بدء الحوار الوطني السوداني في ظل مقاطعة المعارضة المدنية والمسلحة

البشير يتعهد بوقف دائم لإطلاق النار مع الحركات المتمردة

الرئيس السوداني عمر البشير مع رئيس تشاد إدريس ديبي خلال حضورهما الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته في الخرطوم أمس (رويترز)
الرئيس السوداني عمر البشير مع رئيس تشاد إدريس ديبي خلال حضورهما الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته في الخرطوم أمس (رويترز)
TT

بدء الحوار الوطني السوداني في ظل مقاطعة المعارضة المدنية والمسلحة

الرئيس السوداني عمر البشير مع رئيس تشاد إدريس ديبي خلال حضورهما الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته في الخرطوم أمس (رويترز)
الرئيس السوداني عمر البشير مع رئيس تشاد إدريس ديبي خلال حضورهما الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته في الخرطوم أمس (رويترز)

جدد الرئيس السوداني تأكيد دعوته للحوار الوطني ووقف الحرب وتحقيق الوحدة الوطنية، واستعداده لتحويل وقف إطلاق النار الذي حدده في وقت سابق بشهرين إلى وقف دائم، وبإعلاء قيمة الوطن فوق الخلافات الحزبية، ووجه بالسماح للأحزاب السياسية المعارضة بممارسه نشاطها السياسية، وإتاحة حرية التعبير، وبإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعزيز حرية التعبير والإعلام، وذلك في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان قد دعا له منذ قرابة عامين.
وشهد المؤتمر مقاطعة لافتة من القوى السياسية المعارضة الرئيسية والحركات المسلحة، التي تقاتل الحكومة في ثماني ولايات من بين ولايات البلاد الثمانية عشرة، بينما شاركت فيه عشرات الأحزاب الصغيرة أو الموالية، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، وجناح من الحزب الاتحادي الديمقراطي المشارك أصلاً في الحكومة.
وقال الرئيس عمر البشير في كلمته بمناسبة افتتاح أعمال المؤتمر بالخرطوم، أمس، الذي يتوقع أن يتواصل لثلاثة أشهر، إن المؤتمر أقيم لجمع أهل السودان، ووقف الاقتتال بينهم، وتحقيق الوحدة والاستقرار، وتعهد بترك الباب مفتوحًا أمام المقاطعين للحاق بالحوار.
وجدد البشير دعوته لغرمائه من المعارضين بالمشاركة، بقوله: «أجدد الدعوة مرة بعد مرة لأولئك المتشككين، وأولئك الذين قصرت بهم الخطى عن الاستجابة لدعوة الحوار، أن يلحقوا بنا، فنحن نحب أن نرى أبناء السودان، سوادُهم الأعظم، إن لم يكن جميعهم، يتحلقون حول هذه المائدة الواحدة، استجابة لإرادة ورغبة هذا الشعب الأصيل».
وأكد البشير، الذي يترأس في الوقت ذاته لجنة الحوار، أن الوصول لحلول سلمية تفاوضية لقضايا الوطن عبر الحوار يعد «إعلاءً لقيمة الوطن فوق النظرة الحزبية الضيقة»، مشيرًا إلى أن البلاد بحاجة لتوفير المناخ الملائم بوقف إطلاق النار والعدائيات، وتمكين الأحزاب من ممارسة نشاطها السياسي السلمي، وإطلاق سراح الموقوفين السياسيين الذين لا يواجهون تهمًا جنائية، وتعزيز حرية التعبير لإنجاح الحوار.
وعلى غير ما هو متوقع، لم يشهد المؤتمر مشاركة لافتة من زعماء الإقليم والعالم في جلسته الافتتاحية، ولم يشهدها سوى الرئيس التشادي إدريس ديبي، والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ورئيس البرلمان العربي، وهو ما عده مراقبون بمثابة عدم احتفاء من قادة الإقليم بالحوار.
وتعهد البشير بالعمل على وقف دائم لإطلاق النار، وبالالتزام بوقف العدائيات، مشترطًا التزام الطرف الآخر بذلك، مشيرًا إلى أنه أصدر في وقت سابق مرسومين جمهوريين يقضيان بوقف إطلاق النار والعدائيات، وأنه جرى تنفيذهما على أرض الواقع. كما جدد البشير توجيهه للسلطات في مختلف أرجاء البلاد بتمكين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة نشاطها السلمي، بلا تدخل ولا قيد، في الوقت الذي لا تزال فيه أحزاب المعارضة تواجه المنع من ممارسة نشاطها السياسي الجماهيري، ومن اعتقال من ينظموا أنشطة شعبية معارضة وتقديمهم لمحاكمات، بينما يتم اعتقال آخرين منهم بواسطة أجهزة الأمن.
ووجه البشير الأجهزة الإعلامية والمنابر الصحافية للعمل على ما أسماه «تعزيز حرية التعبير» بقوله: «أوجه الأجهزة الإعلامية والمنابر الصحافية للعمل على تعزيز حرية التعبير، بما يمكن المواطنين من المساهمة في إنجاح الحوار الوطني، بلا قيد سوى ما يجب أن تلتزم تلك الأجهزة والمنابر من أعراف المهنة وآدابها، ونصوص القانون، وكريم أخلاق السودانيين النبيلة».
وتعاني الصحافة السودانية من التضييق والرقابة، وتخضع للمصادرة والتوقيف دون محاكمات، بينما يواجه الصحافيون التحقيق والاعتقال والمنع من العمل، وتفرض رقابة أمنية مشددة من قبل سلطات الأمن على ما ينشر في الصحف. وقد صنف المؤشر العالمي لحرية الصحافة، الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، السودان ضمن أكثر الدول الضالعة في انتهاكات حرية الصحافة، ووضعه في المرتبة (174) من جملة (180) دولة.
وقال الرئيس البشير إنه وجه بإطلاق سراح أي موقوف سياسي لم تثبت بحقه تهمة جنائية في الحق العام أو الخاص، معلنًا استعداده والتزامه بتمكين الحركات المتمردة حاملة السلاح من المشاركة في الحوار، بقوله إنه «متى ما قررت المجيء إليه نتعهد بإعطائها الضمانات المناسبة والكافية للحضور والمشاركة، والعودة متى ما رأت ذلك».
وغاب الاتحاد الأفريقي عن الجلسة الافتتاحية التي عقدت أمس، ولم يشارك فيها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي، الذي يتوسط بين الفرقاء السودانيين، كما غاب عنها الرئيس الإثيوبي هايلي مريام ديسالين، والرئيس الإريتري آسياس أفورقي، اللذان درجا على المشاركة في كل المناسبات السودانية.
وترفض المعارضة المدنية المنضوية تحت لواء تحالف قوى الإجماع الوطني ونداء السودان، والجبهة الثورية المسلحة التي تقاتل الحكومة السودانية في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، المشاركة في ما تطلق عليه «حوار البشير»، وتشترط عوضًا عن ذلك الالتزام بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي قضى بعقد جلسة تحضيرية في مقره الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا للاتفاق على إجراءات بناء الثقة، وهو ما يرفضه البشير، الذي عد ذلك رفضًا مبطنًا للمبادرة الأفريقية، على الرغم من إشادة بالوساطة ورئيسها الجنوب أفريقي مبيكي.
ولم يشارك في الحوار الحالي سوى عدد من قادة الحركات المسلحة السابقين، ثلاثة منهم أتوا بمعية الرئيس إدريس ديبي، الذي فشل في إقناع قادة الحركات المسلحة الرئيسية بالقدوم للخرطوم والمشاركة في الحوار، بالإضافة إلى أحزاب موالية للحكومة، وأخرى صغيرة أو منشقة عن أحزاب معارضة، عدا حزبي المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني، المنقسم على نفسه بسبب المشاركة.
وتتوقع اللجنة المنظمة للحوار أن تتواصل أعماله فترة تمتد من شهر إلى ثلاثة أشهر، وتأمل أن تلتحق به خلالها قوى المعارضة الرئيسية بشقيها المسلح والمدني.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.