مئات العائلات العربية تصل إلى مناطق البيشمركة جنوب كركوك

{الشرق الأوسط} شهدت وصول بعضهم واستمعت إلى تجاربهم المريرة خلال عام من حكم التنظيم المتطرف

هاربون من قرى عربية خاضعة لـ«داعش» لدى وصولهم إلى مواقع البيشمركة جنوب كركوك أمس («الشرق الأوسط»)
هاربون من قرى عربية خاضعة لـ«داعش» لدى وصولهم إلى مواقع البيشمركة جنوب كركوك أمس («الشرق الأوسط»)
TT

مئات العائلات العربية تصل إلى مناطق البيشمركة جنوب كركوك

هاربون من قرى عربية خاضعة لـ«داعش» لدى وصولهم إلى مواقع البيشمركة جنوب كركوك أمس («الشرق الأوسط»)
هاربون من قرى عربية خاضعة لـ«داعش» لدى وصولهم إلى مواقع البيشمركة جنوب كركوك أمس («الشرق الأوسط»)

على طول خط التماس الفاصل بين جبهاتها وتنظيم داعش في القرى التابعة لقضاء داقوق (جنوب غربي كركوك)، تستقبل البيشمركة يوميا مئات العائلات العربية الهاربة من القرى الخاضعة للتنظيم في تلك المنطقة. «الشرق الأوسط» وصلت إلى الجبهات الأمامية للبيشمركة والتقت بعض تلك العائلات.
قائد شرطة داقوق العميد كاوه غريب قال: «بدأ أهالي القرى الواقعة في حدود قضاء داقوق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش بتسليم أنفسهم لقوات البيشمركة، ونحن بحسب توجيهات من المحافظة نستقبلهم ونقدم لهم الخدمات الكاملة من الأغذية والأدوية، ومن ثم ننقل الذين لا يملكون أي مكان للسكن داخل القضاء إلى المخيمات الخاصة بالنازحين في المحافظة، وستتم إعادتهم إلى مناطقهم بعد تحريرها من (داعش) وتطهيرها من العبوات الناسفة التي يفخخ بها التنظيم كل المناطق الخاضعة له»، مضيفا أن «أكثر من 800 عائلة وصلت إلى داقوق حتى الآن».
وكشف غريب أن قوات البيشمركة اعتقلت الليلة قبل الماضية: «اثنين من عناصر (داعش) البارزين تمكنا من التسلل مع العائلات النازحة إلى داخل داقوق مستغلين استقبالنا للنازحين من دون أي قيود». وتابع: «هذان العنصران كانا يمدان التنظيم بمعلومات استخباراتية، وفي الوقت ذاته أحدهما متورط في قتل ثلاثة من أفراد شرطة القضاء في عملية إرهابية عام 2006»، مؤكدا أن النازحين «سيخضعون للإجراءات الأمنية، لمعرفة ما إذا كان هناك متعاونون مع (داعش) ضمن صفوفهم».
وتوجه مراسل «الشرق الأوسط» في سيارة تابعة لقوات الشرطة إلى خط التماس بين البيشمركة وتنظيم داعش. وقال مقاتلون من البيشمركة إن هناك عائلات عربية هربت من «داعش» تقترب من الخط الأمامي لها، وبعد الوصول إلى المنطقة المحددة شوهدت سيارات تقل العشرات من النازحين يرفع بعضهم أعلاما بيضاء. وبعد مرور بضع دقائق بدأت هذه العائلات تتقدم باتجاه مواقع البيشمركة إلى أن وصلت إليها، ونزلت منها مجموعة من الرجال، فيما بقى النساء والأطفال داخل السيارات، والتعب والخوف كانا باديين على وجوههم فيما أجهش بعضهم بالبكاء. وسارع بأحد مقاتلي البيشمركة إلى الترحيب بهم وتقديم مياه الشرب لهم، إلى حين وصول أقاربهم لتسلمهم ومن ثم بدء الإجراءات الأمنية التدقيقية معهم من أجل التأكد من هوياتهم.
فهد سليمان، رجل تجاوز عمره السبعين عاما، كان يدخن سيجارة ويحمل محياه مأساة كبيرة جراء سيطرة «داعش» على مناطقهم لأكثر من عام. قال فهد: «عام كامل والتنظيم منع عنا كل شيء، فعقوبة التدخين أو تحليق اللحية أو عدم الالتزام بزي (داعش) الأفغاني هي القتل أو غرامة مالية قد تصل إلى عدة ملايين من الدنانير في أكثر الأحيان». وتابع سليمان: «التنظيم سلب أموالنا وماشيتنا، كانوا يأخذون أغنامنا رغما عنا، ومن يتكلم يواجه الموت، ويقولون لنا (أنتم عبيد في دولة الخلافة وعليكم تقديم كل ما تملكون من أملاككم لنا فنحن نصون كرامتكم)». وتابع «لم يتوقفوا عن هذا الحد، بل كانوا يهاجمون بيوتنا ويعتدون على نسائنا وفتياتنا، ويأخذونهن إلى جهة مجهولة، والكثير من بنات القرية تم سبيهن، ومسلحو التنظيم كانوا يعتدون على كل الفتيات النساء ما عدا الحوامل اللاتي نجين من تلك الأساليب اللاإنسانية، وكانوا يرغمون عائلات هذه القرى على أن يزوجوا بناتهم من مسلحيه الذين كان الكثيرون منهم من الأجانب، وحاولنا لمرات عديدة الهروب لكن دون جدوى، وبدأنا نخبئ فتياتنا ونساءنا عند السماع بشن التنظيم حملة لمداهمة المنازل، لكن هذه المرة تمكنا من الهرب بعد أن دفعنا مليون دينار عراقي عن كل عائلة لمسلحي (داعش) بعد أن جردونا من ماشيتنا وأملاكنا».
أنور حمود، شاب هرب مع عائلته من قرية الشبيكة، روى قصته قائلا: «نحن كنا محتجزين عند التنظيم. فقد منعنا على مدى أكثر من عام من الخروج من القرية، وحرمنا من كل شيء، ودمر حقولنا الزراعية، وكان مسلحو التنظيم يشنون بين الحين والآخر حملات دهم للبيوت، ويعتقلون الشباب، فأنا اعتقلوني لعد مرات وأخذوني إلى مقرهم للاستجواب، وكان هناك العديد من المسلحين الأجانب موجودين في القرية، وتعرضت إلى ضرب مبرح من قبلهم وساقوا أيضًا بعضنا إلى جبهات القتال، إلا أن الكثير منا كان يختبئ في البساتين لتفادي ذلك».
كما روت حليمة محمد، البالغة من العمر نحو 60 عاما، كيف هربت مع آخرين عبر طرق ووديان محفوفة بالعبوات الناسفة فقط للخلاص من تنظيم داعش. ومضت تقول: «(داعش) منعنا طوال هذه المدة من ترك القرية، وكان مسلحوه يطلقون النار على كل من يحاول الخروج من القرية، ويقولون لنا (أنتم تريدون الذهاب إلى أرض الكفر)، وقد أخذوا كل أغنامنا، والتنظيم وعدنا بتوفير الطعام والمياه الصالحة للشرب والخدمات لكنه لم يف بوعده». وتابعت «رحبنا بـ(داعش) في بادئ الأمر، لكن في ما بعد تبين لنا أنه تنظيم مجرم يريد خراب البلاد وإلحاق الأذية بنا»، مشيرة إلى أن التنظيم اعتقل ابنها، واستخدم الكهرباء في تعذيبه، واتهموه بالتعاون مع القوات الأمنية، وكسروا يديه ورجليه ومن ثم أطلقوا سراحه.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».