كارثة إنسانية حقيقية في الحديدة.. وخطر الموت يواجه أبناء تهامة

المقاومة تسقط قياديًا حوثيًا بارزًا.. والميليشيات تواصل قصفها العشوائي على قبائل الزرانيق

كارثة إنسانية حقيقية في الحديدة.. وخطر الموت يواجه أبناء تهامة
TT

كارثة إنسانية حقيقية في الحديدة.. وخطر الموت يواجه أبناء تهامة

كارثة إنسانية حقيقية في الحديدة.. وخطر الموت يواجه أبناء تهامة

تزداد معاناة أبناء تهامة في محافظة الحديدة الساحلية، غرب اليمن، معاناتهم يوما بعد يوم جراء الأزمة التي تمر بها البلاد خاصة بعد دخول جماعة الحوثي المسلحة إلى المحافظة وبسط سيطرتها على المرافق الحكومة بما فيها ميناء الحديدة، ثاني أكبر ميناء في اليمن بعد ميناء عدن، وانتشار مسلحيها في الشوارع والأحياء السكنية.
فقد زاد سخط المواطنين بسبب استمرار انقطاع الكهرباء وانعدام المياه منذ ما يقارب الشهر، مما جعل المواطنين يستاءون وينزحون إلى المناطق الجبلية والعاصمة صنعاء عند أقاربهم، بالإضافة إلى انعدام المشتقات النفطية والغاز المنزلي الذي أصبح فقط موجودًا في السوق السوداء التي يديرها ميليشيات الحوثي وقوات صالح والذي ارتفع سعر تعبئة الأسطوانة الغاز إلى الخمسين دولارا وسعر البنزين سعة العشرين لترا وصل سعره من 15 دولارا إلى مائة الدولار.
وفي الوقت الذي زاد فيه سخط المواطنين في تهامة بسبب استمرار انقطاع الكهرباء مع ارتفاع درجات حرارة الطقس وتردي الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها وسط عدم اهتمام من قبل الجهات المسؤولة والمحافظ الجديد الذي تم تعيينه مؤخرا من قبل الحوثيين، وكلها ترمي بمطالباتهم عرض الحائط، وسط استمرار الميليشيات باعتقال جميع المناوئين لهم ومن تشتبه بانتمائهم للمقاومة الشعبية التهامية التي تصعد من هجماتها عليهم وكبدتهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، يرمي المواطنون بالمسؤولية كاملة على المسؤولين في مؤسسة الكهرباء بأنها تقف متفرجة لهم ولا تريد الحد من المشكلة كون لديها ما يكفيها من مخزن المشتقات النفطية لتشغيل مولداتها.
ويقول المهندس عبد الرحمن حجر، القائم بأعمال مدير عام الكهرباء في الحديدة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة الكهرباء في محافظة الحديدة تتركز في عدم توفر مادتي المازوت والديزل، فالمازوت من أجل المحطة المركزية والديزل للمحطات الحكومية، ولذلك من أين لك أن توفر الكهرباء إن انعدمت هذه المواد، وليس هناك أي مشكلة في التوزيع غير عدم توفرها، وإن كانت لدينا طاقة توليدية نستطيع بذلك توزيعها للمواطنين».
ويضيف: «وما لدينا هو ما يقارب الـ7 ميغا التي تصلنا منها بنحو 3.5 إلى 4 ميغا من المحطة المركزية ويتم توزيعها على مركز الغسيل الكلوي والمستشفيات الحكومية مثل مستشفى العلفي والعسكري والثورة وغيرها والمستشفيات الخاصة ومؤسسة المياه والآبار، ونوفرها لها كدواعٍ إنسانية وليست كافية ولكن أقل ما يمكنا فعله أن نوفر لها الكهرباء مع انطفائها من منشأة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر، وهذا كله حسب ما نحصل عليه من المحطة المركزية لأنه ليس لدينا توليد ونحن فقط بدورنا نقوم بالتوزيع».
وطالب القائم بأعمال مدير عام الكهرباء في الحديدة عبر «الشرق الأوسط»: «الأمم المتحدة والجهات المسؤولة ممثلة بوزارة المالية ووزارة النفط، كدواعٍ إنسانية، أن تنظر لمعاناة أهالي الحديدة بعين الرحمة وأن يقووا بدورها وتوفر مادة المازوت والديزل لمحطات التوليد لكي يحصل المواطنون على الكهرباء الضرورية، خاصة في فصل الصيف واشتداد الحرارة فيه لأن هناك مواطنين يموتون من شدة الحر في منازلهم، وفعلا هناك من قد توفي بسبب انقطاع التيار الكهرباء، خاصة مادة المازوت التي لا تستخدم سوى للكهرباء فقط ولمحطات توليد الكهرباء، وأن ينظروا إلى أن محافظة الحديدة هي المحافظة الوحيدة من المناطق الحارة المتضررة من انقطاع الكهرباء بعكس المحافظات الأخرى الحارة مثل محافظة عدن التي تم توفير الطاقة لها». كما شدد حجر على المواطنين في محافظة الحديدة بضرورة سرعة تسديد فواتير الكهرباء وعدم العبث بالخطوط النائية أو الثلاثية والشبكات والمحولات وسرقة الكهرباء، لأنهم بذلك يعبثون بالكهرباء خاصتهم».
ويقول المواطن يحيى عمر، من أبناء تهامة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهات المختصة في الحديدة من المحافظة والسلطة المحلية جميعهم لا يأبهون بحالنا ولا يستجيبون لنداءاتنا بتوفير مياه الشرب لدينا والغاز المنزلي وإعادة التيار الكهربائي خاصة وأننا نعيش في فترة الصيف الحارة، وحتى من يمتلك مولدا ويريد أن ينتفع به ولو بقليل لا يجد المشتقات النفطية اللازمة لتشغيله ولا نجد المشتقات من ديزل وبنزين وغيرها إلا في السوق السوداء التي يتاجر فيها ميليشيات الحوثي والتي تتحجج أن مردودها يعود لصالح المجهود الحربي، وهناك من المستثمرين، أيضا، من خسروا خسارات كبيرة جراء انقطاع التيار الكهربائي وانعدام المشتقات النفطية، ومنهم من يلقى حتفه في المستشفيات وخصوصا أمراض غسيل الكلى».
وميدانيًا لا تزال المقاومة التهامية الشعبية في إقليم تهامة تصعد من هجماتها النوعية ضد ميليشيات الحوثي وصالح في جميع مدن وإقليم تهامة، وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر من المقاومة الشعبية أنها تمكنت من «قتل القيادي الحوثي البارز المدعو عبد الله مطهر حجحاف، برصاص مسلحين كانوا على متن دراجة نارية في جولة شارع الحكيمي، بالقرب من جامع الأسودي في مدينة الحديدة، وأن من أطلقوا الرصاص تمكنوا من الفرار قبل مجيء دورية الميليشيات، وذلك بعد نصب كمين لهم».
ويضيف المصدر: «تمكنت المقاومة الشعبية بمحافظة ريمة، التابعة لإقليم تهامة، باستهداف تجمع للميليشيا الحوثية من خلال استهدافهم بقذيفة أر بي جي في منطقة الزاوية، وسقوط قتلى وجرحى من الميليشيات».
وتستمر طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية بشن غاراتها على جميع المقار العسكرية الخاصة بميليشيات الحوثي والمخلوع صالح بمحافظة الحديدة، كما شنت، أمس، غاراتها على مخازن أسلحة لميليشيات صالح والحوثي في المعهد المهني في منطقة الكداح شمال مينة الخوخة بالحديدة، وسط تصاعد ألسنة الدخان إلى السماء واستمرار الانفجارات لساعات، وشنها لتجمعات الميليشيات، أول من أمس، في منطقة النخيلة بمديرية الدريهمي بالحديدة وسقوط قتلى وجرحى من الميليشيات، بالإضافة إلى مواقع أخرى للميليشيات على الشريط الساحلي جنوب غربي مدينة الحديدة، ومعسكر أبي موسى الأشعري بما لا يقل عن 15 غارة.
إلى ذلك، تواصل ميليشيات الحوثي وصالح قصفها العشوائي والعنيف على منازل قرى قبائل الزرانيق الشهيرة بمحافظة الحديدة وسط تهجير إجباري لأهاليها جراء تدمير منازلهم وسقوط قتلى وجرحى من المدنيين، فمنذ نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي تستمر المواجهات العنيفة بين قبائل الزرانيق الشهيرة في تهامة المناوئة للوجود الحوثي، من جهة، والمسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى.
وقد أسفر قصف الحوثيين بالدبابات والمدفعية للقرى السكنية عن مقتل وجرح العشرات وتشريد عشرات العائلات التي باتت من دون مأوى.
وناشد أهالي الزرانيق منظمات حقوقية محلية بفتح تحقيق دولي إزاء ما يعتقد أنها جريمة حرب ارتكبها الحوثيون بحق قبائل الزرانيق واستمرار قصفها المتواصل بقذائف الدبابات والمدفعية والراجمات وتهجير أبناء القرى لمنازلهم ولم يبق فيها لا بشر ولا شجر ولا دواب.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.