من التاريخ: فرعونيات

من التاريخ: فرعونيات
TT

من التاريخ: فرعونيات

من التاريخ: فرعونيات

كثيرة هي النظريات الخاصة بعلم الحفريات والآثار الفرعونية في مصر التي تكشف بتؤدة وبطء شديدين قشور التاريخ الفرعوني القديم في مصر، فهذا العلم المتوسّع استطاع أن يجذب أنظار العالم كله بما يشبه الانبهار بهذه الفترة التاريخية أكثر من أي فترة تاريخية في أي دولة أخرى. لهذا أسبابه بطبيعة الحال وهي ترتبط بشكل مباشر بنوعية الآثار الفرعونية مثل الأهرامات ومعبد الأقصر وأبو سمبل وغيرها، فإن العالم ينظر لهذه الحضارة باعتبارها مهد الحضارات التي خرجت منها أفكار كثيرة منها مفهوم التوحيد في زمن الأوثان، ومع ذلك فهي لا تزال حضارة غامضة تفاصيلها واراها الزمن والغموض. ولكن لا تزال لدينا ومضات تاريخية على أيدي علماء آثار، وكل هذه الأسباب دفعتني لحضور محاضرتين للدكتور زاهي حواس حول الفراعنة وتاريخهم وآثارهم، ومن أهم ما استوقفني في كلامه ما يلي:
أولاً: يظل الملك توت عنخ آمون إحدى أهم بؤر الاهتمام بهذه الحضارة، خاصة بعد اكتشاف مقبرته في وادي الملوك بالأقصر في عام 1922 على يدي عالم الآثار هوارد كارتر، ولقد لعبت المصادفة وحدها الدور الأول في اكتشاف هذه المقبرة. إذ أنزل شاب مصري صغير اسمه حسين عبد الرسول كان يعمل سقا للعاملين وعاء كبيرا من الماء من ظهر البعير ثم وضعه في مكان قريب، فإذا به يهوي إلى فراغ أجوف. وهكذا اكتشف الشاب الصغير مدخلا لمقبرة الملك توت عنخ آمون، فذهب مهرولاً إلى كارتر ليطلعه. وبعدها بدأت عملية اكتشاف المقبرة الهامة في تاريخ مصر. وهكذا لعبت المصادفة دورها الأول والأخير في اكتشاف أهم أثر في العصر الحديث.
رغم كل الهالة المرتبطة بهذه المقبرة وبشخص الملك توت عنخ آمون، فإن الغموض كان له النصيب الأكبر في شخصية هذا الملك الشاب الذي استقر الرأي على أنه كان دميم الطالع، قصير القامة، كثير المرض. ولقد تعدّدت النظريات حول موته في سن مبكرة للغاية، لا سيما مع اكتشاف الأشعة المقطعية الحديثة وجود ثقب في أسفل جمجمته. ولكن النظريات الرائجة تشير إلى أن توت عنخ آمون مات إثر سقوطه من عربته التي كان يجرّها الخيل فسقط ومات وكسرت إحدى رجليه أيضًا، وهو ما يبرّر الكسر الذي اكتُشف في الساق. كما أن هذه النظرية تشير إلى أن الثقب أسفل الجمجمة هو نتاج طبيعي لعملية التحنيط إذ كان المصريون القدماء يثقبون الجمجمة لتصفيتها من كل ما فيها تمهيدًا لعملية التحنيط. وهذه النظرية تفك الغموض بشكل شبه كامل حول شخصية الملك الأسطورة توت عنخ آمون، الذي زار قناعه الجنائزي الكثير من العواصم العالمية وسط ذهول وشوق المشاهدين الزائرين.
ثانيا: لعل نظرية بناء الأهرام كانت من أهم شواغل العاملين في هذا الحقل، ولقيت فضول العالم كله من بعد ذلك. هذه الصروح بنيت على هضبة الجيزة في منتصف القرن السادس والعشرين قبل الميلاد على مساحة ثلاثة عشر فدانًا باستخدام ما يقرب من 2.3 مليون حجر يزن أقلها قرابة نصف طن، وتمثل الأهرام أهم عجائب الدنيا السبع حتى الآن ولا يضاهيها أي أثر آخر، وقد كان بناء الأهرام يمثل للمصريين مشروعًا قوميًا، يعيد إلى الذاكرة أيضًا مشاريع قومية عملاقة مثل السد العالي في العصر الحديث. ولقد تعددت النظريات حول بناء الأهرام، فمنهم من طرح فكرة أن هناك كائنات فضائية أنجزت عملية البناء بسبب دقته الهندسية المتناهية، كما اقترح آخرون أن جنسيات أخرى غير المصريين هي التي تولت البناء، وتفتق ذهن البعض إلى أن وراء البناء إيحاءات فضائية. ولكن حقيقة الأمر أن هناك معلومات تدحض كل هذه النظريات غير الواقعية، وتشير بوضوح إلى أن الأهرام شيّدت بأيدي المهندسين المصريين وأن أحجارها لم تأت من جبل المقطم كما يشيع البعض بل من منطقة الجيزة ذاتها.
ثالثًا: كان السحر من أهم ما فتن المصريين القدماء، وكان أيضًا من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام حول الحضارة الفرعونية. وهناك بالفعل برديات حول السحر، لعل أهمها بردية «خوفو والسحرة» التي تتضمن الكثير من حكايات السحر، منها أن الملك عندما كان يستخدم سفينته التي تقودها أربعون امرأة فقدت زعيمتهم إحدى مصوغاتها فبكت، وعلى الأثر قام كبير الكهنة باستخدام السحر من أجل تصفية مياه البحيرة حتى تستطيع المرأة أن تجد حليتها. وهذا يذكرنا ببعض الأفلام الحديثة في هوليوود التي برزت فيها قصة تصفية الكاهن لمياه البحيرة بأساليب مختلفة. كذلك تناولت البردية أيضًا قصة إحضار الملك خوفو الساحر «جيدي» وطلبه منه قطع رقبة شخص وإعادتها مرة أخرى، ولكن الرجل أصرّ على عدم القيام بهذه التجربة على أي إنسان، فأحضروا له طائرًا فقام بقطع رقبته وأعادها مرة أخرى، وعندما طلب الملك من الساحر أن يعرفه كيف صنع هذا رفض الساحر قائلا إنه سحر الإله «تحوت» فغضب منه الملك ولكن الساحر أصر على موقفه.
وهكذا كان السحر قويا للغاية عند الفراعنة، وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى ذلك منها قول الحق سبحانه «قَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ، فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» (صدق الله العظيم).
رابعًا: لم يخلُ تاريخ الجيش المصري الوطني في العهد الفرعوني من الاستفسارات حول طبيعته وشكله وأساليب معاركه ودوره في السياسة العامة للأسر الفرعونية المتعاقبة. ولعل من أكثر المسائل إثارة للفضول كان دور الجيش المصري في ضمان الاستقرار الداخلي للدولة المصرية، فهناك برديات أشارت إلى معركة ضارية جرت على الحدود الشرقية المصرية عندما تجمّعت قوات ضد الفرعون فأرسل إليها جيشًا كبيرًا. وعندما رأى العدو حجم القوات المصرية وضع أبناءه ونساءه دروعًا بشرية أمام قواته حيث كان يعرف أن الجيش لن يضرب المصريين من الأطفال والنساء، فما كان من قائد الجيش إلا أن تراجع حتى لا تصيب سهام جيشه هؤلاء، ثم أمر ببناء جسر خشبي كبير استطاع من خلاله أن يخلق الارتفاع المناسب ليتم تصويب الأسهم من فوق الدروع البشرية. وفعلاً، التفت قواته حول هذه الدروع البشرية وبدأت في مهاجمة العدو وهزيمته دون التعرض للنساء والأطفال. وهذا أمر يبدو أنه كان جزءًا من استراتيجية بعض ملوك الفراعنة، إذ أعلن القائد «ويني» أشهر قادة الأسرة السادسة أمام جيوشه أن الفرعون قد أمره بألا يسبي امرأة أو يتعرّض لطفل.
ومن ناحية أخرى فإن القائد العسكري العظيم «حور محب» يعد مثالاً على الدور الوطني للجيش المصري منذ العهد الفرعوني، فلقد دخلت البلاد في فتنة دينية ضروس عقب موت الملك أخناتون الذي نادى بمفهوم التوحيد وعبادة الإله الواحد خلال زمن كان المصريون القدماء يؤمنون فيه بتعدد الآلهة. ويومذاك دخلت البلاد في حرب أهلية بين المُوحدين والمطالبين بتعدّد الآلهة، وهنا تدخل الجيش لفض الاشتباك وأعاد الاستقرار للبلاد بكل قوة وسن القوانين اللازمة للحفاظ وحفظ البلاد من كارثة حقيقية.
وهكذا استمر الحديث حول الفراعنة وتاريخهم على مدار ساعات المحاضرتين الممتدة وسط ذهول البعض واستفسارات البعض الآخر، ولكن يبدو أن الأيام والأشهر والسنوات القادمة ستفتح لنا مجالات أخرى من خلال اكتشافات جديدة للتعرف عن كثب على حقائق نجهلها اليوم عن الفراعنة وتاريخهم.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.