احتفلت ألمانيا أمس بمرور 25 سنة كاملة على إعادة توحيد الأمة، مع زعيمين من قادة الشرق الشيوعي الألماني السابق على رأس دولة تزيد في تأكيد ثقلها السياسي داخل أوروبا، لكنها تواجه الآن تحديات جديدة، أبرزها تدفق جموع اللاجئين الذي أصبح يفرض على الدولة التمتع بقدر كبير من الدهاء والصبر.
واتحد غرب ألمانيا مع شرقها في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1990، وجاءت الوحدة تتويجا لعملية سياسية بدأت قبل 11 شهرا، وذلك عندما فتحت القيادة الشيوعية الألمانية الشرقية جدار برلين، تحت ضغوط المظاهرات العارمة حينئذ. وكانت عملية تسوية الخلافات القائمة ما بين الشرق والغرب بطيئة وطويلة ومضنية، لدرجة أن بعض الفوارق لا تزال تراوح مكانها حتى يومنا هذا.
لكن رغم ذلك، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي نشأت في الجانب الشرقي من ألمانيا، والتي ولجت عالم السياسة مع انهيار الشيوعية هناك، قبل ميعاد الاحتفالات: «إن الأمور تسير بشكل جيد.. لقد انخرط الكثير من الناس في الأمر، وأظهروا حماسة متناهية، وبدأوا في تعلم وظائف جديدة». كما يعد يواخيم غاوك، رئيس ألمانيا منذ عام 2012، من أبناء الجانب الشرقي، وهو قس سابق ومن النشطاء المؤيدين للديمقراطية.
ومنذ إعادة توحيد ألمانيا، جرى ضخ ما يقرب من تريليوني يورو (نحو 2.2 تريليون دولار)، إلى شرق ألمانيا لمساعدتها في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، بسبب انهيار الصناعة التي عفا عليها الزمان. وكنتيجة لذلك بدا أن النزوح المستمر للمواطنين منذ فترة التسعينات من الشرق إلى الغرب قد توقف أخيرا، مع عدد أكبر من المواطنين الألمان الذين أصبحوا ينتقلون الآن من الغرب إلى الشرق لأول مرة منذ عام 2013.
وعلى الرغم من استمرار ارتفاع معدلات البطالة في الشرق الألماني مقارنة بغربه، فإن تلك الفجوة آخذة في التراجع. ويبدو أن تعهدات المستشار الألماني السابق هيلموت كول للمواطنين الشرقيين بأنهم سيعيشون في رغد من العيش لم تعد بعيدة المنال. وبهذا الخصوص يقول هاينريش أغسطس وينكلر، أحد أبرز المؤرخين الألمان: «لقد حدث الشيء الكثير هنا بلا أدنى شك.. فالتفاوت الاقتصادي بين الشرق والغرب في ألمانيا بات أقل بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي. ولكن ذلك ليس سببا للغرور والصلف بأي حال. فغياب الشركات الإنتاجية الكبيرة في شرق ألمانيا يُظهر أن هناك الكثير والكثير الذي يجب القيام به».
وبطرح هذه المخاوف على حدة، فقد تمكنت ألمانيا من ترسيخ مكانتها داخل أوروبا بوصفها أكبر اقتصاد في القارة خلال السنوات القليلة الماضية، التي شهدت زيادة مطردة في طموحات ألمانيا اعتبارا لثقلها السياسي والدبلوماسي. وقد ظلت ميركل من كبار دعاة الإصلاح، وتخفيض الإنفاق لدول مثل اليونان، في مقابل المساعدات خلال أزمة الديون الأوروبية.
أما على الجبهة الدبلوماسية فقد لعبت ميركل مع حكومتها دورا رئيسيا في معالجة الأزمة الناجمة عن التصرفات الروسية في أوكرانيا. كما قال الرئيس الألماني غاوك العام الماضي إنه ينبغي على ألمانيا أن تتقدم بمساهمة مبكرة وحاسمة لمنع الصراعات، وأن تكون مستعدة لبذل المزيد من الجهود لضمان الأمن الذي وفره لها الآخرون عبر العقود الماضية.
وخلال العام الحالي سعت ألمانيا إلى أخذ زمام المبادرة لإقناع أوروبا بالاضطلاع بمهمة استقبال اللاجئين من سوريا وغيرها من الدول الفقيرة، وتقاسم الأعباء في ذلك، في وقت تزايدت فيه وتيرة تدفق المهاجرين إلى ألمانيا، الوجهة المفضلة للجميع خلال الشهر الماضي، حينما قررت ميركل السماح للمهاجرين بدخول البلاد.
وتتمسك ميركل برسالة ألمانية واثقة، مفادها أن بلادها سوف تتعامل مع الأمر بحنكة، في الوقت الذي تصارع فيه السلطات الألمانية لمراقبة الوافدين الجدد ومحاولة إيوائهم، فيما يتوقع المسؤولون الألمان وصول ما لا يقل عن 800 ألف مهاجر خلال هذا العام، على الرغم من أنهم لن يسمحوا للجميع بالمكوث في البلاد. لكن لا تزال هناك مهمة دمجهم في المجتمع الألماني، ومشكلة القوى العاملة تنتظر الجميع، وفي هذا الصدد قالت المستشارة ميركل إن ذكريات إعادة الوحدة قد تساعدهم في ذلك، مضيفة أن «تجربة إعادة توحيد ألمانيا تمنحنا شعورا بالثقة بأننا نستطيع التعامل بنجاح مع المهام التي تواجهنا، مهما كانت كبيرة».
وتابعت ميركل موضحة: «هذا الأمر ينطبق أيضا على تلك المهمة الشاقة التي تحركنا حاليا، والتي تتطلب بذل مجهود وطني كبير منا جميعا، وهي الأعداد الغفيرة من الناس الذين يبحثون عن مأوى لدينا هنا في أوروبا وفي ألمانيا».
بعد ربع قرن من الوحدة.. ألمانيا أمام تحديات جديدة
أبرزها تسريع وتيرة النمو الاقتصادي.. واستمرار ارتفاع معدلات البطالة في الشرق
بعد ربع قرن من الوحدة.. ألمانيا أمام تحديات جديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة