الطائرات.. عندما تتحول إلى متجر جوّي

تنافس خطوط الطيران على تقديم البضائع الفاخرة يثير شغف المسافرين

الطائرات.. عندما تتحول إلى متجر جوّي
TT

الطائرات.. عندما تتحول إلى متجر جوّي

الطائرات.. عندما تتحول إلى متجر جوّي

قد تجد نفسك عائدا من رحلة سياحية ونسيت أن تتبضع بعض الهدايا لأحبابك، أو أنك مللت الانتظار جالسا لحين الوصول في رحلات السفر الطويلة، عندها تتصفح كتالوغ المنتجات التي توفره معظم شركات الخطوط الجوية داخل الكيس المقابل للمقعد، وفجأة تنفتح شهيتك لخوض تجربة التسوق في السماء، داخل متجر جوي حقيقي يقترح مجموعة مختارة من المنتجات من أشهر العلامات التجارية ما بين العطور والساعات والجواهر وغيرها، إذ يرى بعض المسافرين متعة وشغفا في الاستفادة من شراء المنتجات التي تباع على الطائرة بقيمة أقل مما هي عليه في الأسواق التقليدية، بالنظر إلى كون معظم هذه المنتجات معفاة من الرسوم الجمركية، إلى جانب ولع البعض باقتناص فرصة شراء المنتجات الحصرية التي يجدونها فقط عند السفر في الأجواء وترافقها كلمة «حصري» لإشباع رغبة الباحثين عن التفرد.
وتبدو هذه التجربة مثيرة كذلك بالنسبة إلى من لا يجدون الوقت الكافي للجري بين المتاجر بحثا عن احتياجاتهم، إذ يفضل البعض أن يتسوق وهو مستريح في مقعده، إما بكبسة زر من الشاشة الأمامية للمقعد أو بتعبئة طلب شراء المنتج الذي وقعت عينه عليه في مجلة المبيعات الجوية، فيختار ما يريد من العطور، ومستحضرات التجميل، ومستحضرات العناية بالبشرة، والأقلام، والساعات، والجواهر، والإكسسوارات، وألعاب الأطفال، وهدايا تذكارية مصنعة حصريا للخطوط الناقلة، إلا أن الفائدة الكبرى لهذه الوسيلة أنها تنقذ بعض المسافرين من ورطة نسيان شراء الهدايا لذويهم، في ظل إبهار التسويق الجوي الذي تتنافس عليه خطوط الطيران، وتوفير مزيج مثالي من المنتجات الكلاسيكية الأكثر مبيعا والمنتجات الجديدة في الأسواق، مع اعتمادها على تحديث مجلة المبيعات مرتين إلى 3 مرات خلال السنة الواحدة، والتأكيد على أن أسعارها تنافسية وأقل من أسعار التجزئة في الأسواق المحلية الرسمية.
وتحكي الخطوط الجوية السعودية قصتها مع المبيعات الجوية، التي بدأت عام 1984، إذ تقوم الشركة بشراء المنتجات من المزودين ومن ثم يقوم الركاب باختيار المنتجات من مجلة المبيعات الجوية على متن الطائرة التي يجري تحديثها ثلاث مرات سنويا، بحسب ما يفيد الموقع الإلكتروني للخطوط السعودية.
جدير بالذكر أنه توجد جوائز لتقييم المبيعات الجوية لخطوط الطيران، ففي العام الماضي 2014 شهدت شركة طيران الخليج (الناقلة الوطنية لمملكة البحرين) تتويج اثنتين من أفراد طاقم الضيافة العامل بالشركة بالميدالية الفضية لجائزة «أفضل بائع في السنة» لتحقيقهما المركز الثاني في المؤتمر العالمي لمبيعات السوق الحرة على متن الطائرات، وذلك عن مجال تسويق مبيعات السوق الحرة على الطائرة، في حين تبتكر بعض خطوط الطيران أسماء لافتة لمجلة المبيعات الجوية، من ذلك ما عمدت إليه الخطوط الجوية الكويتية التي تقدم منتجات مبيعاتها في مجلة اسمها «الصوغة»، وهي مفردة من اللهجة الكويتية الأصيلة ومستوحاة من التراث الكويتي، وتعني الهدية التي يجلبها المسافر لأهله وأحبائه عند العودة إلى أرض الوطن.
وتعتمد عملية اختيار المنتجات على كثير من العوامل المهمة، مثل عادات الركاب في الشراء وإطلاق المنتجات الجديدة واتفاقيات حصرية مع المزوّدين والنسبة ما بين الأسعار والكمية، وتشمل المنتجات الأساسية التي تعرض على الركاب العطور ومستحضرات التجميل، والساعات والجواهر، والأقلام وأدوات الكتابة، والنظارات الشمسية والإكسسوارات، وألعاب الأطفال، والمنتجات التي تحمل علامة الخطوط.
ومن التسهيلات التي تقدمها بعض خطوط الطيران، إمكانية الدفع مقابل المشتريات الجوية عبر عملة البلد محل الإقلاع أو الوصول، فقد يكون الدفع بالريال السعودي أو الدولار الأميركي أو الجنيه الإسترليني أو اليورو أو الفرنك السويسري وغيرها من العملات، وهو ما يزيد من مرونة عملية الشراء بالنسبة للمسافر.
ورغم أن مشهد موظف الخطوط وهو يدفع عربية المبيعات أثناء تحليق الطائرة وينادي بين المسافرين «مبيعات جوية.. مبيعات جوية» يبدو جاذبا لبعض المسافرين الذين تستوقفهم المنتجات بهدف الشراء، إلا أن البعض الآخر لديه شكوك دائمة من جودة المنتجات أو مناسبة أسعارها، الأمر الذي جعل إحدى شركات الخطوط العربية تؤكد عبر موقعها الإلكتروني الرسمي أن جميع منتجاتها أصلية (غير مقلدة) وبأسعار تنافسية.
وفي محاولة لتلبية رغبة الشغوفين بشراء المبيعات الجوية دون الحاجة للسفر، عمدت بعض الخطوط إلى توفير مبيعاتها للجميع عبر الإنترنت، من ذلك الموقع الإلكتروني الذي أنشأته الخطوط الجوية السعودية تحت اسم «المبيعات الجوية» الذي يقدم المنتجات المتوافرة على الطائرة كافة، إلى جانب عروض التخفيض، بحيث تجري عملية الشراء إلكترونيا، وتصل المنتجات إلى منزل العميل في أي موقع حول العالم.
ويبدو أن هذا الأمر فتح شهية فئة أخرى ممن أصبحوا يمتهنون عملية المتاجرة في توفير المبيعات الجوية من خلال شرائها وإيصالها إلى العميل نظير عمولة مالية، وذلك في حسابات إلكترونية تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي (خصوصا «تويتر» و«إنستغرام»)، إلا أن المتعة الحقيقة لا تزال مرتبطة بالشراء فوق الأجواء، وانتقاء المنتجات بأريحية عالية أثناء تحليق الطائرة، وتسلمها على الفور، بعيدا عن روتينية الشراء التقليدي في الأرض.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».