فيكتور أوربان.. عندما يتعامل اليمين المتشدد مع المعاناة الإنسانية

يختصر أزمة أوروبا مع مفهومي الهجرة والتعايش بين الثقافات والأديان

فيكتور أوربان.. عندما يتعامل اليمين المتشدد مع المعاناة الإنسانية
TT

فيكتور أوربان.. عندما يتعامل اليمين المتشدد مع المعاناة الإنسانية

فيكتور أوربان.. عندما يتعامل اليمين المتشدد مع المعاناة الإنسانية

إذا كان الطفل السوري الغريق إيلان كردي قد هز ضمائر العالم، وبالذات في أوروبا، فذكرها ببلاغة بالمأساة الإنسانية الناجمة عن الحرب في سوريا، فإن رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوربان شكّل الوجه الآخر لتلك المأساة. إذ جاءت تصريحات أوربان، الذي يعد أحد أكثر القادة الأوروبيين «يمينية»، غاية في السلبية ولا سيما، قوله إن بلاده لا ترحّب باللاجئين المسلمين، ناهيك من تشدد الأجهزة الأمنية التابعة لحكومته في إجراءاتها الهادفة إلى وقف سيل اللاجئين الفارين من جحيم حرب النظام السوري على شعبه.

محنة اللاجئين السوريين تثير في هذه الساعات أزمة سياسية على امتداد القارة الأوروبية، ولا سيما، بعد فتور حماسة عدة دول أوروبية لجهة تقبل اللاجئين الذين تزايدت أعدادهم بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة.
كانت مأساة الطفل إيلان كردي قد صدمت الرأي العام، فاضطرت الحكومات للتحرك بعدما تجاهلت الأزمة لأشهر وسنوات. وكانت ألمانيا في طليعة الدول التي بادرت إلى إعلانها الترحيب باللاجئين. غير أن المشكلة أخذت تتعقد عندما تداخلت فيها اعتبارات عدة:
الاعتبار الأول: هو تحديد الفارق بين مفهوم اللاجئ ومفهوم المهاجر، والواضح أنه بالإضافة إلى اللاجئين السوريين هناك آخرون لم يأتوا من دول خطرة لدرجة تفرض على الدول الأوروبية قبول من يفر إلى دولها منها. والاعتبار الثاني: هو أن في أوروبا «دول عبور» يصل إليها اللاجئون بهدف الانتقال منها إلى دول أخرى، و«دول المقصد» (أو دول اللجوء) التي يحلمون بأن تكون وجهتهم النهائية. والإشكالية أن «دول العبور» التي يصل إليها اللاجئون أولاً تقع في شرق أوروبا وجنوبها وهي الأقل ثراء، وكذلك الأقل رغبة في قبولهم، بالمقارنة مع «دول المقصد» في شمال القارة وغربها ومعظمها دول ثرية. ثم الاعتبار الثالث، أن في أوروبا أنظمة وقوانين تحكم حرية الحركة بين دولها، وقوانين تحدد أسس اللجوء. وأخيرًا، الاعتبار الرابع، أن ثمة أحزابا يمينية متشددة وعنصرية جعلت من قضية مناهضة الهجرة «آيديولوجيا» لها وهي ترفض الترحيب بمهاجرين ترى أنهم سيرهقونها اقتصاديًا، ويسببون لها مشكلات لجهة استعصاء اندماجهم في مجتمعاتها اجتماعيًا ودينيًا وثقافيًا.
خلاصة هذه الاعتبارات برزت في حالة المجر، الدولة الشيوعية سابقًا، التي باتت معبرًا للاجئين، ومن معهم من مهاجرين. وإحدى أعنف ردات الفعل جاءت من القيادة المجرية اليمينية، عندما تصدت الشرطة وقوى الجيش والأمن لمحاولة منع آلاف اللاجئين من دخول البلاد، وأطلق رئيس وزرائها فيكتور أوربان تصريحًا تطرق فيه إلى هوية بلاده المسيحية التي يهدد أمنها ونسيجها اللاجئون والمهاجرون المسلمون.
من هو فيكتور أوربان
ولد فيكتور ميهاي أوربان يوم 31 مايو (أيار) عام 1963 في بلدة أولتشودوبوز الصغيرة القريبة من مدينة سيكيشفيهفار، بشمال غربي وسط المجر. ونشأ في عائلة بروتستانتية كلفينية واستقر مع عائلته في سيكيشفيهفار عام 1977. وبعدما أنهى تعليمه الثانوي عام 1981 أدى الخدمة العسكرية ثم التحق بجامعة أوتفوش لوران، أعرق جامعات المجر، في العاصمة بودابست، حيث درس الحقوق. ومن ثم حصل على شهادة الماجستير حول حركة «تضامن» البولندية المناهضة للحكم الشيوعي.
وبعد التخرج عام 1987، عمل أوربان في بلدة سولنوك، ثم تولى وظيفة في معهد الإعداد الإداري التابع لوزارة الزراعة والأطعمة المجرية في العاصمة. ثم خلال سنتين، عام 1989، حصل على منحة من «مؤسسة سوروس» (التي أسسها الثري اليهودي المجري - الأميركي) للدراسة لمدة أربعة أشهر في جامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة.

مشوار السياسة

وفي مطلع 1990 غادر أوربان جامعة أكسفورد، وعاد إلى بودابست لخوض أول انتخابات بعد العهد الشيوعي، وكان قد عرف في تلك الفترة كسياسي شاب متحمّس ويميني متشدد معاد للشيوعية والاشتراكية، وفاز في تلك الانتخابات ودخل البرلمان وله من العمر 27 سنة.
المفارقة في هذا، ان أوربان عندما كان في الربعة عشرة من عمره اختير أمينًا لوحدة تنظيم الشبيبة الشيوعية في مدرسته الثانوية، ما يدل على طموحه السياسي في سن مبكرة. غير أنه تحوّل إلى اليمين وأسس مع بعض أترابه حزب «فيديس» (الأحرف الأولى من كلمات «تحالف الديمقراطيين الشباب» في عام 1988، وذلك مع بدء الزعيم السوفياتي السابق (والأخير) ميخائيل غورباتشوف قيادته سياسة «المكاشفة وإعادة البناء» التي هزّت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، ومن ثم أسقطتها وأسقطت النظام السوفياتي نفسه.
كان معظم قادة «فيديس» في تلك المرحلة التأسيسية من الطلاب المناهضين للحكم الشيوعي. ويوم 16 يونيو (حزيران) 1989 أتيحت الفرصة للشاب أوربان أن يلقي كلمة أمام الجموع المحتشدة في «ميدان الأبطال» ببودابست في ذكرى إعادة دفن جثمان الزعيم المجري الراحل إيمري ناج الرئيس الإصلاحي الذي أسقطه التدخل السوفياتي في المجر عام 1956، وجثامين قتلى ذلك التدخل. وطالب أوربان في كلمته تلك بانتخابات حرة وانسحاب القوات السوفياتية من البلاد.
وهكذا، وبين ليلة وضحاها صار الشاب الوسيم الآتي من سيكيشفيهفار شخصية سياسية مرموقة على المستوى الوطني. ومن ثم في وقت لاحق من العام نفسه شارك في مباحثات «الطاولة المستديرة» لبحث مستقبل المجر. وخلال ثلاث سنوات، عام 1992، أصبح أوربان زعيمًا لحزب «فيديس»، وتحت قيادته الديناميكية أشرف على تحويل ما كان منظمة طلابية راديكالية إلى حزب سياسي يميني كبير.
مكانة أوربان على مستوى المجر، امتدت لاحقًا إلى بيئة الأحزاب المحافظة واليمينية الأوروبية، إذ ترأس التجمع الليبرالي الدولي بين عامي 1992 و2000، قبل أن ينسحب منه حزبه، وينضم لتجمع الأحزاب الشعبية (اليمينية) الأوروبية، وفيه تولّى منصب نائب رئيس هذا التجمع بين عامي 2002 و2012.
رئيسًا للحكومة لأول مرة
تولى أوربان رئاسة الحكومة المجرية لأول مرة عام 1998، وكان عمره يومذاك 35 سنة (ما جعله ثاني أصغر رئيس وزراء في تاريخ البلاد)، ولقد شكل حكومة ائتلافية ضمت حزبين آخرين من اليمين وظل في السلطة حتى عام 2002. وأشرفت تلك الحكومة على إقرار سياسات راديكالية في شتى المجالات، داخليًا وخارجيًا. غير أن بعض التوتر بدأ يظهر بين أحزاب الائتلاف الحاكم. كذلك تدهورت علاقات أوربان مع الأحزاب المعارضة بسبب تشدده ونهجه الصدامي الذي لا يرتاح للمساومة. وهزّت صورة الحكومة بعض الفضائح، منها محاولتها التأثير على الإعلام، ثم ضربت الفضائح أحد أحزاب الائتلاف الذي انهار بعدها، وأنهى حكم الائتلاف.
وبعد حملة انتخابية حامية خسر «فيديس» المعركة وتمكن غريمه المباشر الحزب الاشتراكي من تشكيل الحكومة البديلة بالتحالف مع الليبراليين. غير أن «فيديس» حافظ على شعبيته وسط تشتت القوى السياسية المجرية.
حقًا في انتخابات عام 2010 حصل على أكثر من 52 في المائة من الأصوات، وانتزع غالبية برلمانية ضخمة بلغت الثلثين. وهكذا تولى فيكتور أوربان رئاسة الحكومة للمرة الثانية، وأتاح التفويض الشعبي الكبير للزعيم اليميني إجراء تعديلين دستوريين؛ الأول يتعلق بإضافة فقرة في الدستور لدعم الزواج التقليدي، والثاني لخفض عدد مقاعد البرلمان من 386 مقعدًا إلى 199 مقعدًا. وكرر أوربان وحزبه الفوز في الانتخابات العامة الأخيرة في العام الماضي 2014. ومرة أخرى بفارق كبير منحه غالبية الثلثين قبل أن يخسرها خلال العام الحالي في انتخاب فرعي.

حياته الشخصية
أوربان البروتستانتي متزوج من سيدة كاثوليكية هي آنيكو ليفاي، وهي ذات خلفية مهنية قانونية مثله، ولهما أربع بنات وولد. وبين هوايات أوربان المعروفة على مستوى المجر شغفه بكرة القدم، وكان قد مارس اللعبة كلاعب محترف في نادي فيلتشوت لكرة القدم، في بلدة فيلتشوت القريبة من مسقط رأسه والتي أمضى فيها بعض سني صباه. وبعد اعتزاله اللعب واظب على دعم كرة القدم في المجر التي كانت ذات يوم من أهم القوى الكروية في العالم. وولده الوحيد يلعب اليوم في النادي الذي لعب له أبوه، بعدما تغير اسمه فبات نادي أكاديمية بوشكاش، نسبه لنجم الكرة المجري العالمي الأشهر الراحل فيرنس بوشكاش.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».