رغم مرور عدة أشهر على آخر عملية إرهابية كبرى تعرضت لها تونس أوائل شهر يونيو (حزيران) الماضي على شاطئ مدينة سوسة، ما زالت السلطات التونسية، على أعلى مستوياتها، بادية القلق من تكرار مثل هذه الأعمال التي تضرب الاستقرار وتنعكس سلبا على حياة المواطنين وعلى صحة الاقتصاد وعلى قطاع السياحة. وما زالت ليبيا التي تتقاسم مع تونس حدودا بطول 500 كلم، مصدر القلق الأول بالنسبة للمسؤولين التونسيين الذين يشكون من بطء التقدم في الوساطة الدولية التي يقوم بها المبعوث الدولي برناردينو ليون وغياب بنى الدولة في ليبيا وبقاء الحدود مشرعة وبعيدة عن الرقابة المطلوبة.
ودق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بمناسبة لقاء مع مجموعة صغيرة من الصحافيين بينهم «الشرق الأوسط» في قصر قرطاج، ناقوس الخطر محذرا من تمدد تنظيم داعش إلى مناطق قريبة من حدود بلاده مع ليبيا. وقال السبسي إن «داعش» «لا يبعد سوى سبعين كلم عن الحدود التونسية» مضيفا أن هذا التنظيم الإرهابي الذي كان في السابق موجودا في طبرق ودرنة (شرق ليبيا) هو اليوم «موجود في سرت» معقل العقيد الراحل معمر القذافي ويبسط سيطرته على مطار المدينة كما أنه وصل إلى «صبراطة وهي تقع على مسافة قريبة من حدودنا». وبرأيه، فإن ليبيا «ما زالت مصدر المشاكل لتونس، فلا دولة موجودة فيها ولا رقابة مفروضة على الحدود والسلاح يدخل ويخرج وكذلك الإرهابيون». ومع أن الشخصين اللذين ارتكبا مقتلة متحف باردو في العاصمة في 19 مارس (آذار) الماضي ثم شاطئ سوسة هما تونسيان «إلا أنهما تدربا في معسكرات في ليبيا» وبالتالي فما زالت أنظار المسؤولين السياسيين والأمنيين في تونس مشدودة باتجاه الحدود الليبية.
وينظر الرئيس السبسي إلى بلاده على أنها «رأس جسر» للحرب على الإرهاب التي تخوضها للدفاع عن نفسها بالطبع ولكن أيضا «لحماية البلدان الأوروبية لأنه لم يعد هناك أي بلد بمنأى عن الإرهاب» وبالتالي عندما تمد أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية يد المساعدة لتونس: «فإنها في الواقع تدافع عن نفسها». ولا يخفي السبسي أن بلاده «تتلقى دعما أميركيا» ولديها اتصالات مفيدة مع البلدان الأوروبية التي ذكر منها فرنسا وألمانيا. لكنه يتمنى، على أي حال، أن تتوفر لبلاده التي تعاني من صعوبات اقتصادية جمة ومن تناقص مواردها من أحد القطاعات الأكثر مردودية وهو السياحة «مزيدا من الدعم» للمحافظة على «التجربة الديمقراطية» التي اجتازت بنجاح المرحلة الانتقالية.
لكن إذا كانت الأمور على ما هي عليه، فلماذا إذن رفع الرئيس التونسي حالة الطوارئ التي فرضت الصيف الفائت؟ الحقيقة أن قرار السبسي أثار الكثير من التساؤلات إذ أنه ينبه، من جهة، من اقتراب الخطر الإرهابي القادم من وراء الحدود، ومن جهة أخرى يحذر من إرهاب الداخل، خصوصا أن هنالك، وفق ما قاله، ما بين 3 آلاف و4 آلاف تونسي يقاتلون إلى جانب منظمات إرهابية في سوريا والعراق وليبيا. ومع ذلك، فإنه يقرر رفع حالة الطوارئ؟
يرد السبسي على ما يظهر أنه «تناقض» ما بين التشخيص والقرار باللجوء إلى حجتين: الأولى قانونية ومفادها أن قانون الطوارئ فرض حتى الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) وبالتالي فإنه «سقط من نفسه» لأنه لم يمدد. والحجة الثانية سياسية وقوامها أن القانون المفروض أثار انتقادات واتهامات للحكومة ومنها أنها تريد كم الأفواه ومنع المظاهرات والاحتجاجات. لكنه يسارع إلى التأكيد على أن شيئا من هذا لم يحصل.
يتشعب الحديث مع الرئيس السبسي. فبالنسبة لليبيا الجارة، يدعو إلى وضع حد للتدخل الخارجي في هذا البلد «لأن التدخل الخارجي لا يمكن أن يكون إلا لمصلحة الخارج» كما أنه «يمكن أن يفضي إلى تقسيم ليبيا» وهو أمر سيكون بمثابة الكارثة على المنطقة. ومن جانب آخر، لا يبدو «متشجعا كثيرا» من الوساطة التي يقوم بها المبعوث الدولي برناردينو ليون الذي كان يسعى للإعلان أمس عن التفاهم على رئيس لحكومة الاتحاد الوطني وفق وثيقة الاقتراحات التي تقدم بها للطرفين المفاوضين في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ولعل ما يقلق الرئيس التونسي أنه «لا أحد يحارب داعش في ليبيا نفسها» ما يسمح له بالتجذر والتمدد.
وفي الملف السوري، لا يخفي السبسي مواقفه ومقاربته التي يقول عنها إنها «قريبة من مقاربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي». وكان السبسي قد زار مصر بمناسبة احتفالات السادس من أكتوبر حيث حل على القاهرة «ضيف شرف». وقوام موقفه أن سابقه في الرئاسة منصف المرزوقي قد «قام ببادرات سيئة تجاه سوريا» منها الطلب من السفير السوري لدى تونس مغادرة البلاد والوقوف في صف بلدان «أصدقاء الشعب السوري»... وبرأيه أن «الأمور تغيرت» وهو يلحظ ثلاثة تغيرات في مقاربة الأطراف المعنية: الأول، قوامه أن السبب الذي كان يحول دون التقدم في الحل السياسي «أي مصير الرئيس السوري» قد غاب «لأن واشنطن نفسها لم تعد تطالب برحيل الأسد الفوري» وبالتالي فإن خروجه من الصورة «أصبح اليوم ثانويا». والثاني، بروز الدور الروسي حيث «فرضت موسكو ومعها طهران نفسيهما شريكين أساسيين في الحل الأمر الذي هو في صدد تغيير المعطى الإقليمي - الدولي». أما العنصر الثالث فهو غياب تأثير العنصر العربي.
بناء على ما تقدم، يدعو السبسي إلى تغيير الأولويات بحيث «يتحول التوصل إلى المسار السياسي إلى أولوية الأولويات». وفي أي حال، يرى الرئيس التونسي أن الضربات الجوية التي توجه من هذه الأطراف أو تلك ضد «داعش» «غير كافية» فضلا عن أنها «تساهم في تقويته وتقدمه». ولذا، برأيه، لا سبيل سوى البحث عن الحل السياسي وتوفير أسسه.
لا تغيب المسائل الداخلية عن الحوار مع السبسي، فهو صاحب مشروع القانون الخاص بـ«المصالحة الاقتصادية» الذي يثير الكثير من اللغط في السوطين السياسي والإعلامي التونسي بين من يتهم الحكم بالسعي لإعادة تأهيل النظام السابق وبين من يرى «ضرورة» إعادة إطلاق الماكينة الاقتصادية وتحفيز عودة رؤوس الأموال الهاربة من البلاد وتشجيع المستثمرين الخارجيين. وعندما يقال له إن أحد الوزراء استقال وإن من بين أسباب استقالته، كما أعلن، استقواء الفساد، يرد بدعوة الوزير المذكور إلى «تقديم البراهين حتى يقوم القاضي بواجبه». وأخيرا عندما يلمح أمامه بإمكانية ترشحه لولاية رئاسية جديدة يرد مازحا أنه «ما زال في أول طريق الولاية الأولى» وأنه «يقدم تضحية كبيرة لبلده» بشغله منصب رئاسة الجمهورية وهو في الثانية والثمانين من عمره.
الرئيس التونسي يدق ناقوس الخطر: «داعش» على الأبواب
السبسي قال خلال لقاء مصغر مع صحافيين حضرته {الشرق الأوسط} إنه لم يعد هناك بلد بمنأى عن الإرهاب
الرئيس التونسي يدق ناقوس الخطر: «داعش» على الأبواب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة