عاد البلاء القديم الذي قضى على الملايين من البشر (وباء الكوليرا) إلى الظهور من جديد في مدن العراق، بعد أن تم القضاء عليه بشكل نهائي منذ عقود، بعد أن تفشى الفساد المالي والإداري في عمل الحكومة العراقية التي لم تستطع إنجاز مشاريع كثيرة خاصة بتنقية مياه الشرب، إضافة إلى انعدام الرقابة الصحية في عملية دخول مواد غذائية وأطعمة منتهية الصلاحية، وأخرى غير صالحة للاستهلاك البشري التي أصبحت تفترس أجساد وأرواح العراقيين، وبعد أن وقع العراق فريسة إرهاب تنظيم داعش الذي احتل مساحة تقدر بثلث مساحة أرض العراق، وقعت البلاد هذه المرة فريسة أمام وباء الكوليرا الذي يعتبر واحدًا من أسرع الأمراض القاتلة للإنسان.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمر بتشكيل خلية إدارة الأزمات المدنية «لتنفيذ توصيات خاصة بتطويق وباء الكوليرا»، ووجه العبادي بضرورة التنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) والمنظمات الدولية الأخرى بشأن تطويق الوباء، فإنه ما زالت أرواح الكثير من الناس تئن تحت وباء الكوليرا.
وشدد العبادي على «ضرورة تشكيل فرق مشتركة تتولى إجراء الفحوص اليومية لمياه الأنهار وفروعها ومحطات التصفية والتوزيع، وشراء الماء لتوزيعه على العوائل النازحة في مناطق أطراف بغداد والمناطق الأخرى التي حصلت فيها إصابات».
وكانت محافظة بغداد قد أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات لمواجهة مخاطر الكوليرا والحدّ من انتشاره، وفي حين كشفت عن تسجيل 159 إصابة بالوباء توفي على أثرها خمسة أشخاص.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الصحة العراقية مباشرتها بتنفيذ خطة الطوارئ الخاصة بالكوليرا، بالتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين للسيطرة على الوضع واحتواء انتشاره للمحافظات الأخرى، متوقعة زيادة عدد الإصابات بالوباء.
من جانبه، أكد رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقي النائب طلال خضير الزوبعي أن تردي الخدمات والرعاية الصحية تسببت بإصابة الآلاف العراقيين في العاصمة بغداد بالكوليرا، وفي حين طالب بضرورة استنفار الجهود والطاقات كلها للسيطرة على ذلك الوباء الخطير قبل انتشاره في باقي مدن العراق.
وقال الزوبعي إن «المعاناة الكبيرة والظروف المأساوية التي يتعرض لها العراقيون يومًا بعد آخر، وعلى الأصعدة كافة؛ السياسية والاقتصادية والخدمية والأمنية، اكتملت اليوم بانتشار الأمراض والأوبئة التي بدأت تظهر في مناطق حزام بغداد، خصوصا في قضاء (أبو غريب) الذي يعاني من نقص كبير في المياه الصالحة للشرب، مما تسبب بإصابة الآلاف منهم بالكوليرا»، مشيرا إلى أن المستشفى في هذا القضاء يعاني من إهمال كبير.
وأضاف الزوبعي: «أناشد المنظمات الإنسانية والدولية، كـ(اليونيسيف) وباقي منظمات الأمم المتحدة، زيارة قضاء أبو غريب وبقية المناطق التي أصابها الوباء للاطلاع على حجم المأساة التي يتعرض لها سكان تلك المناطق والمساعدة في إيجاد الحلول السريعة للمشكلات التي يعانون منها».
وفي حين عزت لجنة الصحة والبيئة النيابية انتشار وباء الكوليرا في البلاد إلى شح المياه واستخدام المياه الجوفية عن طريق حفر الآبار، أعلنت وزارة التربية العراقية عن تأجيل دوام المرحلة الابتدائية إلى الـ18 من الشهر المقبل للوقاية من مرض الكوليرا.
وقال وزير التربية إن «الوزارة قررت تأجيل الدوام الرسمي للعام الدراسي الحالي وللمرحلة الابتدائية فقط إلى تاريخ 18 من شهر المقبل».
وأضاف إقبال أن «التأجيل جاء كإجراء وقائي لحماية الأطفال من مرض الكوليرا، ومن أجل منح فرصة مناسبة لوزارة الصحة لإكمال استعداداتها وإجراءاتها الوقائية في المدارس كافة».
من جانبه، قال محافظ بغداد علي التميمي إن «ارتفاع نسبة الإصابة بمرض الكوليرا، التي تتكتم وزارة الصحة على الإعلان عن أرقام الإصابات الحقيقية هو دليل على ضعف إجراءاتها لمعالجة هذا الوباء الخطير، الذي بدأ يفتك بأرواح المواطنين الأبرياء».
وأضاف التميمي: «إن سبب انتشار هذا المرض يعود إلى كثرة المتجاوزين على شبكات المياه وعدم الاهتمام بالنظافة، وسنعمل على ضرب المخالفين للتعليمات والشروط الصحية من أصحاب المطاعم بيد من حديد».
من جانب آخر، دعت أمانة بغداد وزارة الصحة لحث فرقها الصحية العاملة في مجال الرقابة الصحية لرصد مخالفات أصحاب العربات والأكشاك والباعة الجوالين للأطعمة والمشروبات ومحاسبتهم حفاظا على صحة المواطنين ودرءًا للأمراض، ومنها وباء الكوليرا.
وقالت أمين العاصمة بغداد ذكرى علوّش إن «وزارة الصحة العراقية مدعوة للعمل على محاربة هذا الوباء والقضاء عليه بالسرعة الممكنة، وأدعو هنا وزيرة الصحة الدكتورة عديلة حمود على حث الفرق الصحية التابعة للوزارة لمراقبة الباعة الجوالين وأصحاب الأكشاك الذين يبيعون الأطعمة والمشروبات، ومنعهم من ترك الأطعمة والمشروبات مكشوفة، والاهتمام بالنظافة».
وأضافت علوش أن «على هذه الفرق مراقبة باعة الأطعمة والمشروبات، وبصورة خاصة الموجودين في المتنزهات والحدائق العامة والأماكن الترفيهية الأخرى التابعة للأمانة، التي تشهد زخما كبيرا للمواطنين طيلة أيام عيد الأضحى المبارك تفاديا وتحسبا واحترازا من وصول وباء الكوليرا إلى مركز العاصمة وحفاظا على أرواح الأطفال والكبار الموجودين في تلك الأماكن الترفيهية لكي يمضوا أيام العيد بفرح وسرور».
فيما وجهت أمين بغداد الدوائر البلدية إلى مساعدة الفرق الصحية والتعاون معها وإبداء التسهيلات لها لإنجاز مهماتها على أكمل وجه.
العراقيون بين مطرقة «داعش» وسندان وباء الكوليرا
الفساد يلقي بظلاله على «الصحة» بعد تكتمها على المرض
العراقيون بين مطرقة «داعش» وسندان وباء الكوليرا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة