماسي.
كل هذه العناصر تدفع للاعتقاد أن القادم من الأيام لن يشهد أي تحرك سياسي جدي وأن الكلمة الفصل متروكة لما يجري ميدانيا، بحيث إن «الدينامية الجديدة» التي تحدث عنها دي ميستورا هي اليوم عسكرية وميدانية ولن تصبح سياسية إلا بعد أن توجد حقائق جديدة على الأرض.
استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو
مصادر فرنسية قالت لـ «الشرق الأوسط» إن موسكو لن تتحرك سياسيًا قبل تحقيق إنجازات ميدانية
استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة