الاستعارة.. من أرسطو حتى مطلع الألفية الثالثة

الناقد الآيرلندي دونوه يتتبع تاريخها واستخداماتها

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

الاستعارة.. من أرسطو حتى مطلع الألفية الثالثة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

الاستعارة، مثل التشبيه والكناية والتشخيص، شكل مهم من أشكال التعبير المجازي، تجدها في مختلف الآداب منذ ملحمة جلجامش البابلية، وقصائد الحب في مصر القديمة، وملاحم هوميروس الإغريقية، حتى آخر قصيدة أو قصة أو مسرحية أو مقالة تدور بها عجلات المطابع في هذه اللحظة. وقد تحدث أرسطو عن الاستعارة في كتابيه «فن الشعر» و«البلاغة» (القرن الرابع قبل الميلاد).
وكلمة الاستعارة Metaphor في اللغات الأوروبية مشتقة من كلمة يونانية معناها «نقل من مكان إلى مكان»، فالاستعارة نقلة من المعنى الحرفي للكلمة إلى معنى مجازي. وهي جزء لا يتجزأ من كلامنا العادي، كقولنا مثلا إنه «يلتهم الكتب التهاما» أو «أحاطت به الهموم من كل جانب» أو «فرع من فروع البنك». ويفرق الناقد الإنجليزي أ.أ. ريتشاردز بين ما يدعوه «المضمون» أو «الفحوى» tenor وما يدعوه «أداة النقل» أو «الواسطة» vehicle. فحين نقول مثلا: «طريق الحياة» تكون كلمة «طريق» هي أداة النقل (أي المعنى المجازي) وتكون كلمة «الحياة» هي الفحوى (أي المعنى الحرفي).
وخلال العام الماضي (2014) صدر كتاب جديد من تأليف الناقد الآيرلندي دنيس دونوه عنوانه «الاستعارة» عن مطبعة جامعة هارفرد في 232 صفحة هو موضوع حديثنا هنا.
Denis Donoghue، Metaphor، Harvard University Press، 2014
يقول دونوه إننا حين نلتقي باستعارة مبتكرة فإنما نلتقي بشيء جديد يقيم روابط غير مألوفة بين الأشياء، ويضفي عليها حياة من لون مغاير. الاستعارة نوع من التنبؤ، بمعنى أنها تلفتنا إلى وجود قرابة بين ما هو متباعد، وتثير تداعيات جديدة في الذهن. إنها تسعى إلى تغيير العالم، وذلك بتغيير نظرتنا إليه.
والاستعارة تسمح لمن يستخدمها بأن يمارس أقصى حرية ممكنة في استخدام اللغة وتعفيه من الاقتصار على المعنى الإشاري أو الحرفي للكلمات. إن الاستعارات تتآمر مع العقل للاستمتاع بهذه الحرية. وهي احتفال بالحياة التخيلية نجده في مختلف الآداب: من ترانيم القديس توما الأكويني المنظومة باللغة اللاتينية، حتى قصائد الشاعر الأميركي ولاس ستيفنز في النصف الأول من القرن العشرين.
يتتبع دونوه تاريخ الاستعارة من أرسطو حتى مطلع الألفية الثالثة، طارحا أسئلة من نوع: أيمكن أن تموت الاستعارة؟ ما الذي يتولد عن مقارنة شيء بشيء آخر؟ أمن الحق أننا نقتات على أوجه الشبه والاختلاف بين الأشياء؟ ما وجه الاختلاف بين الاستعارة والتشبيه؟
ويورد دونوه في صدر كتابه تعريف أ.أ. ريتشاردز للاستعارة، كما ورد في كتاب هذا الأخير «النقد العملي: دراسة للحكم الأدبي» (1929): «الاستعارة نقلة وحمل للكلمة من استخدامها السوي (بمعنى المألوف) إلى استخدام جديد». من أمثلة ذلك قول بروتس في مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر»: «منذ شحذني كاسيوس، لأول مرة ضد قيصر وأنا لا أعرف النوم (الفصل الثاني)، المشهد الأول، الأبيات (41 - 42)». الاستعارة هنا تتمثل في كلمة «شحذني» بمعنى ألّبني على، أو هيج خواطري، أو أثار حفيظتي ضد قيصر. والكلمة توحي بشحذ سكين أو خنجر أو سيف أو منجل. وبدلا من أن يستخدم شكسبير كلمة تدل مباشرة على المعنى المراد استخدم هذه الصورة، مما يمهد لمصرع قيصر - فيما بعد - بخناجر كاسيوس وبروتوس وسائر المتآمرين عليه.
تتشابه الاستعارة مع التشبيه والكناية في هذا: إنها وثبة من شيء إلى شيء. فأنت تبدأ بذكر شيء ثم تنتقل منه - في أقل من ثانية - إلى شيء آخر. ويمكن أن تتولد الاستعارة من قلب تشبيه. قرب ختام مسرحية شكسبير «أنطوني وكليوباترا» يدخل أوكتافيوس قيصر ويبصر كليوباترا مقيدة ولكنه لا يصدق «تماما» أنها كذلك فيقول:
«لكنها تبدو كالنائمة،
كما لو كانت تريد أن تقتنص أنطوني آخر
في شراك فتنتها القوية».
«تبدو كالنائمة» هذا تشبيه، لكن بقية الأبيات تحوله إلى استعارة. إن الاستعارة انبثاق أو انبجاس للرغبة. وهي على وجه التحديد رغبة في تحوير الحياة بإعادة تفسيرها وإضفاء طابع مغاير عليها. إنها عتبات جديدة أو أبواب تفضي بنا إلى مناظر طبيعية لم يكن لنا عهد بها من قبل. ويورد دونوه آراء جورج لاكوف ومارك جونسون اللذين يعرفان الاستعارة في كتابهما المسمى «استعارات نحيا بها» (2003) بأنها «أن نفهم ونخبر نوعا من الأشياء في ضوء نوع آخر»، ويذهبان إلى أن «عمليات الفكر الإنساني استعارية إلى حد كبير». ومعنى هذا أن أغلب الكلمات التي نستخدمها في أحاديثنا اليومية كانت - في يوم من الأيام - استعارات جديدة حية ولكنها فقدت جدتها وصارت جزءا من الكلام المتداول، وإن ظلت محتفظة بشيء من شحنتها التعبيرية الأصلية.
عدّ أرسطو التمكن من الاستعارة أول دليل على عبقرية الشاعر. فالقدرة على الربط بين الأشياء ورؤية أوجه الشبه بينها - حتى لو لم تكن ظاهرة للعيان - هي الملكات البارزة التي يتمتع بها. إن الشاعر يحرك إمكانات جديدة، ويطلق العنان للغته كي تصل إلى أبعد آماد تقدر عليها.
ويرد دونوه على بعض النقاد المحدثين الذين اتخذوا موقفا «عدائيا» من الاستعارة، أو كانت لهم تحفظات على استخدامها. من هؤلاء النقاد الناقد الفرنسي جيرار جينيت الذي ارتأى أنه قد بولغ في تقدير قيمة الاستعارة وعدت - دون وجه حق، في رأيه - ملكة المجاز. وقد سعى جينيت (في تحليله لأعمال بروست وغيره) إلى إزاحتها إلى مكان الصدارة.
إن الاستعارة فعل من أفعال الذهن، مستقل إلى حد كبير عن العالم الخارجي، ولكنه ليس مستقلا «عنه تماما». ذلك أن الذهن في الأدب يمارس عمله على لغة بعينها ويحيا داخل القيود التي تفرضها اللغة. ويلاحظ دونوه أن بعض الكتاب - شعراء وروائيين وكتابا مسرحيين - يميلون إلى تجنب الاستعارة في كتاباتهم. من أمثلة هؤلاء الكتاب صمويل بكيت، لكنه - رغم ذلك - لا يستطيع الاستغناء عن استخدام الاستعارة في مسرحياته ورواياته وقصائده.
وينتهي دونوه إلى أن الدافع إلى الاستعارة هو الرغبة في الفرار من قيود الواقع ومن إلحاح الموضوعات والأشياء والوجود علينا، وذلك بإحلال نوع جديد من الخطاب المجازي محل الاستخدام الإشاري للكلمة.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.