ما بين أضواء محال الملابس المبهرجة وطوفان السيارات وضوضائها، سطع من جديد مقهى «ريش» بأضوائه الكلاسيكية ولوحات أم كلثوم وطه حسين وروزاليوسف والشيخ إمام، معلنا عن عودته للحياة للمرة الرابعة بعد إغلاقه الذي استمر 4 أشهر عقب وفاة مالكه المصري مجدي عبد الملاك، ونجاته من مصير مجهول كان يهدده ليستعيد وسط القاهرة جزءا عزيزا من تراثه الثقافي والمعماري يزيد عمره على 107 أعوام.
وعاد المقهى الذي اكتسب شهرة عالمية بسبب ندوات أديب نجيب محفوظ؛ ليستقبل زبائنه من كبار المثقفين والأدباء والشعراء المصريين والعرب، مبددا حالة القلق والتوجس التي كان يعايشها كبار المثقفين خوفا عليه من الضياع. فقد أغلق «ريش» بعد خروج مظاهرة للأدباء عقب اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني. وأغلق ثانية بعدما خرجت منه مظاهرة بقيادة يوسف إدريس وإبراهيم منصور احتجاجا علي معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، أعيد افتتاحه بعد ذلك بسنوات، ثم أغلق للمرة الثالثة لأسباب غير معروفة. وفي نهاية التسعينات أعاد صاحب المقهى، ترميمه وافتتاحه بعد أن أغلق لمدة 15 عاما، وعقب وفاته في شهر مايو (أيار) الماضي أغلق المقهى للمرة الرابعة.
ينفرد مقهى «ريش» بقيمة تاريخية وثقافية تميزه عن كافة مقاهي القاهرة خاصة أنه شهد مولد كوكب الشرق أم كلثوم حينما تغنت به، مثلما غنى به صالح عبد الحي، وزكي مراد والد ليلى مراد، وقدمت على خشبته روزاليوسف إحدى مسرحياتها، وذاع صيته عام 1963 منذ أن نقل محفوظ ندوته الأسبوعية ليحتضنها المقهى. كما ولدت الكثير من المجلات الثقافية بين أرجائه، منها: «الكاتب المصري» التي رأس تحريرها طه حسين ومجلة «الثقافة الجديدة» و«غاليري 68»، وغيرها. وكان من أبرز زوراه يوسف إدريس، وأمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، وكمال الملاخ، وأحمد فؤاد نجم، وعبده جبير، وسليمان فياض، وسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وبهاء طاهر، وإبراهيم عبد المجيد، وغيرهم، كذلك الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس السادات، والرئيس محمد نجيب قبل ثورة يوليو (تموز) 1952.
يعد ريش أيقونة معمارية فريدة، فهو مشيد على أطلال قصر لأحد أمراء أسرة محمد علي باشا، وبني العقار الذي يعلوه عام 1908 على يد المليونير اليهودي السكندري إبرام عاداة. وقد أسسه الثري النمساوي بيرنارد ستينبرج في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1914. لكن بعد عام واحد اشتراه الفرنسي هنري ريسن، وأطلق عليه عام 1915 «ريش كافيه» تيمنا بالمقهى الباريسي الشهير. ثم اشتراه فيما بعد اليوناني ميشيل بوليتسي سنة 1916، ثم توارثته عدة عائلات يونانية فآلت ملكيته سنة 1932 لليوناني مانولاكس، وبعدها بعشر سنوات باعه لليوناني جورج إيفتانوس وسيلي وكان ذلك عام سنة 1942، وفي عام 1960 باعه وسيلي لموظف سكة حديد من الصعيد هو عبد الملاك ميخائيل ليصبح أول مالك مصري للمقهى.
الحياة تدب من جديد في أوصال مقهى «ريش» بالقاهرة
بعد إغلاقه 4 أشهر ومخاوف من مصير مجهول
الحياة تدب من جديد في أوصال مقهى «ريش» بالقاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة