الملك سلمان.. ثقافة الوطن ووطن الثقافة

تعد مكتبته من أكبر المكتبات الخاصة في السعودية وتضم 60 ألف مجلد تغطي 18 ألف عنوان

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT
20

الملك سلمان.. ثقافة الوطن ووطن الثقافة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يكتب الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر في كتابه «البعد الثقافي في حياة الملك سلمان»، وهو في الأصل محاضرة ألقاها في نادي الأحساء الأدبي، أن «وجود الملك سلمان بن عبد العزيز على رأس هرم الدولة السعودية المعاصرة سيجعل الثقافة بكل تفرعاتها تنال القدح المعلى من اهتمام الملك»، مؤكدًا أنه لا يستبعد أن تشهد البلاد في عصره نهضة ثقافية، ملمحًا في هذا الصدد إلى ما قرأه مؤخرًا عن قيام وزارة الثقافة والإعلام بالعمل على إعداد مسودة لمشروع الملك سلمان بن عبد العزيز للنهوض بالثقافة.
ويشير المؤلف إلى أنه قرأ أن الملك سلمان لديه فكرة مكتملة عن الثقافة بوصفها مشروعا وطنيا متكاملا على غرار مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، وأزعم أن الثقافة كصناعة هي ما نحتاجه في بلدنا. وأضاف: «ولا يخالجني شك أن بلدنا ومجتمعنا في حاجة ماسة إلى مشروع ثقافي واسع. ولا يمكن تحقيقه في بلدنا إلا بإرادة سامية ورعاية ملكية».
وقال المؤلف إنه «متيقن أن الملك سلمان هو الشخص الوحيد القادر على إطلاق مثل هذا المشروع الخيري، ذلك لأنه ملك مثقف، وهو فوق هذا يملك الطموح المعرفي والثقافة الواسعة للتناهي مع مثل هذا المشروع على النطاقين النظري والتطبيقي».
ورأى العسكر أنه في حالة تحقق ما قرأ عنه فستكون السعودية على موعد لنقلة ثقافية شاملة. ويضيف: «أنا هنا أتحدث عن الثقافة ليس بمفهومها المعجمي الكلاسيكي، بل بمفهومها الابستمولوجي الواسع، ذلك أن الثقافة تدخل في مفاصل الإدارة المجتمعية بشكل ممتد».
وذكر العسكر أن للملك سلمان مع الثقافة، في أوسع تعريفها، حكاية ذات جانبين: الأول جانب تاريخي. والآخر جانب معرفي متشعب. ومفهوم الثقافة عند الملك سلمان لا يختلف عن التعريف المعجمي العربي، والتناول الثقافي الكلاسيكي، وهو الأخذ من كل بحر قطرة، لكنه تعدى هذا التعريف بأن انتخب ما يميز شخصيته ويتلاءم وينسجم مع تكوينه الذهني، وثقافة المحيط الذي عاش فيه سني حياته الأولى.
وأشار الباحث إلى أنه من هذا المنطلق يمكن القول إن «المعارف العامة هي أساس التكوين الثقافي عند الملك، لكنه مع هذا نراه يهتم بجوانب ثقافية يخصها دون غيرها مثل: التاريخ العام والتاريخ السعودي بمراحله الثلاث، وعلم الأنساب العربية، ويخص أنساب القبائل العربية في جزيرة العرب، وكذلك كل ما يتعلق بالبلدانيات في بلاده»، لافتًا إلى «إننا لا نستثني البدايات الأولى التي طبعت شخصيته المتميزة.. ومما عرفت عن قرب أنه في مقتبل سن الشباب وما بعده كان على اطلاع واسع على المجالات الثقافية التي كانت تصدر في لبنان ومصر وعلى رأسها مجلة الهلال الرصينة»، موردًا حديثًا للأمير عبد العزيز بن سلمان أشار فيه إلى أن «إصدارات الهلال ودار أخبار اليوم من مجلات وكتب كانت تصلنا في البيت باستمرار، وكان والده يأتي بها في وقت يسير». أما شغفه بالكتب فحدث ولا حرج، حتى تكونت لديه مكتبة تعد من أكبر المكتبات الخاصة في السعودية، ومن أكثرها غنى بكل ما هو نادر ومفيد في مختلف المعارف الإنسانية.
وأكد الدكتور العسكر على أن هذا الاكتناز المعرفي، وحب القراءة والاطلاع، واقتناء الكتب الذي لازمه حتى اليوم على الرغم من شواغله، كل ذلك جعل الملك سلمان واحدًا من أكثر الملوك في العالم المعاصر حبًا للثقافة، والتصاقًا بالمثقفين من سعوديين وغير سعوديين، فكان يدعوهم ويحتفي بهم، ويمازحهم ويحاورهم فيما يطرحون، ويناقشهم فيما يكتبون، وكانوا كثيرًا ما يستفيدون من أفكاره النيرة، وآرائه الصائبة، وهو وراء كثير من الفعاليات والمنجزات الثقافية.
وذكر الباحث أنه، وبسبب اهتمام الملك سلمان الزائد بالثقافة والفكر، فإنه يقتطع من وقته مساحة للقراءة والاطلاع. وهو كما يصفه أناس كثر قارئ نهم، ولديه مكتبة ضخمة تستقبل الجديد من الإصدارات التي تتعلق بفروع الثقافة ومناحيها، وما يخص تراث السعودية من كل أرجاء العالم، فضلاً عن مكتبة تلفزيونية تلاحق ما يبث في هذا الفضاء عن بلاده وشؤونها. ولعل مكتبته المنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي، إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد على 60 ألف مجلد تغطي 18 ألف عنوان، بتنوع يشمل مختلف حقول المعرفة وميادين الثقافة. وبهذا القدر قد تكون مكتبة الملك سلمان أكبر مكتبة خاصة يملكها ملك في العصر الحديث. لكن شغفه بفرع من فروع الثقافة، وهو التاريخ، يفوق سائر الفروع.
ولفت الدكتور العسكر إلى أن الكُتّاب في السعودية وخارجها اهتموا بسيرة الملك سلمان بن عبد العزيز، وكتبوا عنه مقالات مطولة وقصيرة، وحاولوا أن يغوصوا في شخصيته، مبرزين أهم صفاته العلمية والثقافية ورؤاه السياسية والفكرية، موردًا رصدًا ببليوغرافيا عما كُتب عن الملك سلمان أصدرته مكتبة الملك فهد الوطنية والتي بلغت نحو 1148 مادة علمية وثقافية تُغطي حقبة زمنية، وتوقفت عند عام 2011 أي قبل أن يصبح ملكًا لبلاده.
وتناول الباحث المحتوى الفكري للثقافة عند الملك سلمان الذي لقب بالملك المؤرخ بلا منازع، والذي جاء بسبب جهوده الدؤوبة وحرصه المتميز على حفظ تراث بلاده والجزيرة العربية، واعتنائه بالتاريخ عناية تتعدى اهتمام أمير وملك إلى عناية مؤرخ متمكن صرف وقته في درس التاريخ والعناية به. وقد أكسبته قراءته التاريخية وعيًا مختلفًا عن غيره من ملوك وزعماء العالم.
وقد أجمع كل المتخصصين على أن الملك سلمان واسع الثقافة ممتد المعرفة عميق الحكمة قارئ من الطراز الأول، كما عرفه المتخصصون في علوم التاريخ والأنساب وما يؤثر في بناء المجتمعات وتأسيس الحضارات محاضرًا وكاتبًا ومحققًا في هذا الشأن بل رائدًا في رعاية هذه العلوم، ومصداق ذلك أنه خلال عام واحد، وبالتحديد في يناير (كانون الثاني) 2008 – أغسطس (آب) 2009، كتب ونشر الملك سلمان 19 مقالاً تاريخيًا وثقافيًا، بل إن ما نشرته دارة الملك عبد العزيز التي يرأس مجلس إدارتها من بحوث فكرية أو تاريخية، كانت تمر على الملك سلمان بن عبد العزيز ليعطي رأيه فيها قبل أن تنشر على الملأ.



رحلة باتجاه واحد

رحلة باتجاه واحد
TT
20

رحلة باتجاه واحد

رحلة باتجاه واحد

توثِّق رواية «ملصقات بيروت» للروائي والكاتب المسرحي العراقي ماجد الخطيب، الصادرة حديثاً، تجربةً مريرةً للإنسان العراقي في فترة الحرب العراقية - الإيرانية. فمن خلال شخصية «مالك الحزين»، تأخذنا الرواية في رحلة مليئة بالمخاطر والمعاناة، حيث يتجسَّد الصراع بين الرغبة في الهروب من الموت والحاجة إلى البقاء على قيد الحياة. وما بين ذلك، تطرح موضوعات سياسية واجتماعية وثقافية، في زمنٍ كان فيه الوطن جحيماً لا يُطاق.

هروب بلا رجعة

حين يقرر الإنسان السفر، تراوده مشاعر القلق والترقب، لكنه يجد في التجربة مغامرةً وتجديداً، ويظل الأمل في العودة قائماً مهما كانت المشاق. أما في حالة «مالك الحزين»، فالسفر ليس مغامرةً، بل هروب بلا رجعة. إنه يترك خلفه وطنه الممزق بالحرب والقمع، هو الذي فُصل من كلية الطب وتحوَّل إلى جندي هارب، متحدياً قرار تجميد الجنود المنتمين للحزب الشيوعي العراقي، مما يجعل مصيره الإعدام المؤكد.

«ربما كان المسافر الوحيد بلا حقائب... أصبحت الحقائب رمز السفر والهجرة والمنفى، لكن في حالته كانت رمز خلاص من مستقبل أسود ينتظره في أرض السواد» (ص7).

عتبة العنوان

جاء عنوان الرواية «ملصقات بيروت» ليحمل في طياته دلالات عميقة، حيث يرمز إلى تحول الإنسان إلى مجرد ملصق على جدران مدينة غارقة في الفوضى والحرب. وقد تجسَّد ذلك في مصير خالد العراقي، الذي يصبح مجرد ملصق بعد اغتياله، ليعكس هشاشة الوجود الإنساني في واقع عنيف ومضطرب. ملصق سرعان ما تغطيه ملصقات شهداء جدد في بيروت.

وكان خالد العراقي قد اغتيل بكاتم صوت على أيدي أزلام النظام العراقي، ضمن سلسلة اغتيالات نفَّذتها المخابرات العراقية وجبهة فلسطينية بعثية ضد المعارضين العاملين في صفوف المقاومة الفلسطينية ببيروت، ومن ضمنهم مالك الحزين.

تتسم الرواية بطابع سردي يميل إلى الواقعية، حيث يقترب النَصُّ من جنس المذكرات والسيرة الروائية أكثر من كونه عملاً روائياً تقليدياً، إذ يتحدَّث الكاتب عن تجربة شخصية محاطة بمخاطر الموت، موثِّقاً رحلته من بغداد إلى بيروت في ظل ظروف استثنائية. والرواية مليئة بالأسماء الحقيقية لشخصيات سياسية وثقافية معروفة.

بيروت الحرب... والحياة

تدور أحداث الرواية في بيروت عام 1979، في زمن الحرب الأهلية اللبنانية. ويتنقل السرد بين الشوارع، والأزقة الضيقة، والمقرات الفلسطينية، والحانات، والمطاعم، ودور السينما ذات الطابع الفريد. ويمتزج وصف الأماكن بتفاصيل دقيقة تعكس حالة الفوضى والدمار:

«فاجأتني دور السينما ببيروت بأناقتها... الذهاب إلى سينمات بيروت، حيث تُعرَض أفلام هوليوود الجديدة بسرعة لا تتناسب مع فوضى الوضع» (ص42).

وتتجلى تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية في الرواية من خلال مشاهد القصف والاشتباكات ورصاص القناصين. ومع ذلك، يعبِّر الكاتب بأسلوب ساخر عن مشاعر الاغتراب والموت المتربص في كل زاوية. وتبرز السخرية السوداء في مواقف عدة، منها انتشاء الرفاق بأغاني فيروز في وقت تسيطر فيه الفوضى والخراب.

العواطف والمشاعر المرتبكة

يكسر ماجد الخطيب التابوهات، فيتحدَّث بصراحة عن علاقاته وتجاربه الشخصية، مما يضفي بعداً واقعياً على الرواية، كما أنها في الوقت نفسه تُوظف الأحلام كآلية دفاعية في مواجهة الواقع المرير، حيث يتخيل البطل نفسه طائراً مثقلاً بحقائب السفر، رمزاً للتيه والضياع:

«أكذب على نفسي وأقول إني أعيش في المهجر بأمان... أكذب على نفسي...أقول دائماً إني بخير في المنفى، وأكذب وأقول إني لا أفتقد الأهل والأحبة... أكذب على نفسي وأقول إني أعيش في المنفى بأمان! أكذب على نفسي وأمني النفس بالعودة إلى العش الأول».

في «ملصقات بيروت» يتجلى الصراع بين البقاء والهروب، بين الوطن والمنفى. إنها ليست مجرد سرد لتجربة ذاتية، بل هي توثيق لجيل من المنفيين الذين عاشوا بين الموت والحياة، وعذبتهم أسئلة الهوية والانتماء، والمآسي الإنسانية التي تمتد جذورها في تاريخ العراق المضطرب.

صدرت الرواية عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وتقع في 148 صفحة من القطع المتوسط.