حزب العدالة والتنمية.. الرقم الصعب في انتخابات المغرب المحلية

طرد معارضيه من المدن الكبرى.. وأرغم «الاستقلال» على الانقلاب ضد نفسه

حزب العدالة والتنمية.. الرقم الصعب في انتخابات المغرب المحلية
TT

حزب العدالة والتنمية.. الرقم الصعب في انتخابات المغرب المحلية

حزب العدالة والتنمية.. الرقم الصعب في انتخابات المغرب المحلية

يقرأ المراقبون في المغرب ملامح كثيرة في نتائج الانتخابات الجهوية والبلدية، ولا سيما أداء حزب العدالة والتنمية، ذي التوجهات الإسلامية، الذي يقوده رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، والانعكاسات المحتملة لهذا الأداء على الانتخابات العامة المقبلة. وكان لافتًا بالنسبة للمراقبين أن أداء العدالة والتنمية كان أفضل بكثير من أداء الأحزاب والقوى الإسلامية في دول «الربيع العربي»، وإن كان ثمة من يشير إلى أن جزءًا من نجاحات الحزب جاء نتيجة أخطاء منافسيه وانشقاقاتهم.

{فاس تتنفس الصعداء} بهذه العبارة علق عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على اكتساح حزبه ذي المرجعية الإسلامية، للعاصمة العلمية للمغرب، حيث ظل غريمه السياسي حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال المعارض عمدة لولايتين متتاليتين. وجدير بالذكر، أن مدينة فاس تعدّ المعقل التاريخي للاستقلاليين وزعمائهم السابقين المنتمين للعائلات الفاسية.
عبارة ابن كيران التي قالها خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء اليوم الموالي للاقتراع الخاص بانتخابات مجالس الجهات (المناطق) والبلديات يوم 4 سبتمبر (أيلول) الحالي، حملت في طياتها تشفيًا ممزوجًا بنشوة النصر الذي حققه الحزب ليس فقط في مدينته فاس التي حصل فيها حزبه على 74 مقعدًا، بل في خمس مدن كبرى أخرى بشكل فاق التوقعات وفاجأ الحزب نفسه، تمامًا كما فاجأته نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 وحصل فيها العدالة والتنمية على 107 مقاعد. ويومذاك جاء الفوز عقب موجة احتجاجات عرفتها البلاد، وقادتها حركة 20 فبراير (شباط) الشبابية، قبل أن تنقذ الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الملك محمد السادس الموقف، وتسمح بوصول أول حزب إسلامي مغربي إلى السلطة.

مفاجأة «الاستقلال»
لكن إذا كان تصدّر حزب العدالة والتنمية النتائج الخاصة بانتخاب أعضاء المجالس البلدية واكتساحه المدن الكبرى مفاجئًا، فإن مفاجأة أخرى ظهرت الاثنين عشية انتخاب رؤساء الجهات وخلطت كل الأوراق، ولقد تمثلت في «الانقلاب» الذي نفذه ضد نفسه، وضد أحد حلفائه في المعارضة وهو حزب الأصالة والمعاصرة.
حزب الاستقلال أعلن، من دون سابق إنذار، فك تحالفه مع أحزاب المعارضة، وإعلان مساندته النقدية لحكومة خصمه السياسي اللدود ابن كيران، وجاء هذا القرار بعد 10 أيام من ظهور نتائج الانتخابات البلدية والجهوية. ولقد اتخذ الحزب هذا القرار خلال اجتماع للجنته التنفيذية، ترأسه، عقد ليلة الأحد الماضي واستمر حتى ساعة مبكرة من يوم الاثنين. وسيرفع القرار إلى المجلس الوطني (برلمان الحزب) لإقراره. كذلك أعلن الحزب أنه بصدد إعداد وثيقة ستصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، تتضمن تقييمًا موضوعيًا ونقدًا ذاتيًا للوضع الحالي للحزب.
وبادر إلى تنفيذ هذا القرار في اليوم الذي أجريت فيه انتخابات رؤساء مجالس الجهات، فانسحب من سباق رئاسة جهة فاس - مكناس، ليفسح الطريق أمام مرشح الأغلبية الحكومية محند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الذي ظفر بالمنصب. كذلك دعا قياديي حزبه إلى التصويت ضد مرشحي الأصالة والمعاصرة لرئاسة الجهات ومنح أصواتهم لفائدة مرشحي حزب العدالة والتنمية، بيد أن كثيرين منهم لم يلتزموا بالقرار وصوّتوا لفائدة مصطفى بكوري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي انتخب رئيسًا لجهة الدار البيضاء - سطات، ولفائدة إلياس العمري نائب الأمين العام للحزب ذاته، الذي انتخب رئيسًا لجهة طنجة - تطوان - الحسيمة. وهكذا فاز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة خمس جهات من مجموع 12 مقابل جهتين فقط لحزب العدالة والتنمية. وحصل حزب الاستقلال على رئاسة جهتين (العيون - الساقية الحمراء والداخلة - وادي الذهب)، والتجمع الوطني للأحرار أيضًا على رئاسة جهتين (سوس - ماسة وكلميم - واد نون)، بينما انتزعت الحركة الشعبية رئاسة جهة واحدة (فاس - مكناس)، وكان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الخاسر الأكبر في الانتخابات الجهوية، ذلك أنه لم يفز بأي جهة.
في سياق ذلك، يبقى السؤال المطروح هو..كيف سينعكس قرار حزب الاستقلال على انتخابات رؤساء البلديات الذي انطلق أمس الثلاثاء ويتواصل اليوم الأربعاء، وما إذا كان سينتج عن ذلك مفاجآت جديدة؟».

قراءة ابن كيران
ثم، إذا كان حزب العدالة والتنمية قد تصدر نتائج انتخابات الجهات، وحل ثالثًا في الانتخابات البلدية، بعد غريميه حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال المعارضين، بعدما كان كثيرون من المراقبين يتوقعون تراجعه أسوة بما حدث للتيارات الإسلامية في دول «الربيع العربي»، فقد كانت لابن كيران قراءة ثانية لتلك النتائج. رئيس الوزراء قال في قراءته إنه إذا ما جرى احتساب الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الثلاثة الأولى، فإن حزبه يظل هو الأول من حيث عدد الأصوات إذ حصل على مليون و500 ألف صوت، مقابل حصول الأصالة والمعاصرة المعارض على مليون و300 ألف صوت، والاستقلال المعارض على مليون و70 ألف صوت. ورأى ابن كيران أن حزبه لم يكن قد حصل إلا على 600 ألف صوت في الانتخابات البلدية لعام 2009، وبالتالي، يكون الحزب قد نجح في كسب نصف مليون صوت جديد مقارنة مع انتخابات 2011 التي صوت لصالحه فيها مليون صوت.
من ناحية ثانية، أرجع المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة إلى كونه «ما زال يستثمر رصيده الانتخابي في الانتخابات التشريعية لـ2011، بالإضافة إلى كونه يوظف خصوصيته المتمثلة في مرجعيته الدينية». وأوضح بوخبزة أن الحزب لم يعتمد في الاقتراع الأخير على من يطلق عليهم اسم «الكائنات الانتخابية» التي تستميل الناخبين بطرق أخرى غير الخطاب السياسي والبرامج الانتخابية.
وقال بوخبزة لـ«الشرق الأوسط» إن منافسي حزب العدالة والتنمية كان لهم دور أيضًا في هذا الفوز «فهم ارتكبوا أخطاء كبيرة جدًا في التعامل مع هذه الانتخابات، وبالتالي، كمنت قوة العدالة والتنمية في ضعف خصومه السياسيين». وشرح أن غالبية الأحزاب المعارضة «دخلت الانتخابات بمعنويات مهزوزة بعد عقد مؤتمراتها العامة التي وصلت إلى حد حدوث انشقاقات كبرى داخلها مثل ما حدث في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي».
هذا، ولفتت النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية، بالذات، في المدن الكبرى مثل الرباط وطنجة وأغادير والدار البيضاء والقنيطرة وفاس ومكناس ومراكش الانتباه بشكل كبير. وهو ما حدا بابن كيران للقول: «هذه النتائج وحدها كافية لإبراز شعبية الحزب ومكانته» ومن ثم وصف الانتخابات بأنها كانت «حماسية وكان الناس مرتاحين لنتائجها ولم تعرف تدخل الإدارة».

واشنطن مرتاحة
تجدر الإشارة إلى أن الرضا الذي عبر عنه الرئيس ابن كيران بشأن الانتخابات، دعمته وزارة الخارجية الأميركية التي عدتها «خطوة مهمة وإيجابية نحو الأمام في إطار جهود الحكومة المغربية نحو اللامركزية وتعزيز القرب من المواطنين». ومن ثم، أعلنت الولايات المتحدة «دعمها لجهود المغرب في مجال التنمية الديمقراطية المتواصلة، من خلال الإصلاحات الدستورية والقضائية والسياسية».
ومن جانبه، أقرّ خالد الطرابلسي، رئيس المركز المغربي لحقوق الناخب وعضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، باكتساح حزب العدالة والتنمية المدن الكبرى، بيد أنه قلّل من أهمية هذا النجاح. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المغرب ليس المدن الكبرى فقط.. والعدالة والتنمية أقام ضجة مدعيًا أنه اكتسح المغرب، لكن هذا غير صحيح فهم لا يتحكمون في المغرب كله، بدليل أن حزب الأصالة والمعاصرة احتل المرتبة الأولى وحزب الاستقلال الثانية بينما جاءوا هم في المرتبة الثالثة».
لكن المفارقة تبقى أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي يطرح مشروعًا سياسيًا حداثيًا اكتسح البوادي والقرى، بينما سيطر حزب العدالة والتنمية المحافظ على المدن التي تعج بالحداثيين والمثقفين.

الحملة الانتخابية
ثم إن حماس الانتخابات الذي تحدث عنه ابن كيران لم يكن خافيًا. فخلال الحملة الانتخابية تنقل زعيم العدالة والتنمية بالطائرة لترؤس المهرجانات الخطابية التي نظمها حزبه في عدة مدن كبرى، وكلّف هذا التنقل الحزب نحو 300 ألف درهم (35 ألف دولار). ويبدو أن حضور رئيس الحكومة في هذه المهرجانات كان له وقع السحر على الناخبين في تلك المدن نفسها، ورد ابن كيران ساخرا من معارضيه الذين انتقدوا تكلفة تنقله بالطائرة قائلا «وكأنني بنظرهم لا أستحق ركوب الطائرة». كذلك، خصص ابن كيران حيزًا كبيرًا من مهرجاناته الخطابية لمهاجمة خصومه السياسيين، خاصة، أمين عام حزب الاستقلال، وإلياس العمري نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يعده ابن كيران الرئيس الفعلي للحزب.
أيضًا، لم يفوّت ابن كيران أجواء الحماس الانتخابي، بل استعمل كل ما لديه من أفضليات لمهاجمة خصومه بشكل لاذع وساخر، وهي المهمة التي يتقنها بامتياز، ولم يتوان في توجيه تهم ثقيلة لخصومه من قبيل تلقي الأموال من تجار المخدرات لصرفها في الحملات الانتخابية، وهي التهمة التي وجهها تحديدًا للعمري في عز الحملة الانتخابية، وقرّر على أثرها حزب الأصالة والمعاصرة مقاضاة رئيس الحكومة على الرغم من أن هذه الاتهامات ليست جديدة، إذ سبق لابن كيران إثارتها غير مرة خلال الأشهر التي سبقت موعد الانتخابات. ولكن بدهائه السياسي نفى ابن كيران أن يكون هو من وجّه للعمري تهمة تلقي الأموال من تجار المخدرات، بل كان هو من اتهم العمري بذلك عبر شريط فيديو يعود تاريخه إلى عام 2011، اطلع عليه ابن كيران في أحد المواقع الإلكترونية. وبالتالي، فإن كل ما يطالب به العمري هو «أن يقول للمغاربة بأنه يكذب، أو أن يعترف بأنه كذب على العمري»، مؤكدًا أنه سيتابع هذه القضية حتى النهاية.
أما الذي سبق أن وجه لابن كيران تهمًا غريبة وعجيبة مثل علاقته بجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وأيضًا علاقته بتنظيمي «داعش» و«النصرة»، فكان له نصيب وافر من السخرية خلال مختلف المهرجانات الخطابية، حيث سخر منه ابن كيران لأنه وعد سكان مدينة فاس (البعيدة عن البحار) بتوفير بحر صناعي لهم. واستهزأ بإقدامه على نصب برج يشبه برج إيفل الباريسي في المدينة قبل أن يتراجع عن نصبه. وأشار رئيس الوزراء في جل خطاباته إلى المظاهرة التي نظمها ضد الحكومة مستعينًا بالحمير، وهي المظاهرة التي «جلبت السخرية للمغرب عبر العالم»، كما قال. فهل كان لهذا الخطاب المغرق في السخرية ضد الخصوم تأثير على الناخبين؟
يجيب المحلل السياسي العمراني بوخبزة أن «خطاب ابن كيران ضد خصومه لم يكن خطابًا خاصا بالمرحلة الانتخابية بل امتداد لما سوقه ضدهم منذ توليه رئاسة الحكومة». وأردف أن «التنابذ الذي حدث بين ابن كيران وخصومه السياسيين ليس مرحليًا بل مسترسلاً، وكان له تأثير كبير جدا على الناخبين لأنه وافق القناعات العامة السائدة في المجتمع بضرورة محاربة رموز الفساد». ولفت بوخبزة إلى أن حزب العدالة والتنمية، حتى قبل مرحلة ابن كيران، «ركز دائمًا على تسفيه الخصوم وتزكية النفس وهذا الأمر يتلاءم أيضًا مع عقلية الجماهير المغربية»، حسب رأيه.

تعليقات ومساجلات
على صعيد آخر، عقب ظهور نتائج الانتخابات ظهرت قراءة أخرى تقول إن فوز حزب العدالة والتنمية يمثل مشكلة للمؤسسة الملكية في المغرب وإن كانت لا تصل حد تهديدها. بيد أن مصطفى الخلفي وزير الاتصال (الإعلام)، والناطق الرسمي باسم الحكومة المنتمي لحزب العدالة والتنمية، نفى ذلك بشكل مطلق. ووصف الخلفي تلك القراءة بأنها «غير سليمة وخاطئة وغير مسنودة. بل على النقيض منها، أثبتت الممارسة السياسية للحزب والمنطلقة من مرجعيته وفكره السياسي أنه كان دائمًا ولا يزال يعمل في إطار الشرعية ومعها، ويشتغل تحت قيادة الملك، وشكل دائمًا دعمًا وسندًا للإصلاحات الكبرى الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية مع باقي القوى الحية».
وانتقد الخلفي أيضًا في مقال نشره على الموقع الإلكتروني للحزب «القراءة الاختزالية التي تربط تقدم الحزب بنزاهته فقط، لتنكر عن قصد أو غير قصد الدور الحاسم والأساسي لأداء الحزب ومناضليه سواء على مستوى العمل الحكومي أو حصيلته في تدبير الشأن الجماعي المحلي، وحصيلته الإيجابية الأولية مقابل الأداء الضعيف للمعارضة». ورفض الخلفي أيضًا إلصاق الرؤية المحافظة إزاء الحريات الفردية بالحزب، قائلاً إن حصيلة الحزب في رئاسة الحكومة طيلة أربع سنوات كانت خلاف ذلك «وكذبت كل ما كان يروج منذ سنوات حول التضييق الذي قد يطال الحريات الفردية في حال وصول الحزب إلى الحكومة».
في هذه الأثناء، انتقد العمري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في مؤتمر صحافي عقده عقب ظهور نتائج الانتخابات ما وصفه بجزئية بسيطة تتمثل في عدم تمكن عدد من الناخبين من التصويت بسبب غياب أسمائهم من السجلات من دون مبرر. معلنًا أيضًا أن أحزاب المعارضة الأربعة اتفقت على أن التحالف مع العدالة والتنمية «خط أحمر»، على الرغم من استحالة تطبيق هذا القرار على أرض الواقع عند تشكيل مجالس الجهات والبلديات.
ومن جهته، دافع الطرابلسي عن النتائج التي حققها حزبه (الاستقلال)، وقال إنه على الرغم من كونه في المعارضة فإنه حافظ على مكانته وحل في المرتبة الثانية بعد حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما حدث في الانتخابات البلدية لعام 2009. أضاف أن ما يروج عن انهزام حزب الاستقلال «غير صحيح». وردًا على ما تردد بشأن مطالبة بعض أعضاء حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بعقد مؤتمرات استثنائية لتغيير القيادات الحالية للحزب جراء النتائج السلبية التي حصلا عليها في الانتخابات، قال الطرابلسي إن ما راج بشأن ذلك هو «مجرد حرب نفسية». ثم تساءل: هل محافظة حزب الاستقلال على موقعه في الانتخابات تدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي؟ ورد على سؤاله بأن «ما يقال غير منطقي بل يدخل ضمن التهويل والتضليل الإعلامي الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية مدعومًا من قبل عدد من المنابر الإعلامية.
هذا الرأي أيده أيضًا بوخبزة، الذي قال إن المطالبة بإجراء مؤتمرات استثنائية ليست سوى ردود فعل على محطة انتخابية، «إذ لا ينبغي للأحزاب السياسية أن تكون خاضعة لردود الفعل، لأن من شأن ذلك أن يكون له انعكاسات وخيمة على مسارها، وقد يكلفها الخضوع لردود الأفعال غاليًا، خاصة، أن الأجواء والنفوس لم تستقر بعد» حسب تعبيره. لكن المراقبين يتذكرون أنه صرح قبيل اقتراع 4 سبتمبر أنه سيستقيل من قيادة الحزب إذا لم يحصل حزبه على المرتبة الأولى.

جيش ابن كيران {الإلكتروني}
ثم ثمة سؤال يطرح نفسه حول حقيقة الجيش الإلكتروني الذي يقال إن حزب العدالة والتنمية يملكه ويديره على مدار الساعة، حيث تكتسح مقاطع فيديو تتضمن تصريحات ابن كيران، مختارة بذكاء، مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب عشرات التعليقات المصورة المواكبة لكل حدث التي تدافع عن حصيلة الحكومة أو تنتقد بسخرية مواقف المعارضة. ومنها مقطع فيديو لا يتعدى ثواني معدودات يطلق فيه ابن كيران ضحكة مدوّية. وقد نشر المقطع مذيلا بتعليق يقول «أول تعليق لابن كيران». ويحقق هذا النوع من الفيديوهات نسبة مشاهدة عالية على موقع «اليوتيوب».
ولكن صحافيًا يعمل في الموقع الإلكتروني للحزب قال لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «لسنا كتيبة ولا جيشًا إلكترونيًا، فعدد الذين يعملون بالموقع لا يتعدى 18 شخصًا، بينهم إداريون وتقنيون و6 صحافيين»، مضيفًا: «إن ما ينشر ويبث على مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات وتعليقات مصورة ينجزها شباب متطوعون ينتمون إلى منظمة الشباب التابعة للحزب».
تبقى الإشارة إلى أن حكومة ابن كيران عرفت فضائح أدت إلى إقالة عدد من وزرائها أو استقالتهم، بدءا من فضيحة الشوكولاته التي تورط فيها عبد العظيم الكروج الوزير السابق في الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، الذي شغل أيضًا منصب الوزير المنتدب في التكوين المهني، وينتمي إلى حزب الحركة الشعبية. ثم فضيحة الملعب التي أقيل على أثرها محمد أوزين وزير الشباب والرياضة المنتمي للحزب نفسه. أخيرا قصة الحب والزواج التي جمعت بين سمية بن خلدون الوزيرة في وزارة التعليم العالي والحبيب الشوباني الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني (متزوج)، التي أحدثت ضجة غير مسبوقة وصل صداها إلى خارج البلاد، وأجبرت الوزيرين المنتميين لحزب العدالة والتنمية على الاستقالة.
وكانت المعارضة تراهن على هذه «الفضائح» لتشويه صورة الحكومة أمام الرأي العام، بيد أنها وإن كانت أثرت نوعا ما على حزب الحركة الشعبية الذي خسر وزيرها السابق أوزين في الانتخابات، فإن قصة حب الوزيرين لم تؤثر على حظوظ العدالة والتنمية مطلقًا، بل استغلها ابن كيران لصالح الحزب. ففي أول مهرجان خطابي عقده في مدينة سلا المجاورة للرباط لإعلان انطلاق الحملة الانتخابية لحزبه، اختصر ابن كيران الضجة التي أحدثتها هذه القضية بشأن تعدد الزوجات ولخصها في عبارة واحدة «ماذا سيقولون عنا.. وزير أحب وزيرة وتزوجها.. مبروك لهما».
فلماذا أخفقت خطة المعارضة التي طالما حاولت تأليب الرأي العام ضد الحكومة بسبب «قراراتها غير الشعبية التي تستهدف جيوب المواطنين»، واستغلت «فضائح وزرائها»، يجيب بوخبزة على ذلك بالقول إن «ما حدث هو العكس تمامًا، أي أن (العدالة والتنمية) استثمر بشكل كبير إنجازات الحكومة لصالحه خلال الحملة الانتخابية وسوقها بشكل جيد»، مضيفًا أن «رئيس الحكومة لم يفوت أي فرصة في إبراز ما حققته حكومته إلى درجة أنه بخس مساهمة باقي مكونات الأغلبية ودورها في هذه الإنجازات».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».