«رب ضارة نافعة»، مثل عربي صرف لا يعرفه أصحاب البشرة البيضاء في دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا على وجه الخصوص، لاختلاف اللغة والمعنى في ما يذهب إليه المثل من رد المفعول به على الفاعل، إلا أن هذا المثل يجد من يدندن به ممن يعتزون بلغتهم الأم (Deutsch - دُويتش) اللغة الرسمية في ألمانيا، والتي تنتمي إلى اللغات الجرمانية الغربية، كما يرددها بثقل وتشابك في الحروف، دانيال بثيمن (34 سنة)، وهو يسرد رحلته للدخول في الإسلام.
لم تكن رحلة دانيال سهلة على حد وصفه، فقد تخللتها العديد من المحطات والتجارب، ويعتقد أن الشغف بالبحث والاطلاع الذي يتمتع به عموم المجتمع الأوروبي ساعده في الخطوات الأولى من الرحلة، خاصة بعد واقعة 11 سبتمبر (أيلول)، وما تبعه من حملة إعلامية في أوروبا وأميركا على الإسلام وليس على سلوك أفراد خرجوا عن الطريق الصحيح، مضيفا «قمت بعملية بحث عن هذا الدين الذي يحث على القتل والأعمال الإرهابية كما صوره الإعلام الغربي، ومن هنا بدأت رحلتي في البحث عن الحقيقة».
وأضاف دانيال أن وجود صديقه من الجنسية التركية، والذي كان ملازما له إذ يعملان في مجال بيع المركبات (السيارات)، كان سببا مضافا لاعتناقه الإسلام «خاصة بعد أن لحظت جملة من التغيرات في سلوكه ومعاملته بعد عودته من زيارة أسرته، كما امتنع عن بعض الأعمال التي يصفها الإسلام بالسيئة والتي لا تكون من صفات المسلمين، الأمر الذي دفعني إلى مناقشته في كل هذا التغير في تعامله، وما إن حصلت على الإجابات التي كنت أبحث عنها بدأت أميل شيئا فشيئا نحو الإسلام الذي يمنع فيه الكذب والخداع والتدليس.
هكذا كانت القصة، أو أنها تسير في هذا الاتجاه، فالخروج من عالم إلى عالم آخر يحتاج إلى الكثير من القوة والعزيمة، وهي التي تنامت بعد الاطلاع، مضيفا: «قربي من صديقي التركي الذي سهل لي الكثير في معرفة بعض الأمور في الإسلام، فبعد مرور بضع سنوات لم أدرك أنني أقوم بالأعمال المفروضة على المسلمين حتى أعلنت إسلامي، وتزوجت بعد فترة وجيزة من فتاة تركية مسلمة، ولدينا الآن أربعة من الأبناء».
لم يفقد دخول دانيال في الإسلام علاقاته الشخصية، بل زادت كما يقول.. «ولم أر أي حرج في أن أعرف بكوني إسلاميا في مجتمعي، فهناك من رأى أنها حرية الاختيار وأنا كفيل بها، والقلة ممن لم يفهموا ما وصلت إليه من اعتقاد كامل في وحدانية الله لكني لا أعيرهم أي اهتمام»، مشيرا إلى ما واجهه من صعوبات عدة مع أسرته حين إسلامه قبل أن يتمكن من إقناعهم برغبته حيث كان والداه يتخوفان من أن يقوم بقطع علاقته بهما.. «ولعل ذلك كان سببا في أن أبقى باسم دانيال في البطاقة الشخصية والتعاملات الرسمية، وعبد الله في المجتمع الإسلامي، وها انأ اليوم في أطهر البقاع على الأرض، وأحظى بكل حفاوة منذ وصولي إلى السعودية». وحرص القائمون على برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين على توفير كل متطلباته والعمل على راحته، مبديا إعجابه بالتطور الكبير الذي لاحظه في مكة المكرمة والمدينة المنورة في كل المجالات وتوسعة الحرمين.
وبحسب آخر الإحصائيات، فإن عدد المسلمين قفز في أوروبا وحدها إلى نحو 38 مليون مسلم، من بينهم أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا وحدها، في حين شهدت السنوات الأخيرة دخول أعداد كبيرة من السكان الأصليين في أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص إلى الإسلام، بخلاف المسلمين المهاجرين إلى الدول الأوروبية.
بينما بين الألماني يوسف كيهلي (33 عاما)، الذي اعتنق الإسلام قبل 11 شهرا فقط، أن استشعاره عظمة الخالق والدين قاده لاعتناق الإسلام، وذلك عبر صديقه «أبو كريم المغربي» الذي كان يعمل معه في مصنع للكيماويات، ذاكرا أنه كان قبل دخوله للإسلام عندما كان مسيحيا أهدى صديقه «الإنجيل»، حرصا منه على اقتياده لاعتناق ديانته المسيحية، وفي اليوم التالي توجه إلى «أبو كريم» وسأله عما إذا كان قرأ الكتاب، فأجابه بأن لديه ما هو أفضل منه، وعندما طالبه بإحضاره قدم له القرآن الكريم مترجما للألمانية، وقال له اقرأه.
يقول يوسف: «عندما شرعت في القراءة لم أعجب به كثيرا، وذلك لأنه جعلني أستحضر العديد من الأسئلة، فعدت إلى صديقي، وألقيت عليه أسئلتي، فأجابني عنها واقتنعت بها. واستمرت قراءتي للمصحف الشريف يوم بعد آخر، وتدويني للأسئلة والاستفسارات التي كان صديقي يجيب عنها ويوضحها ليّ، وجرى ذلك على مدار عام كامل إلى أن اقتنعت قناعة تامة بعظمة ما يحمله الدين من مضامين إنسانية جميلة.
بدوره، أشار عبد الواحد ماتيس (23 عاما)، الذي يواصل دراسته في الهندسة الإلكترونية، إلى أن أخاه الأصغر الذي أسلم قبله وأثار استغراب العائلة من ذلك، هو من أسهم في دخوله للإسلام، من بعد توجيه الأسئلة له عن الدين الإسلامي، وشروعه في القراءة عنه إلى أن شعر بالراحة والطمأنينة باعتناقه للإسلام.
وعرج صاحب الـ23 عاما على أن زيارته للمسجد الحرام لتأدية نسك العمرة، ولحظة الطواف حول الكعبة المشرفة، ولدت لديه شعورا لا يستطيع وصفه، واستشعاره بعظمة الله، الأمر الذي أدخل السعادة والسرور إلى قلبه، وعند عودته لمقر سكنه لم يستطع النوم متأملا ومتدبرا عظمة الله.
وأوضح ماتيس أن المسلم في ألمانيا قد يواجه بعض الصعوبات، وأن ممارسة الشخص المسلم لحياته الطبيعية متحليا بالأخلاق والالتزام بالدين دون الحديث عنه لن تجعله يواجه أي مشاكل، مشيرا إلى أنه واجه سخرية من أصدقائه وغضبوا منه وكذلك واجه، رفضا من أسرته إلا أنه في نهاية الأمر عادت الأوضاع طبيعية مع أسرته، مشيرا إلى أن أعداد المسلمين في ألمانيا في تزايد مستمر حيث باتوا يشكلون ما يتجاوز الـ10 في المائة من الشعب الألماني.
ويوضح أبو بكر عبد النافع، مصري يقيم في ألمانيا، والذي قام بترجمة اللقاءات معهم، مبينا أن الإسلام بات يشكل حيزا في المجتمع الألماني، وهو ما أكده الحاج الألماني كهيلت (34 عاما)، الذي يعمل مديرا لوجيستيا لإحدى وكالات النقل الجوي في أوروبا، حيث أشار إلى أن أعداد المسلمين في ازدياد، وأن دخوله الإسلام جرى منذ سنوات عدة حيث كان يدرس مع طلبة من تركيا، وفي إحدى المناسبات أهدته فتاة فلسطينية القران الكريم مترجما، وبعد قراءته له وخلال أشهر معدودة أعلن إسلامه، مبينا أنه متزوج من أرمانية مسلمة ـ ولديه، منها 3 أبناء.
وعن تواجده في العاصمة المقدسة يقول: «أشعر بطمأنينة كبيرة وسعادة غامرة لوجودي في أطهر بقاع الأرض لأداء مناسك الحج»، مثنيا على الخدمات المقدمة لهم.
حجاج ألمانيا: اتهام الإسلام بـ«الإرهاب» دعاية سيئة
كهيلت: فتاة فلسطينية أهدتني قرآنًا مترجمًا.. وأسلمت بعد شهر
حجاج ألمانيا: اتهام الإسلام بـ«الإرهاب» دعاية سيئة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة