محمية وادي الريان.. متعة السفاري في صحراء مصر

في رحلة البحث والاكتشاف

وادي الريان الواقع في الصحراء الغربية لمصر (رويترز)
وادي الريان الواقع في الصحراء الغربية لمصر (رويترز)
TT

محمية وادي الريان.. متعة السفاري في صحراء مصر

وادي الريان الواقع في الصحراء الغربية لمصر (رويترز)
وادي الريان الواقع في الصحراء الغربية لمصر (رويترز)

إذا ما كنت تبحث عن التأمل والاسترخاء داخل مصر، هربًا من زحمة المدينة وصخبها، الذي يفسد هدوءك النفسي وسلامك الداخلي، فعليك زيارة محمية وادي الريان، بمحافظة الفيوم (تبعد 150 كيلومترا عن العاصمة/ القاهرة)، إذ تشتهر شلالاتها وطبيعتها الصحراوية الهادئة التي تصلح لرحلات اليوم الواحد ونهاية الأسبوع وتصفية الروح بألوانها الهادئة التي تجمع بين ألوان الرمال ودرجات المياه الزرقاء.
فسياحة السفاري تشق الطريق بخطى سريعة في الآونة الأخيرة في مصر، وعلى الرغم من تصدر سياحة الآثار الفرعونية والمتاحف والسياحة الدينية، فإن سياحة السفاري والغوص في قلب الصحراء تلقى إقبالا كبيرا، إذ تتيح لك رحلة السفاري فرصة الاستمتاع بمجموعة واسعة من أشكال الجمال الصحراوي المختلفة إلى جانب مشاهد غروب الشمس الخلابة والسماوات المرصعة بالنجوم ليلاً.
وتشتهر مصر بأجمل التجارب السياحية، عبر الترحال والسفر في طبيعتها الملهمة، خصوصا في صحراء الواحات البحرية وسيناء، وكذلك حفاظها على كثير من المحميات الطبيعية، التي تضم مشاهد فريدة من نوعها، وبعض الآثار القديمة التي تزخر بها الواحات القديمة في صحراء مصر.
ومن ضمن تلك المحميات، محمية وادي الريان التي تتميز عن باقي الأماكن الصحراوية والطبيعية في مصر، بشلالاتها الساحرة، وتتكون المحمية من البحيرة العليا والبحيرة السفلى ومنطقة قارة جهنم، منطقة عيون الريان، منطقة جبل الريان (مناقير الريان)، وكذلك منطقة جبل المدورة، كما أن وادي الريان بها أول طريق مرصوف عرفته البشرية، بشمال بحيرة قارون، رصفه المصريون القدماء عن طريق نقل الأحجار السوداء التي كان يبني بها أرضية المعابد في الأهرامات.

* رحلات سفاري
وتنظم الشركات السياحية ومجموعات محبي السفاري والسفر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي («فيسبوك»- «تويتر»»، رحلات دائمة لزيارة المحمية، باستخدام سيارات الدفع الرباعي، التي تكون في العادة لمدة يوم واحد، والرجوع بعد مشاهدة لقطات خلابة من غروب الشمس وسط الطبيعية الساحرة، ولكن يميل كثيرون إلى الاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع أو لمدة أطول من يومين، لزيارة مناطق سياحية أكثر بمحافظة الفيوم. وتتجلى الأنشطة الرياضية والسياحية في منطقة الشلالات بالمحمية، التي تقع في المنطقة الواصلة بين البحيرتين.
وهناك وادي القصيمات، وهي منطقة عبارة عن ثلاثة شلالات طبيعية ينساب فيها الماء على ارتفاع أكثر من بين غابات من نبات البردي، وهي منطقة ذات جمال رائع ومناظر صافية باهرة وتزدهر فيها رياضة صيد الأسماك مع عدم الإضرار بالتوازن البيئي بالمنطقة، وكذلك رياضة الغوص، وبالطبع رياضة السباحة والقفز من أعلى الشلالات، إلى جانب الأنشطة الترفيهية والسياحية مثل ركوب الخيل والجمال وملاعب الغولف والتجديف التي تستقبل السائحين من جميع أنحاء العالم.

* عيون الريان
ومنطقة عيون الريان، التي تقع جنوب البحيرة السفلى بالمحمية، توصف بأنها منطقة ذات بيئة صحراوية متكاملة، وسميت بهذا الاسم لوجود بعض العيون الطبيعية الكبريتية بها، تتكون المنطقة من الكثبان الرملية الطويلة والكثيفة والمتحركة ويوجد بها أربع عيون طبيعية كبريتية متكاملة تصلح للسياحة العلاجية والترفيهية. وتعد منطقة عيون الريان منطقة غنية بالحياة النباتية من غابات النخيل والغردق وتنحصر بين ثلاثة جبال، كما يفضل الزائرون التمتع برياضة التزحلق على الرمال، فالصحراء المصرية بشكل عام تعد من أفضل مواقع للتزلج على الكثبان الرملية على مستوى العالم بأسره، لما تزخر به من كثبان رملية ناعمة وعميقة يصل ارتفاع بعضها إلى 140 مترا.
وترجع تسمية «وادي الريان» بهذا الاسم إلى قصة تاريخية، فهو نسبة إلى ملك يدعى الريان بن الوليد الذي عاش في المنطقة مع جيشه فترة يسقى ماء من العيون الطبيعية بالمنطقة، وقد اتفق البدو على هذه التسمية التي وجد أن لها أصولا مصرية قديمة كما وجد في بردية العالم جولنشيف، الذي أكد هذه المعلومة العالم جيكية. ويرى بعض الباحثين أن المنطقة كانت مسكونة في القرنين الأول والثاني وأن جزءا من الأرض كان مزروعا، ويتكون اسم وادي الريان من مقطعين لا يطابقان الواقع الحقيقي لأنه منخفض مغلق من جميع الجهات لا يعتبر واديا، ولأن كلمة الريان تعني المشبع بالماء بينما هو قفر لا مياه فيه، لذا يعتقد أن التسمية جاءت على سبيل الضد كما قال الدكتور جمال حمدان في كتابه «شخصية مصر».
وعلى الرغم من ذلك أصبح المكان حاليا من أهم الوجهات السياحية في مصر، التي تنظم إليه بجانب رحلات السفاري، رحلات السياحة العلاجية والثقافية، إذ يعتبر «وادي الحيتان» بالمحمية من أشهر مناطق الحفريات في مصر، وهو يقع في الشمال الغربي لمحمية وادي الريان، إذ يرجع عمره إلى نحو 40 مليون عام، وهذه الحفريات لهياكل متحجرة لحيتان بدائية وأسنان سمك القرش.
وفي الفترة الأخيرة تسعى مجموعات إلى الترويج لسياحة التأمل بالمحمية، لما لها من أجواء هادئة فاتنة، تصفي البال وتريح النفس وتدعو إلى الاسترخاء، وبشكل فردي تنظم بعض المجموعات رحلات التأمل في المحمية، تدعو إلى الحفاظ على الصحة العامة وممارسة تمارين التنفس لتحسين عمل الرئة والمعدة وكذلك طرد الطاقات السلبية.
وخلال زيارتك لوادي الريان، يمكنك زيارة جبل المدورة والصعود إلى قمته لتستكشف المنظر الرائع لظله الذي ينعكس على البحيرة السفلى في منظر طبيعي رائع، فالجبل عبارة عن هضبة عالية على شكل دائرة تقابلها بالطرف الآخر ثلاث هضاب قريبة الشبه بالأهرامات وينساب الماء بينها على شكل لسان من البحيرة، ويوجد أسفل الجبل شاطئ طوله نحو 500 متر، يظله الجبل بظله ويمكنك من خلاله رؤية المحمية والذهاب إلى البحيرة المسحورة، وتلك اللقطات الطبيعية الغنية بالتفاصيل، تجذب محبي التصوير الفوتوغرافي، ومع انتشار ظاهرة التصوير الفوتوغرافي في مصر، في الآونة الأخيرة، وما تنظمه بعض المجموعات من رحلات للتتبع بشغف جمال التكوينات الرملية وسحر انعكاس الصور والألوان على البحيرة وما حولها، ستجد نفسك تستمتع بالتقاط الصورة التذكارية التي تخلد لزيارتك.

* أين تسكن؟
وإذا ما رغبت في المبيت وقضاء إجازتك الأسبوعية بالفيوم، فيمكنك الاستمتاع بفندق هلنان أوبرج الفيوم، ذي الخمس نجوم، الذي يطل على بحيرة قارون الساحرة، ويحمل بين طيات ردهته حكايات المشاهير والملوك إذ تم بناؤه عام 1937، وكان مقصدا لرحلات الصيد الخاصة بالملك فاروق، التي كان يحرص عليها كل عام لصيد البط، وما زال الفندق يحافظ على طابعه الأنيق، بغرفه الملكية الفاخرة، كما يوفر لك الفندق أجواء أنيقة ومجموعة كبيرة من الأنشطة التي تستطيع أن تمارسها خلال عطلاتك، بجانب التمتع بالريف البكر والتنزه على طول الشاطئ الرملي الذهبي، ويمكنك ممارسة رياضة ركوب الأمواج، وكذلك ركوب القوارب الشراعية، وصيد الأسماك من البحيرة.
وتستطيع أن تحصل على جلسات من الاسترخاء حول حوض السباحة الخاص بالفندق. وهناك أيضا فندق أوازيز ريزورت الفيوم، يقع بالقرب من بحيرة قارون ويحتوي على مسبح في الهواء الطلق ومطعم فاخر يقدم أشهر الأطباق العالمية، ويقدم مكتب استقبال خدماته على مدار 24 ساعة في اليوم.
أما إذ كنت من محبي المعسكرات والتخييم، فسوف تجد متعتك في الاستمتاع بـ«مخيم كايتس» الذي يوفر خدماته على مدار 24 ساعة، ويطل على البحيرة وعلى الجانب الآخر الجبال الرائعة التكوين، التي توفر لك ولأصدقائك متعة الاستمتاع بسحر الطبيعة، خصوصا في الليالي القمرية، حين ينير ضوء القمر سماء الفيوم، وتقضي ليلتك وفوقك غطاء من النجوم المتألقة الصغيرة، ونهارا يوفر المخيم خدمات الأنشطة البحرية مثل التجديف، وكذلك خوض تجربة القفز بالمنطاد، وفي المساء يوفر المخيم سهرات بدوية، على نغمات الأغاني البدوية الأصيلة، تلك التي تنقلك إلى عالم الصحراء والتجرد من أعباء المدينة الصاخبة، وكذلك حفلات الشواء على الحطب، وتنازل ما لذ وطاب من الأطباق البدوية الشهرية، ولا تنسَ أن تجرب احتساء الشاي على الحطب الساخن، فالصحراء البدوية لها مذاق خاص.
وقد يصادف خلال زيارتك لمحافظة الفيوم مشاهدتك لبعض الاحتفالات والمهرجانات التي تقيمها وزارتا السياحة والثقافة المصرية، مثل مهرجان «روح» للموسيقى الصوفية الذي تشارك فيه عدة دول، منها فرق من دول إسبانيا وفرنسا والسودان والمغرب وتونس إضافة إلى مصر، وورش لتعليم اليوغا والتأمل والإنشاد الديني وكذلك صناعات الفخار والمشغولات اليدوية، كما يصاحب المهرجان تنظيم مسابقات لركوب الخيل والجمال ومراقبة الطبيعة، كما يقام في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سباق «رالي المصريين» لسيارات الدفع الرباعي والدراجات البخارية الصحراوية الذي يقاوم في صحراء محمية وادي الريان.
بشكل خاص، توفر لك زيارة المحمية قدرًا من الاسترخاء وشحنا جديدا للطاقة الإيجابية التي سوف تجدد مرة أخرى قدرتك على تحمل أعباء العمل والمسؤوليات.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».