العبادي يدعو إلى نهضة اقتصادية شاملة.. وسط أزمة سيولة مالية خانقة

كرر اتهامه لـ«الجهات المتضررة» من الإصلاحات بعرقلة تنفيذها

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
TT

العبادي يدعو إلى نهضة اقتصادية شاملة.. وسط أزمة سيولة مالية خانقة

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي

كرر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انتقاداته للجهات المتضررة من إجراءاته الإصلاحية التي يقوم بها بمن في ذلك محاولات الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط حيث يعتمد الاقتصاد العراقي على ما نسبته 95 في المائة من الواردات النفطية وهو ما بات يشكل أزمة سيولة مالية حادة بسبب انخفاض أسعار النفط.
وقال العبادي في كلمة له خلال ورشة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية تحت شعار (النهوض بالقطاع الزراعي من أجل دعم الاقتصاد الوطني) إن «بعض الإجراءات البيروقراطية تساهم بعرقلة العمل والإجراءات واتخذنا مشروعا لتبسيط هذه الإجراءات ورفع الحلقات الزائدة المعرقلة وسنحاسب كل من يتسبب بهذا الأمر»، مشيرا إلى «أهمية الشراكة الحقيقية بين القطاعين الخاص والعام». وفيما أكد أن الثروة الحيوانية في البلاد لا تزال دون المستوى المطلوب فإن مافيات الفساد لاحقته إلى هناك قائلا إن «المواطنين يريدون الإصلاح ونحن نعمل ومستمرون بتنفيذ الإصلاحات وهناك عقبات تراكمية نعمل جاهدين لتجاوزها وهناك محاولات لعرقلة هذه الإصلاحات وبالأخص من المتضررين منها ونقول لهم بأننا سنستمر بها وبتخفيض الإنفاق الحكومي حتى لو ارتفعت أسعار النفط لأن هذا المنهج خاطئ ومضر بالدولة».
وأوضح العبادي أن «هناك إمكانية للخروج من الأزمة بشكل أقوى ولكن نحتاج للصبر الإيجابي وعدم اليأس»، مبينا «أننا في الوقت الذي نعمل من أجل تنفيذ الإصلاحات ونواجه هذه التحديات الاقتصادية والمالية فإننا نخوض حربا مع عصابات داعش الإرهابية التي تتطلب أموالا وأسلحة ونعمل لخلق توازن من أجل توفير الأسلحة التي تحتاجها المعركة».
وتأتي تصريحات العبادي هذه في وقت تستمر الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بمحاربة رؤوس الفساد الكبيرة فيما تتضاءل قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المواطنين لا سيما الموظفين منهم حيث تشكل رواتبهم ومخصصاتهم نسبة كبيرة من الموازنة التشغيلية وبنسبة 70 في المائة منها. وكان العبادي اتخذ قرارا الأسبوع الماضي خفض بموجبه رواتب ومخصصات كبار المسؤولين التي يتقاضونها منذ ما بعد عام 2003 فيما تعمل اللجان المتخصصة الآن على إعداد سلم رواتب جديد مثلما أفاد لـ«الشرق الأوسط» عضو إحدى اللجان التي شكلها العبادي وهو باسم جميل أنطوان الذي يضيف قائلا إن «الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء بتخفيض رواتب كبار المسؤولين ومن بينهم الرئاسات الثلاث لا يمكن الاستهانة بها حيث أدى ذلك إلى توفير مبالغ ضخمة يضاف إليه العمل الآن على إعداد سلم رواتب جديد للفئات ما دون درجة المدير العام حيث سوف يتم تقليص الفوارق بنسب كبيرة جدا بين الفئات العليا من الموظفين الدرجات الصغرى.
وأشار جميل إلى أن «حركة الإصلاح الاقتصادي هي ليست منظورة بسرعة مثل الإصلاح السياسي بل تحتاج إلى وقت وكفاءات وآليات وهو ما يتم العمل عليه الآن بالإضافة إلى العمل على دعم القطاع الخاص الذي يعد اللبنة الأساسية لخروج العراق من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على مورد واحد هو النفط إلى الاقتصاد الإنتاجي حيث إن عملية الإقراض الكبير لصناديق الزراعة والصناعة والعقارات والإسكان إنما هي من الأمور الهامة التي سوف تظهر نتائجها في المستقبل المنظور».
لكن أستاذ الاقتصاد الدكتور ماجد الصوري يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «أهم ركيزة في أي عملية إصلاحية سواء كانت سياسية أم اقتصادية يجب أن تكون محددة الأهداف واضحة المعالم وبالتالي فإن الإصلاحات الحالية تبدو حالة وسطى بين أن تكون تخفيض النفقات وبين أن تكون مسعى لتنمية اقتصادية». ويضيف الصوري أن «حجم الرواتب الكلي في العراق اليوم لعموم موظفي الدولة ومتقاعديها باستثناء المعونة الاجتماعية يبلغ نحو 40 تريليون دينار عراقي (أي نحو 35 مليار دولار أميركي سنويا) علما أن الاسمي منه يبلغ نحو 10 مليارات دولار أميركي وهذا يعني أن نحو 26 مليار دولار تقريبا هي مخصصات وفي حال اتخذ رئيس الوزراء قرارا بأن لا تزيد المخصصات عن الراتب الاسمي فإن ذلك سيؤدي إلى توفير مبالغ كبيرة جديدة يمكن أن تساعد في تجاوز الأزمة». ويرى الصوري أن «كبار الموظفين من أصحاب الدرجات الخاصة هم من يستهلك كل هذه الكميات الإضافية من الأموال وبالتالي فإن طبقات الفساد تعشش بين هؤلاء وهي التي تعرقل عمليات الإصلاح في سياق البعد الإجرائي لها وهو ما يجعلها بالفعل عملية بطيئة ومتعثرة إلى حد كبير».
في السياق نفسه، يقول كاظم الشمري، عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن «ما يجري الآن هو صراع بين من يريد الإصلاح الحقيقي ومن هو مستفيد ويسعى للعرقلة بأي طريقة كانت وهو ما يتطلب من رئيس الوزراء أن لا يكتفي بالنقد أو التحذير من هذه الجهات والأطراف المستفيدة بل ضربها وإقصائها من المشهد كله لأنها تعمل الآن على تقوية مواقعها وهي لا تزال تملك القدرة على المناورة والتحدي والعرقلة». وأضاف الشمري أن «العبادي يستند في كل ما يريد القيام به إلى أرضية قوية وهي الجماهير التي تؤيده والمرجعية التي تدعمه وبالتالي ليس هناك حجة في أن تكون الإجراءات أقل من المتوقع في مفاصل كثيرة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.