رئيس الحكومة الفرنسية يرفض الانفتاح على الأسد وينفي إرسال قوات برية

بوتين: لولا الدعم الروسي لسوريا لكان الوضع فيها أسوأ مما في ليبيا

رئيس الحكومة مانويل فالس ({الشرق الأوسط})
رئيس الحكومة مانويل فالس ({الشرق الأوسط})
TT

رئيس الحكومة الفرنسية يرفض الانفتاح على الأسد وينفي إرسال قوات برية

رئيس الحكومة مانويل فالس ({الشرق الأوسط})
رئيس الحكومة مانويل فالس ({الشرق الأوسط})

فيما تتصاعد الدعوات من صفوف اليمين واليمين المتطرف لحث الحكومة الفرنسية على «الانفتاح» على النظام السوري وعلى رئيسه، وبعد أن تكاثرت التأويلات لكلمة الرئيس فرنسوا هولاند الذي تحدث نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي عن «تحييد» الأسد وليس إسقاطه وعن خروجه من المشهد السياسي «في لحظة من لحظات» عملية الانتقال السياسي وليس شرطا للدخول فيها. هذا في الوقت الذي عاد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليؤكد مجددا أن بلاده كانت ولا تزال تواصل تقديم الدعم العسكري إلى الحكومة السورية من أجل مواجهة ما وصفه بـ«العدوان الإرهابي» ضد سوريا. وناشد بوتين في كلمته التي ألقاها في قمة قيادات بلدان أعضاء (منظمة الأمن الجماعي) التي عقدت أمس في دوشنبه عاصمة طاجيكستان، قيادات البلدان الأخرى الانضمام إلى روسيا في مواقفها المؤيدة للحكومة السورية وبذل الجهود الجماعية من أجل مواجهة تنظيم داعش.
في باريس، جاء كلام رئيس الحكومة مانويل فالس أمام الجمعية الوطنية قاطعا وليعيد التأكيد على ثبات موقف باريس من هذه المسألة. وكان فالس يلقي بعد ظهر أمس كلمة الحكومة في افتتاح جلسة النقاش المخصصة للعمليات العسكرية الفرنسية الجوية ضد مواقع «داعش» في سوريا، ولكن من غير طلب تصويت البرلمانيين عليها. وقال رئيس الحكومة: «لن نفعل أي شيء من شأنه أن يثبت النظام «السوري»، لا بل إن الأمر الملح هو الذهاب نحو اتفاق يقلب نهائيا صفحة الأسد». وردا على من يطالب بمد اليد مجددا إليه، أجاب فالس بحدة: «ليست هناك إمكانية بتاتا لأن نسعى إلى تسوية أو ترتيب ما مع رجل مسؤول عن هذا العدد من القتلى. المساومة أو التحالف كما يقترح البعض، سيكون بالدرجة الأولى خطأ أخلاقيا» ولذا فإن فرنسا «لا تغير استراتيجيتها ولن تغير أهدافها». ويلخص فالس موقف حكومته بالقول: «بشار الأسد ليس الحل. هو المشكلة».
ويقوم الموقف الفرنسي حتى الآن، على لاءين: «لا للنظام ولا لـ(داعش)». لكن الاستراتيجية الفرنسية وبعكس ما يقول فالس تقلب صفحة وتفتح صفحة جديدة، إذ بعد أن رفضت باريس خلال عام كامل من عملها مع التحالف الدولي استهداف مواقع «داعش» في سوريا، قرر هولاند ومعه الحكومة سلوك مسار آخر. وآخر ما قاله هولاند بهذا الشأن أول من أمس هو أن العمليات الجوية أصبحت «ضرورية». وحجة باريس كما كرر ذلك فالس تقوم على اعتبار أن فرنسا «في حالة حرب ضد الإرهاب»، وأن ضرب مواقع «داعش» حق مشروع لأنه من باب «الدفاع عن النفس». وبالمفهوم الفرنسي، فإن العمليات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في الأشهر التسعة من العام الحالي تم التخطيط لها في سوريا التي نقل إليها «داعش» مقرات قيادته من العراق. ووصف رئيس الحكومة «داعش» بأنه «تنظيم شمولي» وأن باريس «في حالة حرب ضد الإرهاب والجهادية والراديكالية الإسلامية»، مضيفا أن هذه الحرب «طويلة» وفرنسا تخوضها «داخل الحدود وخارجها». ولذا يتعين على الفرنسيين أن يكونوا «متحدين» لكي ينتصروا في هذه الحرب التي «سيكسبونها في النهاية».
بيد أن رئيس الحكومة سعى سلفا لطمأنة الرأي العام بإعلانه أن باريس لن ترسل قوات برية إلى سوريا. وجاءت الإشارة ردا على من يطالب من بين صفوف اليمين كرئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة السابق فيون والوزير السابق برونو لومير، وكلهم من حزب «الجمهوريون»، بالحاجة إلى إرسال قوات برية، الأمر الذي رد عليه فالس بالقول إن بادرة من هذا النوع ستكون «غير واقعية وستأتي بنتائج معكوسة»، مستعيدا الحجج التي سبق لهولاند أن استخدمها. ويقول الداعون لإرسال قوات برية إن الضربات الجوية الفرنسية «لن تكون كافية» ولن تضعف «داعش» ولن تأتي بالنتائج المرجوة.
بيد أن فالس لم يغلق الباب نهائيا إذ أعلن أنه «إذا قام تحالف من بلدان المنطقة من أجل تحرير سوريا من استبداد «داعش»، فإن تلك الدول يمكن أن تحظى بدعم فرنسا». لكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفا خصوصا أن الطرف الذي يلعب الدور الريادي في الحرب على «داعش»، أي الولايات المتحدة الأميركية، ترفض قطعيا إرسال قوات برية إلى سوريا وتكتفي بالتقنيين والخبراء الذي أرسلتهم إلى العراق وبأولئك الذين يعملون على تدريب قوات المعارضة «المعتدلة» إن في تركيا أو في الأردن.
سياسيا ودبلوماسيا، شدد رئيس الحكومة على الحاجة إلى الحوار مع الجميع، مشيرا إلى السعودية وروسيا وإيران وغيرها. لكن مصادر دبلوماسية أجنبية في باريس قالت لـ«الشرق الأوسط» إن السياسة الفرنسية «فقدت المبادرة في سوريا» ومعها «القدرة على التأثير» في مسار الأحداث. وتضيف هذه المصادر أن روسيا تبدو أنها الطرف الأكثر دينامية إذ إنها تلعب «في وقت واحد» الورقتين السياسية والعسكرية على السواء. فمن جهة، تسعى لتجميع صفوف المعارضة وجمعها بممثلين عن النظام والتحضير لمؤتمر موسكو3، ومن جانب آخر، تعزز حضورها العسكري في المنطقة الساحلية الاستراتيجية لها وللنظام ويؤكد رئيسها على ضرورة العمل مع قوات النظام من أجل دحر «داعش» والإرهاب.
في دوشنبه عاصمة طاجيكستان، كشف بوتين عن تقديره للأوضاع في سوريا، وفي إشارة غير مباشرة إلى ما تصفه الأوساط الروسية بـ«المعايير المزدوجة ومحاولات اللعب بالنار»، قال بوتين «إن المطلوب وحتى تتكلل الحرب ضد الإرهاب بالنجاح، التخلي عن أطماع جيوسياسية، والتوقف عن استخدام جماعات الإرهاب لتحقيق أهداف لا تمت بصلة إلى مكافحة الإرهاب مثل الإطاحة بالحكومات»، ليخلص إلى تأكيد أن «طرد الإرهابيين من سوريا أمر غير ممكن دون مشاركة الحكومة السورية». ومضى ليشير إلى أولوية مكافحة الإرهاب مؤكدا ضرورة توحيد الجهود من أجل مواجهة التنظيم الإرهابي الذي يضم بين صفوفه الكثيرين من مواطني روسيا وبلدان الفضاء السوفياتي السابق وكذلك البلدان الأوروبية، ما يثير المخاوف من أخطار هذه العناصر لدى عودتها إلى أوطانها.
وقال: «إنه لو لم يكن هناك الدعم الروسي لسوريا، لكان الوضع في هذا البلد أسوأ مما في ليبيا، ولكان تدفق اللاجئين أكبر بكثير». ومضى ليؤكد «أنه لا علاقة بين المساعدات التي تُقدم للحكومة الشرعية في سوريا، وتدفق اللاجئين إلى أوروبا، ومنهم من يهرب من ليبيا والعراق واليمن وأفغانستان ودول أخرى». وأضاف قوله: «الناس يهربون من سوريا بالدرجة الأولى بسبب العمليات القتالية، التي جرى فرضها من الخارج عن طريق توريد الأسلحة والمعدات القتالية. ويهرب الناس من فظائع الإرهابيين». وحول الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد الذي سبق وأعلن صراحة عن إصراره على البقاء في منصبه قال بوتين: «ان الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لإشراك القوى البناءة في صفوف المعارضة السورية في شؤون الإدارة بالدولة. ومن الضروري التفكير في الإصلاحات السياسية في هذا البلد. إننا نعرف عن استعداد الرئيس الأسد لإشراك (القوى المعارضة ذات الرؤى العقلانية) في هذه العملية».
ونقلت وكالة أنباء «سبوتنيك الروسية عن عدد من الخبراء السياسيين، ومنهم الخبير بوريس دولغوف من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ما قاله حول أن المعارضة الوطنية السورية هي التي كان يقصدها الرئيس بوتين بإشارته إلى «القوى ذات الرؤى السليمة». أما بالنسبة للمعارضة الخارجية فأشار دولغوف إلى «إمكانية أن تصل الحكومة السورية إلى اتفاق معها خلال المباحثات. ومن الممكن أن يدخل قسم من المعارضة المسلحة أيضا في حوار مع الحكومة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.