قال نائب وزير المالية الروسي ماكسيم أورشكين، أمس، إن الوزارة تريد سد عجز الموازنة بالكامل بحلول 2018 من خلال الاقتراض من السوق والحد من استخدام صندوق الاحتياطي التابع لها في السنوات الثلاث المقبلة.
وأضاف أورشكين أن روسيا تعتزم تنفيذ برنامجها الخاص بالاقتراض لهذا العام بالكامل ومن المرجح أن تصدر سندات حكومية جديدة مرتبطة بالتضخم هذا العام.
ويمر الاقتصاد الروسي بأزمة حادة منذ ربيع العام الماضي 2014، تركت أثرها المباشر على شتى قطاعات الاقتصاد الوطني، من صناعة وتجارة وأعمال، كما وضربت بشكل مباشر بجيب المواطن البسيط. هذا ما تؤكده دراسة أجرتها شركة إرنست ويونغ (E&Y) العالمية للاستشارات المالية التي كشفت عن انخفاض على مستوى الدخل الحقيقي للمواطن الروسي في الآونة الأخيرة إلى مستويات قياسية أدنى مما كانت عليه خلال الأزمة المالية العالمية سنوات 2008 - 2009. ويشير الخبراء من إرنست ويونغ إلى أن غالبية الشركات الروسية رفعت قيمة المعاشات الشهرية لموظفيها، لكن هذه الزيادة جاءت في مستوياتها الدنيا، ما يبقي الدخل الحقيقي للمواطن في حالة عجز أمام التضخم الاقتصادي في البلاد. فضلاً عن ذلك أظهرت قاعدة بيانات شركات التوظيف تقلصًا ملموسًا على قيمة الدخل الحقيقية التي يعرضها أرباب العمل مقابل وظائف جديدة يطرحونها في السوق.
وتشير الدراسة إلى أن 81 في المائة من الشركات التي جرى استطلاع نشاطها المهني في هذه المرحلة قد قامت بزيادة القيمة الحقيقية لدخل موظفيها بنسبة 8.3 في المائة، بينما بلغ التضخم نسبة 16.3 في المائة، ما يعني أن الدخل الحقيقي للعامل والموظف الروسي انخفض واقعيًا بقدر 8.2 في المائة، وهذا مؤشر قياسي لمستوى الدخل، تجاوز هبوطًا مستوى الدخل في أوج الأزمة المالية عام 2008.
يُذكر أن الاقتصاد الروسي يعاني منذ النصف الثاني من العام الماضي 2014 أزمة حادة جاءت نتيجة أسباب عدة، في مقدمتها العقوبات الأميركية والأوروبية ضد روسيا على خلفية إعلانها ضم شبه جزيرة القرم إلى قوام الاتحاد الروسي، وتحميل روسيا مسؤولية النزاع المسلح في جنوب شرقي أوكرانيا، فضلاً عن هبوط أسعار النفط في السوق العالمية، ذلك أن الاقتصاد الروسي يقوم بشكل أساسي على «دولار النفط»، ومع هبوط سعر خام برنت سجل الروبل هبوطًا حادًا بلغ ذروته يوم 16 2014، أو اليوم الذي أصبح يعرف باسم «الثلاثاء الأسود» حين أغلقت سوق العملات على سعر بلغ في بعض المدن 80 روبلاً للدولار، مقابل 33 روبلاً تقريبًا للدولار مطلع العام ذاته. ويعتبر عام 2014 الأسوأ في تاريخ الروبل الروسي، حيث خسر 46 في المائة من قيمته أمام الدولار، بينما لم تتجاوز هذه الخسارة عام 2008 أكثر من 17 في المائة.
وكان من المنطقي أن ترتفع أسعار المواد بشكل عام والخدمات في السوق الروسية، إلا أن العقوبات «الجوابية» الروسية على العقوبات الغربية، والتي شملت حظرًا روسيًا على استيراد المواد الغذائية واللحوم والحليب ومشتقاته والفاكهة والخضار من الدول الأوروبية، وتحول روسيا نحو الاعتماد على الإنتاج المحلي والتعويض بالاستيراد من أسواق الدول المجاورة، معطيات خففت من حجم التأثير السلبي الذي كان متوقعًا على سوق المواد الغذائية، وغيرها من مواد في روسيا. الأمر الذي ساهم في تخفيف وقع أثر الأزمة على المواطنين.
بعيدًا عن لغة الأرقام، وبالانتقال إلى لغة المواطن البسيط فإن القدرة الشرائية لدى المواطن الروسي قد شهدت تراجعًا ملحوظًا على خلفية ارتفاع أسعار المواد بشكل عام بنسبة تزيد مرتين عن قيمة الزيادة على دخله الشهري، في هذا السياق كشفت الهيئة الفيدرالية الروسية للإحصائيات عن نتائج دراستها لحركة السوق وبينت أن غالبية المواد الغذائية لم تعد متاحة للمواطن الروسي كالسابق، وعلى سبيل المثال إذا كان بوسع العامل الروسي أن يشتري بالقيمة الحقيقية لدخله الشهري 951 كغ من اليخنة، فلن يتمكن حاليًا من شراء سوى 560 كغ من اليخنة بقيمة دخله الحالي. وهذه معيار يشمل مختلف المواد الغذائية باستثناء الخبز والمعكرونة ولحم الضأن.
لملامسة هذا الواقع تحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من المواطنين الروس يعملون في مجالات مختلفة. سائق التاكسي «غريغوري» أقر بأن دخله الحالي لم يعد كافيًا لشراء ذات القدر من الأغذية التي كان يشتريها منذ عام أو عام ونصف، مشيرًا إلى أن أصعب مرحلة كانت بالنسبة له في مطلع العام، أي بدايات الأزمة، حين هبط سعر صرف العملة الوطنية (الروبل) خلال شهر من 35 روبلاً للدولار حتى 80 روبلاً مقابل الدولار. «لكن بعد ذلك – حسب قول غريغوري - أخذنا نتأقلم، ولم يحدث ارتفاع مفاجئ على الأسعار، بل جاء تدريجي وهو مستمر حتى اليوم، وبصورة رئيسية على المواد المستوردة. على سبيل المثال السجائر التي أدخنها كنت أشتريها بـ55 روبلاً، وارتفع ثمنها تدريجيًا ليصل اليوم حتى 85». ويوضح سائق التاكسي الذي يسمع يوميًا من الناس الذين يقلهم حكايات كثيرة، أن «الارتفاع الحالي على الأسعار ليس بالكارثي، لكن هناك صعوبات لأن الدخل لم يرتفع بالقدر المطلوب، لكننا اجتزنا مراحل كهذه وسنجتاز هذه المرحلة أيضًا».
الشابة «أوكسانا» العاملة في واحدة من شركات الاتصالات أكدت أن أسرتها تأثرت طبعا بالأزمة، وقالت: «لكن الحياة مستمرة بوتيرة طبيعية، ونحاول التأقلم مع الوضع الحالي». إلا أن ما يزعج هذه الشابة الجميلة ارتفاع قالت إنه يقدر وسطيا بنسبة 20 في المائة على أسعار المواد التجميلية والعطور»، لكنها لم تتوقف رغم ذلك عن شراء المواد التجميلية، وإنما بكميات أقل. وأكدت هي أيضًا أنها تذكر كيف كان الوضع خلال الأزمة المالية عام 2008، وأن عائلتها تمكنت من الاستمرار حينها دون أن يترك ذلك الوضع أثرًا ملموسًا على نمط حياتهم، على الرغم من الصعوبات حينها والتي يواجهونها حاليًا. وختمت «أوكسانا» حديثها بثقة قائلة: «سنتصرف كما يجب وسنجد مخرجًا من الوضع على الرغم من صعوبته».
النتائج السلبية للأزمة الاقتصادية لم تقتصر على ضرب القدرة الشرائية والدخل الحقيقي للمواطن الروسي، بل وشملت بالطبع الشركات الكبرى والمؤسسات التجارية الرسمية، والأمثلة من الواقع حول هذا الوضع كثيرة جدًا، منها على سبيل المثال لا الحصر تراجع حجم التبادل التجاري بين روسيا وفنلندا بنسبة 30 في المائة خلال الربع الأول من عام 2015، وفق ما نقلت صحيفة «فيدوموستي» الروسية عن الملحق التجاري الروسي في هلسنكي، الذي أشار إلى أن سبب هذا التراجع لا يعود إلى العقوبات ضد روسيا والحظر الروسي على المنتجات الأوروبية بصورة رئيسية، إذ تأثر ميزان التبادل التجاري بين البلدين كذلك بالوضع الاقتصادي الحالي، وبعدم استقرار سعر صرف الروبل الروسي، وتراجع القدرة الشرائية لدى الشركات الروسية والعامة من الناس على حد سواء. إلا أن الملحق التجاري الروسي متفائل أيضًا، حاله حال كثيرين في روسيا، ويؤكد أن هذا الوضع سيتغير نحو الارتفاع بمجمل حصيلة التبادل التجاري بين البلدين لعام 2015. في غضون ذلك تتعامل الحكومة بموضوعية مع الأزمة الحالية، وتقر بمدى صعوبتها، وتجتهد بوضع برامج تهدف إلى التقليل من النتائج الكارثية التي قد تخلفها هذه الأزمة على الاقتصاد الروسي واستقراره ونموه على المدى البعيد.
تراجع مستوى دخل المواطن الروسي إلى مستويات الأزمة المالية في 2008
موسكو تخطط لسد عجز الموازنة بحلول 2018 عبر الاقتراض من السوق
تراجع مستوى دخل المواطن الروسي إلى مستويات الأزمة المالية في 2008
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة