تعكس مطالبة رئيس الوزراء المصري المكلف إبراهيم محلب المصريين بالصبر على حكومته مدى قلقه من الإضرابات العمالية التي قال خبراء في الاقتصاد بأنها لعبت دورا كبيرا في استقالة سلفه حازم الببلاوي وتظهر إدراكه لحجمها وخطورتها. وتشهد مصر منذ أسابيع موجة إضرابات آخذة في التصاعد لفئات مختلفة من الموظفين والعمال للمطالبة بأن يشملهم قرار تطبيق حد أدنى للأجور أصدرته حكومة الببلاوي أو تطبيق كوادر خاصة لهم. وشملت هذه الإضرابات الكثير من الفئات مثل عمال الحديد والصلب والغزل والنسيج وموظفي الشهر العقاري والأطباء وأخيرا سائقي النقل العام في القاهرة.. وغيرهم.وإذا استمرت هذه الموجة فقد تواجه حكومة محلب التي لا تزال في طور التشكيل نفس مصير الحكومة السابقة التي استقالت فجأة يوم الاثنين الماضي.
وتعهد محلب في أول تصريح له بعد تكليفه بتشكيل الحكومة يوم الثلاثاء الماضي بإجراء حوار مع العمال. لكنه طالب أيضا المواطنين المحبطين من الوضع الاقتصادي بالصبر وقال «هناك محدودية -في الموارد- لكن هناك مستقبل زاهر ينتظر مصر». وتولى الببلاوي رئاسة الحكومة في يوليو (تموز) الماضي.ولم تندلع الإضرابات إلا بعد عجز الحكومة عن تنفيذ وعدها بتطبيق الحد الأدنى للأجور وقدره 1200 جنيه -172 دولارا- على جميع العاملين بالدولة بدءا من العام الحالي إذ لم يطبق إلا على موظفي القطاع العام فقط ولم يشمل موظفي قطاع الأعمال العام والهيئات الخاصة وكلها تابعة للحكومة.
* غياب الشفافية والمصداقية
* قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لـ«رويترز» «الخطأ الفادح الذي وقعت فيه حكومة الببلاوي أنها قطعت على نفسها وعدا بتطبيق الحد الأدنى للأجور دون أن يكون لديها الموارد الكافية والتي تبلغ نحو 18 مليار جنيه».
وأضاف «جعل ذلك لدى الموظفين والعمال قناعة بأنه سيتم تطبيقه وبدأوا يرتبون حياتهم على هذا الأساس. كما ارتفعت أسعار السلع والخدمات استنادا إلى الزيادة المتوقعة في الرواتب».
وقالت سلوى العنتري رئيس قطاع البحوث الأسبق بالبنك الأهلي الخبير الاقتصادي لـ«رويترز»: «مشكلة الحكومة السابقة كانت في البطء الشديد في اتخاذ وتنفيذ القرارات - حتى ولو كانت في الاتجاه الصحيح - وعدم الشفافية والمصداقية». وينصح الخبراء حكومة محلب بعدم الوقوع في نفس الفخ والاعتماد على مبدأ المصارحة والشفافية.
وتعكس تصريحات محلب الأولى إدراكه لهذا الأمر. وقال إنجوس بلير رئيس مؤسسة سيجنت المعنية بالتوقعات الاقتصادية لـ«رويترز» في وقت سابق هذا الأسبوع «لقد كان -محلب- صريحا جدا بخصوص المشكلات التي تواجهها مصر وكان واضحا حين تحدث عن ضرورة إشراك المواطنين معك فيما تحتاج فعله بخصوص السياسات التي ستتبع لتحسين الاقتصاد».
وكان محلب يشغل منصب وزير الإسكان في حكومة الببلاوي وكان رئيسا لمجلس إدارة شركة المقاولون العرب وهي واحدة من أكبر شركات المقاولات في مصر. كما كان عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل الذي كان الحزب الحاكم في عهد مبارك.
* إصلاح الأجور ونظم العمل
* وذهبت بعض وسائل الإعلام الحكومية وحتى الخاصة إلى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء تصاعد موجة الإضرابات.
وقال أحمد السيد النجار وهو محلل اقتصادي بارز في مقال له نشر بصحيفة «الأهرام» يوم الاثنين الماضي وهو نفس يوم استقالة الببلاوي أن الاتهامات الموجهة لـ«الإخوان» قد تكون «حقيقة» لكنها «لا تنفي حقيقة أخرى أكثر أهمية وجلاء وهي أن هناك قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية ملحة». وأضاف النجار وهو أيضا رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» الصحافية الحكومية «المدخل الأكثر فعالية لمعالجة هذه الاحتجاجات الاجتماعية هو إصلاح نظامي العمل والأجور معا سواء تم ذلك بشكل متدرج وفقا لخطة واضحة ومجدولة زمنيا أو تم بصورة فورية وشاملة إذا توافرت الإمكانات لذلك». واتفق مع ذلك صلاح جودة مدير مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة والذي قال لـ«رويترز»: «يجب إعادة هيكلة نظام العمل وتحديد معايير جودة لكل فئة أو مهنة».