الشيف خالد دهبي.. من بيت دبلوماسي إلى المطبخ

هدفه تعريف الذواقة بالمطبخ المغربي بعيدًا عن الأطباق «الكليشيه»

الشيف خالد دهبي.. من بيت دبلوماسي إلى المطبخ
TT

الشيف خالد دهبي.. من بيت دبلوماسي إلى المطبخ

الشيف خالد دهبي.. من بيت دبلوماسي إلى المطبخ

لطالما قلت إن الطهي لا بد أن يكون هواية لكي يصبح مهنة، فلا يمكن أن يقوم أي طاهٍ بعمله إلا إذا كان يعشق المطبخ، ويضع حبه وشغفه في أطباقه، ومقولتي هذه يترجمها حماس الطاهي المغربي خالد دهبي الذي يجري في عروقه حبه للطبخ للآخرين لمشاركتهم النكهات، وهو من أهم الأسماء في عالم الطهي المتوسطي والمغربي والفرنسي في سويسرا ولندن ويملك مطعمه في «فيربييه» في سويسرا، واليوم يتولى المطبخ التابع لـ«كافيه شيك» في نادي «كوينتيسينشيللي» الخاص في لندن.
خالد هو ابن سفير مغربي سابق، ولد في الرباط وعاش معظم حياته في إيطاليا، بحكم أن والدته إيطالية، فهي من مدينة نابولي إنما تتقن اللغة العربية وتتكلم باللهجة المغربية، وهذا ما يفسر تعلق خالد بكل ما له علاقة بالثقافة العربية والمطبخ الشرقي والشمال أفريقي، تعلم كثيرا من والدته ولكن الفضل الأكبر لتعليمه الطهي يعود لوالده السفير الذي كان يقوم بمهمة الطهي للزوار بنفسه في مطبخ المنزل ولم يكن يستعين بطاهٍ خاص على الإطلاق.
من هنا بدأ الحديث مع الطاهي خالد دهبي، الشاب الطموح، الذي لا يمكن وصفه إلا بالطيبة والهدوء، وهذا واضح من أطباقه وباله الطويل أثناء تحضيره الطبق وتزيينه، خالد متخصص بالطهي الخاص في منازل الذواقة، يتعامل مع شركات مهمة في لندن مثل «شيف إكستشينج» و«لا بيل أسييت»، بالإضافة إلى الاهتمام بمطعمه الخاص في سويسرا.
ويقول خالد: «لطالما أحببت الطهي، كانت علاماتي جيدة في المدرسة، ولكن ما إن وصلت إلى مرحلة الباكالوريا حتى قررت أن الطهي هو شغفي وحلمي في الحياة، فتركت كل شيء وبدأت من نقطة الصفر، عملت في جنيف في بعض من أهم مطاعم المدينة، سافرت إلى فرنسا وتعرفت إلى ما تزخر به من مكونات وتتلمذت على يد عباقرة في عالم الطهي، وكان لي الحظ للعمل في مطعم (لاسبيرغ) و(لو ميريس) الحائزين على نجوم ميشلان في باريس».
تعلم خالد كثيرا أيضًا من المطبخ الإيطالي، بحيث قضى وقتا طويلا في مدينتي البندقية ونابولي، ولهذا السبب يقول إنه يجد نفسه في طهي المأكولات المتوسطية والمغربية، ويسعى دائما إلى تعريف الذواقة بالمطبخ المغربي الحقيقي بعيدا عن التسويق التجاري لبعض الأطباق، لدرجة أن كثيرين في أوروبا يعتقدون بأن المطبخ المغربي لا يضم إلا الكسكس والطاجين، ويهدف خالد اليوم إلى مشروع جديد إلى جانب ما بدأ بقيامه منذ فترة وجيزة إدارة المطبخ في النادي الخاص لأعضاء «Quintessentially»، فمشروعه المستقبلي سيتمحور حول افتتاح مطعم متخصص بالمأكولات المغربية على طريقة «مأكولات الشارع» (Street Food) ولكن في قالب أنيق، على أن يستخدم في جميع الأطباق البسيطة والتقليدية أجود أنواع المكونات، فهذا النوع من الطعام، بحسب الشيف خالد، مطلوب جدا في أوروبا، لا سيما في لندن التي تضم أهم مطابخ العالم.
نال خالد على شهادة أشهر نقاد الطعام في لندن أمثال فاي ماشلر وتشارلز كامبيون اللذين يعتقدان بأنه يتمتع بأرفع مستوى في عالم الطهي كما أنه يتمتع بخبرة لا يستهان بها في المطبخ.
المعروف عن خالد أن لائحة الذواقة الذين يأتون لتناول أطباقه تضم أسماء مثل الممثل الأميركي كيفن سبيسي ورئيس الوزراء السابق توني بلير والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والطاهي العملاق ألبير رو، وعن هذا الموضوع قال خالد: «لا يهمني لمن أحضر الطعام، المهم هو أن أضع كل طاقتي في ما أقوم به بغض النظر عن هوية وأهمية الشخص الذي سيتذوق أكلي».
وعن تفضيله الطهي في المطابخ الخاصة على الطهي في المطعم يقول خالد: «أعشق الطهي في مطابخ الزبائن، لذا أتعامل مع (شيف إكستشينج) وغيرها، إضافة إلى شركتي الخاصة التي تضم 25 طاهيا مساعدا، والسبب الذي يجعلني أفضل الطهي الخاص هو لأن العدد يكون أقل مما يساعدني على التركيز على الطبق أكثر، على عكس الطهي لنحو 250 شخصا، مما يجعل الأمر مختلفا بعض الشيء».
وعن الطعام المغربي يقول: «هناك أطباق معقدة جدا، قد يستهين بها البعض مثل طبق الطاجين على سبيل المثال، فخلال رحلة لي إلى جنوب المغرب تعرفت إلى المكونات التي تستعمل فيه وطريقة إعداده فتوصلت إلى نتيجة، مفادها أن هذا الطبق بالذات بحاجة إلى خبرة عالية ومكونات جيدة ليكون على المستوى الجيد».
وحاليا يقوم الشيف خالد بتصوير برنامج للطهي سيعرض على إحدى القنوات العربية، بالإضافة إلى برنامج آخر على محطة أميركية سيبدأ بثه قريبا.
وعن الشهرة يقول: «مهنة الطهي تنبع من الداخل فلا يهم بأن يكون الطاهي مشهورا أم لا، بل يجب عليه دائما تقديم أفضل ما لديه ويتحتم عليه أن يعشق المهنة والمطبخ لأن هذا الأمر متطلب جدا».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».