تزايد الدعوات إلى سحب التفويض الجماهيري من العبادي بدعوى أنه يماطل في الإصلاحات

المتحدث الإعلامي باسم رئيس الوزراء: مافيات فساد لا تزال تملك مواقع نفوذ تعرقل مسعاه

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
TT

تزايد الدعوات إلى سحب التفويض الجماهيري من العبادي بدعوى أنه يماطل في الإصلاحات

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي

في وقت بدأت فيه أصوات، حتى من بين المتظاهرين، تدعو إلى سحب التفويض الجماهيري الممنوح لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بسبب ما تعده مماطلة وتسويفا من قبله، فإن المكتب الإعلامي للعبادي، وعلى لسان المتحدث باسمه سعد الحديثي، يرى أن «من الصعب إصلاح ما تراكم طوال 12 عامًا في شهر واحد».
المظاهرات التي انطلقت عفوية طوال الأسابيع الثلاثة الأولى بدأت تتراوح بين زيادة الزخم الجماهيري لها بدخول بعض القوى والأطراف، مثل التيار الصدري أو الحشد المدني الذي هو الوجه الآخر للحشد الشعبي المكوّن في غالبيته من الفصائل الشيعية المسلحة، أو النقص الواضح في أعداد المتظاهرين، لا سيما في بغداد، خصوصا بعد دخول جهات سياسية على خط المظاهرات بطريقة تبدو مختلفة هذه المرة.
وطبقًا لأحد الناشطين المدنيين الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، فإن «ما بات يلاحظ هو رفع كميات كبيرة من الصور التي تخص شخصيات سياسية بطريقة مشوهة سواء من حيث التركيز على صورة سلبية لهذا المسؤول أو ذاك أو التعليق عليها بكلمات قاسية أحيانا». ويضيف هذا الناشط المدني، الذي هو قريب من عالم المطابع التي تتولى طبع صور المسؤولين، أن «خصوم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومن داخل التحالف الوطني الشيعي تحديدا طلبوا قبل مدة من إحدى المطابع طبع نحو مائة ألف صورة له تظهره بطريقة سلبية وهو ما يفعله في الوقت نفسه مؤيدو المالكي ضد خصوم آخرين، بحيث تحولت المظاهرات إلى تجارة من نوع آخر»، موضحا أنه «حتى عمليات الضرب بالأحذية أو القيام بتمزيق الصور كثيرًا ما يجري الإعداد لها مسبقا بالاتفاق مع وسائل الإعلام حتى تأخذ مداها الجماهيري بهدف خلق رأي عام ضد هذه الشخصية أو ذلك الحزب أو الكتلة».
وردا على سؤال عما إذا كان ذلك يمثل اعتداء أو تشويها مقصودا لشخصيات نزيهة، قال الناشط المدني إن «كل الطبقة السياسية والأحزاب الدينية ضالعة في عمليات الفساد الكبرى في البلاد، ولكن ما أود قوله هنا إن هذه الممارسات بهذه الطريقة هي ليست أسلوب المتظاهرين من خلال التيار المدني أو الجهات الأخرى غير المسيسة التي تريد للمظاهرات أن تمضي نحو أهدافها بطريقة عفوية، لكن أحزاب السلطة المتنافسة هي التي بدأت تعمل على تسقيط بعضها بعضا من خلال ساحات التظاهر». وإذا كان الضغط الجماهيري قد تراجع خلال الأسبوعين الأخيرين، وهو ما جعل الشخصيات والأحزاب والكتل المعنية بالفساد طوال الاثنتي عشرة سنة الماضية تتنفس الصعداء على أمل الرهان على فشل العبادي في إكمال ما بدأه لكي تبدأ بعدها مساعي الالتفاف على الإصلاحات، فإن ضغط المرجعية الدينية في النجف لا يزال مستمرا، وهو ما يعني أن العبادي لا يزال يملك أمام المواطن الشيعي الذي يتظاهر الآن في كل محافظاته الوسطى والجنوبية التفويض الذي يستطيع بموجبه المضي في حزمة الإصلاحات طبقًا لتوقيتاتها.
وفي هذا السياق، يوضح المتحدث الإعلامي باسم مكتب رئيس الوزراء لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل وآليات عملية الإصلاح قائلا إن «حزمة الإصلاحات التي أُعلنت خلال شهر أغسطس (آب) الماضي شملت محاور متعددة وفق ترتيب متفق عليه، ولم يكن اعتباطيًا، حيث تبدأ بالإصلاح الإداري ومن ثم المالي والاقتصادي ومحاربة الفساد وتقديم الخدمات، وبالتالي هناك أولويات لا بد من أخذها بعين الاعتبار، إذ كيف يمكن أن نقدم للمواطن الخدمات التي تأخرت عليه 12 عاما دون أن نقوم بإصلاح إداري واقتصادي ومكافحة الفساد؟». وأضاف الحديثي أن «كل ما أعلن من قرارات وأوامر وإجراءات إنما هو جزء من وثيقة الاتفاق السياسي التي حظيت بإجماع الكتل».
وردا على سؤال بشأن الحديث الحالي الآن عن الحاجة إلى غطاء شرعي لمثل هذه الإصلاحات وأن هناك نوعا من الانفراد من قبل العبادي، قال الحديثي إن «الغطاء الشرعي لهذه الإصلاحات تم من قبل البرلمان الذي عقد جلسة غير مسبوقة ولأول مرة بحضور 297 نائبًا لكي يصادقوا على حزمة الإصلاحات، وبالتالي فإنه إذا كان هناك غطاء غير شرعي، فهذه ليست مسؤولية العبادي وحده بل مسؤوليتهم جميعًا»، مضيفا أنه «في الجانب الإجرائي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هناك جهات وهناك مافيات فساد تضررت مصالحها ولا تزال تملك مواقع نفوذ، فهي تعمل على عرقلة الإصلاحات بكل ما أوتيت من قوة، لكنها في النهاية ستفشل لأن الآليات المتبعة لا بد أن تطالها في النهاية مهما حاولت».
علي صعيد آخر ذي صلة، فإنه من المؤمل أن يستضيف البرلمان العراقي رئيس الوزراء الذي كان اعتذر الأسبوع الماضي عن الحضور في آخر لحظة. وبينما تباينت الآراء بشأن عدم حضوره، فإنه وطبقًا لما يراه المراقبون السياسيون في العاصمة بغداد، فإن هناك جهات في البرلمان تسعى إلى إثارة ملفات قديمة على العبادي أيام وزارة مجلس الحكم التي تولى فيها وزارة الاتصالات، بينما تريد جهات أخرى إثارة تخطي العبادي للدستور في الكثير من خطوات الإصلاح.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».