مطعم الأسبوع: «مام آند آي».. استراحة بيروتية من وحي مطبخ الأم

أطباق لبنانية في أجواء {بيتوتية} راقية تحرك فيك الحنين إلى «ست الدنيا»

ديكور بسيط ومريح، خدمة مميزة تشعرك كأنك في المنزل، طبق الصيادية (سمك مع أرز)
ديكور بسيط ومريح، خدمة مميزة تشعرك كأنك في المنزل، طبق الصيادية (سمك مع أرز)
TT

مطعم الأسبوع: «مام آند آي».. استراحة بيروتية من وحي مطبخ الأم

ديكور بسيط ومريح، خدمة مميزة تشعرك كأنك في المنزل، طبق الصيادية (سمك مع أرز)
ديكور بسيط ومريح، خدمة مميزة تشعرك كأنك في المنزل، طبق الصيادية (سمك مع أرز)

«مام آند آي» «Mom&I» الواقع في قلب بيروت وبالتحديد في منطقة بدارو، ويعني: «أمي وأنا»، أصبح اليوم عنوانا معروفا في لبنان للأطباق اللبنانية الأصيلة التي يقدّمها، فقد أصرّت صاحبته ومؤسسته ساميا مسعود أن تشكّل وحدها لائحة طعامه العادية، أو تلك الخاصة بالطبق اليومي الذي صار بمثابة عادة لدى زبائنه يدمنون عليها أسبوعيا. والأهم في الموضوع هو ذلك الشعور الذي ينتابك عندما تغرف منها في صحنك البورسليني الأبيض، وأنت تتذوّق طبق «الصيادية» مثلا أو «المجدرة» و«المغربية» و«كبّة أرنبية» والكبيس (المخللّ) اللفت، فيساورك حينها إحساس غريب وكأن لمسة حنان سوريالية غمرتك بها والدتك من بعيد، ولو كانت تفصلك عنها المسافات أو دنيا الحقّ. وعندما تطلّ برأسك على الواجهة الزجاجية، التي تفصل بين مطبخه المفتوح أمام أعين الزبائن وصالة الطعام الموزّعة فيها الطاولات الخشبية بحميمية، ستكتشف تلقائيا أسباب هذا الشعور الذي سرى فيك دون أن تستطيع تفسيره.
هو مطبخ صغير لا تتعدّى مساحته 30 مترا مربعا، إلا أن أوانيه الملمّعة وأرضه البيضاء النظيفة، والرفوف المعدنية لخزائنه المفتوحة أمام ناظريك تذكّرك بـ«النمليّة» في مطبخ جدّتك، التي تصطفّ عليها عشرات «المراطبين» الزجاجية، وهي تحتوي على أصناف من المونة اللبنانية كالفاصوليا والعدس والأرز والبرغل والزعتر البلديين، إضافة إلى شراب دبس الرمان وماء الورد والخلّ الأبيض وغيرها من مكوّنات الطعام اللبناني، عندها تعلم مباشرة أنك في حضرة مطبخ تديره ربّة منزل أنيقة في طريقة طبخها أو في أسلوب تطبيق مهنتها.
13 امرأة من الجنسيتين اللبنانية والفلبينية يعملن في مطبخ «Mom&I»، وهنّ يرتدين الأبيض من رأسهن حتى أخمص أقدامهن، ولا يخلعن أكفهن البلاستيكية من أيديهن إلا في حال تبديلها بين طبخة وأخرى.
«أشرف على كل شاردة وواردة في مطبخي الذي تزيّنه النساء فقط، لأنني أجد العنصر الأنثوي في المطبخ أهم من الذكوري السائد في معظم مطابخ المطاعم الأخرى» تقول ساميا مسعود في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
أي تفصيل في مطعم «Mom&I» سيشغلك بصورة عفوية ما إن يقع نظرك عليه. فما إن جلست ورلي ربيز (صديقة مشتركة للطرفين)، إلى واحدة من طاولاته المطلّة على شارع بدارو العريق، وعلى كرسيين خشبيين حوّلت ساميا مسعود قاعدتهما من القشّ إلى الجلد الطبيعي، حتى رحت أتأمّل ديكوره الهادئ والتقليدي والحميم في الوقت نفسه. فهنا مرآة كبيرة تتوسطّه وتسمح لك بمشاهدة أي حركة تدور على أرض المطعم أينما قعدت، وهناك على يمين مدخل المطعم «نملية» حديثة، وضعت عليها صاحبة المطعم شراب الورد والتوت وعصير الليمون المشهور بهما والسكريات التي تذكّرنا بطفولتنا. أما بعض أصناف الحلويات البيتوتية فتطالعك في خزانتها الزجاجية المبرّدة كالمغلي والأرز بالحليب ونقوع الفواكه اللذيذة الطازجة، وجميعها تحضّرها ساميا مسعود بنفسها. وعلى بعد سنتيمترات من «النملية» ثلاجة الدكان العادية، وتحتوي على المشروبات الغازية، التي بإمكانك الحصول عليها بنفسك أو انتظار النادل جورج ليعطيك إياها وفقا لطلبك.
«لم أكن أرغب في أن يمرّ الزبون الذي يقصد مطعمي، بحواجز وعقبات روتينية يلاقيها في أي مطعم آخر، ولذلك تمسّكت ببساطة الديكور، لا سيما أن مساحة المطعم لا تتجاوز 85 مترا. فكما يقول المثل اللبناني: (بيت الضيق يتسّع لألف صديق)، فما بالك لو كان هذا البيت يتميّز بجلسة حميمة تطلّ على شرفة (تيراس) واسعة في قلب بيروت؟ فيحتار الزبون فيما إذا كان موجودا في منزل والدته أو في دكان بلدته أو في مطعم راق من مطاعم بيروت الشهيرة». هذه الخلطة المعتمدة قلبا وقالبا في «Mom&I» بين أدوات المطعم التقليدية والحديثة معا، ترخي بظلالها على جلستك فيه، فتشعر كأنك مسمّر على كرسيه لا تستطيع مغادرته.
اعتمدت ساميا مسعود طريقتين فقط في لائحة الطعام لديها؛ واحدة منها ترتكز على لائحة دائمة تحتوي على 10 أصناف طعام تكون في متناول الزبون يوميا، وأخرى تتبدّل كل أسبوع وتتضمن 4 وجبات ساخنة لكلّ يوم؛ «كبّة بالصينية» و«كبّة باللبن» و«بامية بالزيت» و«مغربية» و«فتّة باذنجان» و«معكرونة بلحمة» و«محشي سلق قاطع» و«برغل ببندورة» و«السبانخ مع الأرز» و«الملوخية».. وغيرها من أطباقنا التقليدية تؤلّف لوائح الطعام الأسبوعية هذه في مطعم «Mom&I». أما سلطة «البندورة بالحرّ» و«فطاير الزعتر البلدي» و«التبولة» و«الحمص بالطحينة» و«البابا غنّوج» وغيرها فهي تؤلّف أطباق لائحة الطعام اليومية في المطعم.
يذكر أن الفطور والغداء، هما الوجبتان الوحيدتان اللتان تقدمان في المطعم لأنه يقفل في تمام السابعة مساء.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.