إنها المدينة التي لا بد أن تعشقها من النظرة الأولى لأناقة قصورها وفخامة مبانيها وجمال حدائقها. إنها المدينة التي أهدت العالم سيارتي «مرسيدس» و«بورشه» الفاخرة. إنها شتوتغارت المدينة التي شهدت في السنوات الأخيرة حركة ناشطة للسياح العرب، ولذلك وقع الطيران الألماني «إير برلين» اتفاقية تعاون مشترك مع طيران الاتحاد لتسيير رحلات يومية بين العاصمة الإماراتية وعاصمة ولاية بادن فورتمبيرغ التي تتمادى وسط طبيعة مشبعة بالجمال العذري. في مطار شتوتغارت الدولي الذي يمر فيه ما يقارب العشرة ملايين مسافر سنويًا، يعبر السياح قاعاته الرحبة، ويمرون بين متاجره المتنوعة ومطاعمه الكثيرة أكثرها شهرة مطعم «توب إير» الذي يعد المطعم الوحيد داخل المطارات العالمية الذي يحمل نجوم «ميشلين» التي تمنح لأرقى وأفضل المطاعم. يقولون إن العطلة الجميلة تبدأ من أرض المطار، وشتوتغارت لا تخيب آمال زوارها، لأن العطلة إلى ربوعها لا بد أن تكون كل لحظة فيها مظللة بالسعادة والرفاهية.
* كنوز معمارية في انتظاركم
حصدت شتوتغارت المركز الأعلى في المعيار العام للازدهار بين كل مدن ألمانيا. فهذه المدينة التي تعد سادس أكبر مدن البلاد بعد برلين، وهامبورغ، وميونيخ، وكولون، وفرانكفورت، تزخر بالمتاحف، والمعارض، والقصور، والساحات التاريخية. فهنا ساحة القصر «شلوسبلاتز» Schlossplatz أكبر ساحات المدينة. و«شلوسبلاتز» هي المكان الذي منه يبدأ السياح رحلتهم في عباب المدينة. على الطرف الجنوبي من الساحة يربض القصر الجديد «نويس شلوس» Neues Schloss المليء بالتفاصيل المعمارية الفخمة التي ترقى إلى عام 1746. وهذا البناء الضخم كان في الماضي المقر الرئيسي لملوك مملكة فورتمبيرغ التي قامت بين عامي 1806 - 1918 أي مكان وجود ولاية بادن فورتمبيرغ اليوم. لم تقلل السنوات الطوال من أهمية هذا المبنى، ولذلك بقي مركزًا للنفوذ والسلطة لأنه يحتض حاليًا الكثير من الوزارات والإدارات الحكومية لولاية بادن فورتمبيرغ. مسافة قصيرة قطعتها لأصل ساحة «شيلربلاتز» Schillerplatz التي تحمل اسمها تخليدًا لذكرى الفيلسوف والشاعر والكاتب والمؤرخ الألماني «فريديرك شيلير» الذي رحل عن تلك البلاد عام 1805، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا وثقافيًا ضخمًا أغنى المكتبة الألمانية والعالمية. علمت أن «كارل أويغن» دوق فورتمبيرغ كان مولعًا بمظاهر الترف وتبذير المال، وكان يحلم بجعل شتوتغارت «فرساي الثانية». فقرر بناء القصور الشبيهة بالقصور الفرنسية. ولذلك شيد عام 1764 قصر العزلة «شلوس ساليتود» Schloss Solitude الذي يزيح الستار عن آخر روائع المباني الباروكية الملكية المشيدة على الأراضي الألمانية. في القصر يغوص الزائر في حياة القصور في القرن الثامن عشر، وكيف كانت تعيش الأسر المالكة. ونظرًا لما سمعت عن عظمة القصور في شتوتغارت ومحيطها، قمت برحلة إلى شمال المدينة، فبعدما قطعت مسافة 14 كيلومترًا وصلت بلدة «لودفيغسبيرغ» الشهيرة بقصرها الذي يحمل اسمها - قصر «لودفيغسبيرغ» Ludwigsburg Palace الذي بدأ بتشييده الدوق «إيبرهارلد لودفيع فورتمبيرغ» عام 1704 وهو بعمر السابعة والعشرين، ولم ينتهِ من بنائه إلا بحلول عام 1733. وقد شرع كل من تعاقب على القصر في إضافة المباني الجديدة عليه، ليصل عددها اليوم إلى ثمانية عشرة مبنى، تضم 452 غرفة. وهذا ما يجعله أكبر وأجمل قصر باروكي في ألمانيا.
* موطن صناعة السيارات
ليست شتوتغارت أرض القصور والقلاع الفخمة فقط، فهي أيضًا المدينة التي أهدت العالم سيارتي «مرسيدس» و«بورشه» الفخمة. في متحف «مرسيدس بنز» Mercedes - Benz Museum يتعرف الزوار على تاريخ سيارة «مرسيدس» الطويل الذي يعود لعام 1886. ففي صالاته الفسيحة التي تتمادى على مساحة 16500 متر مربع، وعبر مستوياته التسعة هناك 160 سيارة تتنوع من سيارات قديمة الطراز إلى آخر الابتكارات العصرية لهذه الماركة التي تغزو الأسواق العالمية بنجاح باهر. وعلمت خلال زيارتي للمتحف، أن «مرسيدس بنز» ستطرح سيارة ذات تصميم مستقبلي ذاتية القيادة تحمل اسم «F015». وستصمم السيارة المستقبلية بشكل كبسولي، وسيكون طولها نحو 17 قدمًا، أما ارتفاعها فسيكون خمسة أقدام، وستحظى بزجاج واحد للسقف والمقدمة، وستجهز بأربعة مقاعد للركاب قابلة للدوران لتواجه بعضها، ولا يمكن لراكبي السيارة رؤية العالم الخارجي من دون استعمال شاشات داخلية تتحرك بواسطة حركة العين لتعطي انطباعًا حقيقيًا ولتبقي المسافرين على اتصال بالخارج. وصممت «F015» لتكون خفيفة الوزن، فهيكلها مكون من ألياف الكربون والألمنيوم وبعض أجزاء من الصلب لتوفير الأمان والراحة للركاب. إذا أحببتم التعمق بتاريخ السيارة ومن كان وراء إطلاقها، فلا تترددوا بزيارة بلدة «شورندورف» Schorndorf التي تفصلها عن شمال شتوتغارت مسافة 26 كيلومترًا. فيها ولد المهندس الألماني «غوتليب دايملر» Gottlieb Daimler عام 1843، الذي يعتبر واحدًا من الذين لعبوا دورًا أساسيًا في تطوير محرك البنزين وفي اختراع وتطوير سيارة «مرسيدس». عام 1979 اشترت شركة «دايملر بنز» المنزل وحولته إلى متحفًا ليحكي من خلال الوثائق والمعروضات جانبًا مهمًا من حياة ذلك الرجل الذي ترك بصمة واضحة في عالم «مرسيدس». ومن متحف «مرسيدس» انتقلت إلى متحف «بورشه» Porsche Museum الذي يعتمد في هندسته على ثلاث ركائز إسمنتية بحيث يبدو وكأنه يطفو فوق سطح الأرض. يحتضن المتحف 80 سيارة، بدءًا من أولى منتجات الشركة عام 1948، إلى الجيل الجديد من البورش 911 المتوفر بفئات متعددة، تختلف في تجهيزاتها، ولكنها تتشارك نفس المفهوم العام والشخصية الفريدة التي تخاطب الفئة الشابة. لا تتركوا المتحف دون زيارة القسم المخصص لمتابعة كيفية العمل على صيانة سيارات «بورشه» الكلاسيكية أو تجهيز السيارات القديمة التي لا تزال تحافظ على حالتها الجيدة لخوض السباقات.
* التبضع
ويبقى التبضع ثم التبضع على قائمة النشاطات السياحية لأكثرية السياح العرب. وشتوتغارت لا تخيب آمالهم وبالأخص عندما يصلون إلى شارع الملك «كونيغشتراسيه» Konigstrasse الذي تأسس في بداية القرن التاسع عشر خلال فترة حكم «فريديرك الأول» - أول ملوك مملكة فورتمبيرغ.. و«كونيغشتراسيه» هو أحد أهم وأطول الشوارع التجارية في ألمانيا، ويزدحم بالمتاجر، والمراكز التجارية، والمقاهي، والمطاعم التي تمتد على أكثر من مسافة كيلومتر. لا تنهوا جولتكم هنا، بل تابعوا السير باتجاه شارع «كالفير شتراسيه» Calwer Strasse، حيث ستتمتعون بهندسة مبانيه التي زخرفت واجهاتها بالخشب القادم من الغابة السوداء، واعتمرت القرميد الملون، ليحتضن في طابقه الأرضي الموازي لشارع المشاة متاجر كثيرة تمتلئ واجهاتها بأفخر الماركات العالمية والمحلية، وبالجواهر التي تشع وتتألق لتغوي المارة بشرائها. يتفاخر أهل شتوتغارت بأن مدينتهم تضم أول شارع تجاري للمشاة في ألمانيا والمعروف باسم «شولشتراسيه» Schulstrasse الذي لا يزال يستقطب منذ عام 1953 آلاف الزبائن يوميًا.
* معالم سياحية هنا وهناك
تعد حديقة «فيلهيلما» Wilhelma للحيوانات والنبات أكبر وأجمل حديقة حيوانية ونباتية في أوروبا، ومقصدًا لما يقارب المليوني زائر سنويًا. استغرقت مرحلة تشييدها نحو 11 عامًا، أي من 1842 - 1853، وتضم اليوم نحو 9 آلاف حيوان من ألف فصيلة، تنتشر حول مئات الأصناف من الزهور والنبات والأشجار التي تتعالى في وسطها لتجعل من ذلك المكان فسحة للترفيه والتسلية. في أعالي الحديقة هناك محطة للقوارب يمكن من خلالها القيام برحلة في نهر «نيكار» الذي ينبع من الغابة السوداء، حيث بإمكانكم اختيار إحدى الرحلات المخصصة إلى أسفل النهر لتمتعوا ناظريكم بلوحات بانورامية لكروم العنب التي تصطف بانتظام شديد، وحولها تنتشر الكثير من البلدات التي تلامس جانبي النهر. ومما لا بد من زيارته في شتوتغارت الصالة المعروفة باسم «زيس بلانيتاريوم» Zeiss Planetarium التي تمثل النظام الشمسي. وفيها ستدهشون عند رؤية السماء وهي تتلألأ بالنجوم في منظر بديع ومثير. وقائمة المعالم السياحية في شتوتغارت تكاد لا تنتهي منها «برج التلفزيون» Stuttgart TV Tower. فهذا البناء العملاق الذي يصل ارتفاعه إلى 216 مترًا، هو أول برج للتلفزيون في العالم، وهو القدوة للكثير من المدن الألمانية والعالمية لبناء أبراج مماثلة، كتلك الموجودة في العاصمة الألمانية برلين، وفي مدينة سياتل الأميركية، وفي مدينة جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا. من المنصة المخصصة للمراقبة في أعلى البرج، ستستمتعون بإطلالة رائعة على المدينة، وستشعرون وكأنكم على مرمى حجر من الغابة السوداء الأسطورية. أما إذا قررتم اكتشاف المناطق المحيطة بشتوتغارت، فندعوكم برحلة إلى بحيرة «كونستانس» Constance التي تبعد عنها ما يقارب الساعتين بالسيارة. وتكشف البحيرة عن جمالها لزوارها لتهبهم منظرًا بديعًا لأكبر بحيرة في ألمانيا التي تتقاسم زرقة مياهها مع سويسرا والنمسا. تحافظ بلدة «كونستانس» على إرثها المعماري والتاريخي الذي سيطل عليكم من خلال تلك المباني العريقة المشيدة منذ زمن طويل. تنشط على مياه البحيرة الرحلات المائية لتعرف السياح على جزرها الصغيرة المترامية على صفحة مياهها الهادئة. فهنا جزيرة «لينداو» Lindau التي تأسست عام 950، وفيها يعيش نحو 26 ألف نسمة. وهنا أيضًا جزيرة الزهور «مايناو» Mainau التي تمتلك أجواء البحر الأبيض المتوسط والبلدان الدافئة. فأرضها مسرح مفتوح للزهور الاستوائية التي تعطر أجواء متنزهاتها وحدائقها التي تتعالى فيها أشجار النخيل، وأصناف متنوعة لنبات الصبار، والزهور الأخرى التي تمنحها قدرًا كبيرًا من الحياة والجمال. وبذلك تكون شتوتغارت والمناطق المحيطة بها قد نجحت بوضع نفسها على قائمة أهم مدن العالم سحرًا وجمالاً ومن أكثرها استقطابًا للسياح.