تجددت أمس المظاهرات في مدينة السليمانية والأقضية التابعة لها في إقليم كردستان العراق، وطالب المشاركون فيها برحيل رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني، بعدما كانوا طالبوا بالإصلاح ومكافحة الفساد.
ويشهد الإقليم توترا كبيرا إثر انتهاء ولاية بارزاني وعدم التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب الكردية الرئيسية لتمديد ولايته، وسط أوضاع اقتصادية صعبة في ضوء التقشف في موازنة البلاد على خلفية انخفاض أسعار النفط. وفشلت الأحزاب الرئيسية في التوصل إلى صيغة تفاهم تسمح لبارزاني بتجديد ولايته رغم سلسلة اجتماعات عقدت في السليمانية وأربيل.
وشارك في مظاهرة السليمانية وحدها أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر، وسط أجواء متوترة غداة مقتل شخصين وإصابة 18 آخرين بأيدي حراس أحد مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني خلال مظاهرة في قلعة دزة في محافظة السليمانية.
وتركزت المظاهرة أمس في وسط مدينة السليمانية خصوصا في شارع مولوي، واندلعت خلالها مواجهات بين الشرطة والمحتجين الذين رشقوا عناصرها بالحجارة. وشهدت كلار ورانية وقلعة دزة، وهي الأقضية الرئيسية في السليمانية، مظاهرات مماثلة. وهتف المتظاهرون «ارحل ارحل بارزاني». وقال نزار محمد، وهو أحد الناشطين المنظمين للمظاهرات، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «سقف مطالبنا ما عاد ينصب على إصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد، إنما ارتفع إلى رحيل بارزاني». وأضاف أن «الأحزاب الرئيسية الخمسة لا تهتم بشؤون وحياة المواطنين، وينصب عملها على أزمة رئاسة الإقليم تاركة المواطن الذي يعاني من وضع اقتصادي مزرٍ».
وتحدث مينار محمد، مدير مستشفى السليمانية العام، عن إصابة نحو 25 شخصا في المواجهات مع الشرطة، نافيا وجود حالات خطيرة.
وتعرضت المتاجر في شارع مولوي التجاري الرئيسي لأضرار بالغة إثر المواجهات التي استخدمت فيها شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع.
إلى ذلك، هاجم عدد كبير من المتظاهرين مكاتب قناة «روداو» الفضائية التابعة لرئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، وحطموا زجاج النوافذ وحاولوا اقتحامها، قبل أن تتمكن الشرطة من تفريقهم عبر إطلاق نار كثيف في الهواء.
وفي قلعة دزة، قام المتظاهرون بحرق آخر مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني المكون من ثلاثة طوابق، بعد أن فر الحراس والمسؤولون من داخله. وكان نحو 500 متظاهر خرجوا عصر أول من أمس في مدينة قلعة دزة الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية، مطالبين بدفع رواتب الموظفين التي توقفت منذ ثلاثة أشهر وإجراء إصلاحات ومحاسبة الفاسدين. وتوجه المتظاهرون أولا إلى مبنى قائمقامية المدينة، ثم غيروا مسارهم باتجاه مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني ورشقوه بالحجارة.
وأفاد شهود بأن حراس المقر ردوا بإطلاق النار على المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل فتى في الرابعة عشرة من العمر ومعلم. وعلى الأثر، تطورت الأحداث وقام المتظاهرون بإحراق مكتبين للحزب الديمقراطي داخل قلعة دزة وناحية زاراوة التابعة لها، واستمرت المظاهرة حتى ساعات متأخرة بعد منتصف ليل الجمعة السبت.
يشار إلى أن مدينة السليمانية تعد معقلا للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وحركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى، فيما تعد مدينة أربيل معقلا للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقال نجاة حسن، مسؤول الفرع الحادي عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بشدر وبتوين التي تشمل قضاءي رانية وقلعة دزة وبلدات سنكسر وزاراوة وجوارقورنة، إن «الهجمات التي شنت على مقراتنا كانت منظمة، وأشرفت عليها حركة التغيير، ويتحمل قائمقام قلعة دزة مسؤولية ما حدث بالدرجة الأولى لأنه المسؤول عن إدارة القضاء ومسؤول اللجنة الأمنية فيه، وكان عليه أن يتخذ احتياطات أكبر للحيلولة دون حدوث هذه الأحداث، لكن مع الأسف لم تتخذ أي إجراءات لمنع ذلك».
وأضاف حسن: «تم إطلاق النار على مقرنا في قلعة دزة من قبل المتظاهرين، وأطلقوا على مقرنا النار من المباني المجاورة له، حيث هاجموا المقر ببنادق القناصة ورشاشات (بي كيه سي)، ومن ثم هاجم المتظاهرون مقرنا ونهبوا محتوياته وأضرموا فيه النيران وهاجموا مقرا آخر لنا في بلدة زاراوة ونهبوه وأحرقوه، وأصيب خلال هذه الهجمات أكثر من سبعة من كوادر حزبنا الذين كانوا موجودين في المقرات أثناء تعرضها للهجوم، حيث تعرضوا لكسور في رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم، حيث تعرضت مقراتنا لوابل من الحجارة والرصاص من قبل المتظاهرين».
بدوره، قال المشرف على إدارة رابرين (رانية وقلعة دزة وأطرافهما)، حميد عبد الله: «قتل حتى الآن شخصان في قلعة دزة وأصيب أربعة عشرة آخرون من بينهم مدير شرطة بشدر. وقد أوعزنا للأجهزة الأمنية في المنطقة بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. أما بالنسبة لحرق مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني فنحن لا نعلم حتى الآن الأشخاص الذين نفذوا هذا العمل، لأنه حدث أثناء الليل، ولم نحدد حتى الآن الجهة المسؤولة عن مقتل المواطنين، فهناك أيادي شغب تقف وراء أحداث العنف، ونحن بدورنا شكلنا غرفة عمليات خاصة لاحتواء الوضع، وأبلغنا القوات الأمنية بعدم حمل السلاح تفاديا لحدوث أي أحداث غير مرجوة». وأشار عبد الله إلى أن المتظاهرين سيطروا على مقرات كل الأحزاب في قلعة دزة وأنزلوا الأعلام المرفوعة عليها وأغلقوها، مؤكدا أن المتظاهرين ليست لديهم أي طلبات محددة حتى الآن.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن إيران بدأت بتنفيذ خطتها لزعزعة الوضع في إقليم كردستان، وتأجيجه، من خلال إدخال عناصر تابعة لها بين المتظاهرين للهجوم على مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني وحرقها وتدمير البنى التحية في الإقليم، وإشعال شرارة حرب داخلية بين الأحزاب الكردية لضرب مساعي رئيس الإقليم مسعود بارزاني لتأسيس دولة كردية، بالإضافة إلى إضعاف الدور الكردي في التحالف الدولي ضد «داعش»، والبدء بإضعاف دور الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، حيث نجحت طهران من قبل في إنهاء الدور الأميركي في العراق والتهيئة للدور الروسي فيه، مؤكدة أن عددا من الأحزاب الكردية الموالية لطهران تنفذ هذه الخطة، وقد اجتمع ممثلو هذه الأحزاب خاصة الموجودين في مناطق المظاهرات بمسؤولين في الحرس الثوري الإيراني خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين داخل الأراضي الإيرانية، وتسلم كل واحد من المشاركين في الاجتماع مبلغ 300 ألف تومان إيراني مقابل تأجيج الوضع في الإقليم، دون أن تتطرق هذه المصادر إلى أسماء المشاركين وأحزابهم.
من جانبه، قال المتحدث الرسمي لمحافظة السليمانية، هونر توفيق، إن الوضع في مدينة السليمانية «تحت السيطرة، وتواصل اللجنة الأمنية في المحافظة متابعة الأوضاع بشكل مستمر، وهناك محاولات لاحتواء الوضع، وإلى حد ما انخفضت أعمال العنف، وهذه المظاهرات هي من تداعيات تأخر توزيع رواتب الموظفين لمدة ثلاثة أشهر، والأزمة المالية التي يشهدها الإقليم حاليا، لذا المتظاهرون يطالبون بتحسين هذه الأوضاع».
بدوره، أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، علي عوني، أن «حماية أمن الإقليم مسؤوليتنا جميعا، وحماية مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني المدنية في هذه المناطق تقع ضمن المسؤولية السياسية والأخلاقية للاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير بشكل خاص والأحزاب الأخرى في محافظة السليمانية، وتخريب الوضع في الإقليم يصب في مصلحة أعداء الكرد».
وعن أسباب استهداف مقرات الديمقراطي الكردستاني في تلك المناطق، أوضح عوني بالقول: «الحزب الديمقراطي الكردستاني في ازدهار ملحوظ ويتقدم في محافظة السليمانية، وفي المقابل يُطالب المواطنون الذين صوتوا للأطراف الأخرى أحزابهم بتنفيذ الوعود الكبيرة التي وعدوهم بها قبل الانتخابات. لذا وصل المواطنون إلى قناعة بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الوحيد الذي يمكن أن يعمل لهم. لذا يريد هؤلاء الآن إيقاف تقدم الحزب الديمقراطي بهذا الشكل. والحل يكمن في أن يوجه الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية كوادرهم وتنظيماتهم بإيقاف هذه المظاهرات، لأن المظاهرات لا علاقة لها بالمواطنين وهي حزبية»، مبينا أن «فضائية (سحر) الإيرانية تبث رسائل سلبية ضد الإقليم وقيادته، وتقول إن المتظاهرين أحرقوا مقرات الخونة وغير ذلك من كلام سيئ، ووصفنا بالخونة دليل على أن لهم هدفا في تعقيد الأوضاع في الإقليم».
لكن النائب عن حركة التغيير في برلمان الإقليم، شيركو محمد أمين، حذر من أنه «إذا لم ترد حكومة الإقليم بشكل جدي ومقنع على مطالب المواطنين، وإذا استمرت في التصرف ببرود وإهمال، فإن الوضع قد يخرج عن سيطرة كل الأطراف مستقبلا. مطالبات المتظاهرين هي على شقين، شق مرتبط بحياتهم الآن من حيث توفير الرواتب والأزمة الاقتصادية، والآخر المطالبة بإصلاحات جذرية في إقليم كردستان»، نافيا في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة لحركته بتغيير اتجاه المظاهرات، واصفا تلك التهم بالتهم التي لا أساس لها.
مظاهرات السليمانية تطالب برحيل بارزاني.. ومصادر كردية تتهم إيران بتخريب أوضاع كردستان
مقتل شخصين وإصابة العشرات وحرق مقرات لـ«الديمقراطي الكردستاني»
مظاهرات السليمانية تطالب برحيل بارزاني.. ومصادر كردية تتهم إيران بتخريب أوضاع كردستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة