جبران خليل جبران يلقي التحية على لبنان من «بيت الدين»

معرض لأعماله الفنية الأصلية ونصوص مكتوبة بخط يده

لوحة {اربعة وجوه} لجبران رسمت عام 1925  -  جبران بريشته
لوحة {اربعة وجوه} لجبران رسمت عام 1925 - جبران بريشته
TT

جبران خليل جبران يلقي التحية على لبنان من «بيت الدين»

لوحة {اربعة وجوه} لجبران رسمت عام 1925  -  جبران بريشته
لوحة {اربعة وجوه} لجبران رسمت عام 1925 - جبران بريشته

لغاية الخامس من سبتمبر (أيلول)، أي موعد الحفل الأخير لـ«مهرجانات بيت الدين»، الذي ستغني خلاله الفنانة المصرية ريهام عبد الحكيم، أغنيات أم كلثوم، يبقى جبران خليل جبران، ضيف القصر الشهابي التاريخي، ومعبرًا محببًا للجمهور العريض، قبل وصوله إلى المدرجات.
فقبل موعد كل حفل بما يقارب النصف ساعة، يطلب صوت نسائي جميل، من الحضور الكريم الدخول إلى باحة القصر كي يتسنى له مشاهدة معرض لوحات جبران خليل جبران، التي احتلت منذ يونيو (حزيران) الماضي إحدى القاعات الجميلة في هذا المبنى التاريخي الذي يعود إلى القرن السابع عشر.
ويحرص منظمو المهرجان سنويًا، على استضافة معرض يتزامن مع الحفلات، رغبة في جعل الحضور قادرين على ضرب عصفورين بحجر واحد. وهذه السنة، للمعروضات قيمة استثنائية، خاصة وأنها تعود إلى أحد الأدباء اللبنانيين الأكثر عالمية وشهرة، وهي بنسخها الأصلية ومستعارة بشكل مؤقت، من «متحف جبران خليل جبران» في بلدة بشري. وإذا كانت بعض المعروضات هي مما تسنى للمهتم مشاهدة صوره على الإنترنت أو في الكتب فإن البعض الآخر يستحق متعة المعاينة، وخصوصا المخطوطات. فقد خصص صندوق عرض زجاجي لعدد من المخطوطات التي كتبها جبران بيده، بعضها باللغة الإنجليزية، والآخر بالعربية. خيار موفق لمنظمي المعرض، فمن بين الدفاتر المعروضة ما كتب على إحدى صفحاته الأديب بالإنجليزية والعربية معًا وقد ازدانت برسوم عفوية لوجوه وأشخاص وخطوط مبهمة في بعض الأحيان. أسلوب جبران في الرسم متفرد لا يمكن أن تخطئه عين. بعض الصفحات من المخطوطات المعروضة كتب عليها في كل الاتجاهات، بالطول والعرض. هنا يكتب جبران اسمه، وهناك يلصق ورقة صغيرة للذكرى، أو يشطب جملة سجلها، مما يعطي فكرة عن العفوية في تسجيل الأفكار التي كان يلجأ إليها. رغم قلة عدد المخطوطات إلا أنها انتقيت بعناية لتبدو معبرة عن الطريقة التي كان يكتب بها جبران، ومن بديع ما يمكن أن ترى، في هذا المعرض، صفحة واضحة جدًا، لمقالة «لكم فكرتكم ولي فكرتي». بالإمكان معاينة ما شطب، وكيف استبدلت بعض الكلمات، وأضيفت أخرى أو حذفت غيرها. وكيف أن جبران كان يلجأ هو نفسه إلى فصل المقاطع عن بعضها البعض، مرتبًا إياها، عائدًا إلى أول السطر، كلما شعر أنه سافر إلى فكرة جديدة.
إنها من المرات القليلة التي تغادر فيها مجموعة ثمينة إلى هذا الحد متحف جبران، في مسقط رأسه بشري، لتعرض في مكان آخر من لبنان، وهي فرصة للسياح الذين لا يستطيعون الوصول إلى المتحف لرؤية هذه الكنوز الفنية دون تكبد عناء الوصول إلى شمال لبنان،
إضافة إلى البورتريهات المعروفة التي رسمها جبران لنفسه، ثمة رسائل بخط يده، ورسومات أخرى زيتية وغيرها بقلم الرصاص.
هناك الطبيعة الجبلية التي استوحاها من بلدته الخلابة بشري، والتي من وديانها وجبالها الشاهقة الخضراء، قريبا من الأرز، قرأ الحكمة ومسارات البشر. من بين اللوحات نرى «الأم في الطبيعة» التي ترفع رأسها إلى السماء مناجية الغيب، و«الرجل وسيمفونية الطبيعة» لذاك الشخص الممدد جسده في الخلاء، وبورتريه رسمه لنفسه عام 1980، يبدو فيه وجهه والظل وكأنما هو أكثر من شخص في وقت واحد، وبورتريه رسمه لوجه ميخائيل نعيمة كتب عليه بخط يده: «مهداة إلى ميخائيل تذكارا في يوم مولده سنة 1922» اللوحات كثيرة منها زيتية «الرجل في البحث عن الوجود» التي تظهر فيها شخوص جبران الأثيرية وكأنها تهيم في سديم رافعة رؤوسها إلى الفضاء، و«الوجود الخالد» التي تقبل فيها امرأة شخصا على جبينه من الصعب أن نعرف أي نوع من الحب يربط بينهما، هل هو ابن أم زوج أم رفيقة. إنها المحبة التي كتب عنها جبران كثيرًا، ووحدة الوجود الذي طالما أراده نهجًا.
بمقدور زوار المعرض أن يستمتعوا بفيلم قصير لميلاد طوق أنتجته «لجنة جبران خليل جبران الوطنية»، إذا ما أتيح لهم الوقت، وهو عن حياة الكاتب وفكره، كما بمقدورهم متابعة جانب من فيلم «النبي» الرائع، الذي أنتجته الفنانة الهوليودية سلمى حايك، وأطلقت عرضه الأول من لبنان منذ عدة أشهر.
ولا ينتهي الأمر هنا مع جبران، فقد خصصت صالة أخرى، لصور مزيد من اللوحات، إضافة إلى فاترينات عرضت فيها طبعات كتب جبران بلغات العالم، وبمقدورك أن ترى طبعات قديمة ونادرة لكتب له بالصينية واليابانية والإسبانية، والإيطالية وغيرها.
لم ينل كاتب عربي لا شهرة جبران ولا عالميته. هذا الانتشار الكبير لكاتب لبناني، لا يزال متواضع التقدير في المنطقة. معرض جبران في بيت الدين الذي مكّن آلاف الزوار من التعرف بعمق أكبر إلى نتاجاته الفنية، مجرد مساهمة في جهد يجب أن يبذل، كي يعطى جبران جزءًا من حقه الذي يستحق بين قومه. وإن أردت أن تحتفظ من هذا المعرض بذكرى في منزلك فثمة من يستطيع أن يزودك بكتيب جميل جدًا فيه لوحات المعرض وشروحات عنها يحمل عنوان «جبران.. تحية إلى الوطن الأم»، وقد تشتري لوحة زيتية مؤطرة بشكل فني تعلقها على أحد جدران بيتك، كي تبقى ذكرى هذا المعرض حية في مخيلتك.



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.