العدد المتنامي من الأفلام التي لم تعرض سابقًا، والمتوجهة إلى مهرجان تورنتو السينمائي لهذه الغاية بالذات، يؤكد الاختيار المتاح أمام شركات الإنتاج وصانعي الأفلام للابتعاد عن المهرجان التقليدي، المتمثّل بعدد ضخم من المهرجانات الصغيرة والكبيرة، واعتماد المهرجان غير التقليدي، ذاك الذي يرمز إليه مهرجان تورنتو الواقع ما بين العاشر والعشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل.
المناسبة الأربعون من هذا المهرجان الدولي الكبير يحفل بأفلام لا يُشبع منها: أكثر من عشرة أفلام بحفلات افتتاح خاصة «غالا» وأكثر من ثلاثين فيلما آخر ضمن تظاهرة «تقديم خاص»، ثم ما وصلت إليه ذراعا المهرجان الطويلة من أفلام أخرى بعضها مرّ على شاشات برلين ولوكارنو وكان وقسم منها سيشاهد على شاشة مهرجان فينسيا، إلى جانب أفلام أخرى أرسلت خصيصًا لكي تعرض في تورنتو ولم يسبق لها العرض في مكان آخر من قبل.
منصّة أولى
لسنوات خلت كانت الفئة التي سبق عرضها في المهرجانات الأخرى هي الغالبة وكان ذلك يتم بقصد منح المشاهدين (غالبه من الجمهور العام) فرصة مشاهدة ما تم عرضه في المهرجانات الدولية الأخرى. الفرصة كانت ثمينة إذ توفر للمشاهد أن يرى الأعمال التي سمع عنها والتي لم يكن ليستطيع أن يسافر من أجلها من مكان إلى آخر.
المفهوم الذي نجح في «تورنتو» أكثر من نجاحه في أي مهرجان آخر انضوى تحت اسم «مهرجان المهرجانات»، ففي حين أن مهرجان لندن السينمائي كان يحتوي على تظاهرة بهذا الاسم كذلك «القاهرة» و«طوكيو» من بين أخرى، إلا أن تورنتو كان المكان الأوسع لعرض كل شيء والمهرجان المخصص في صميمه من هذا النوع من البرمجة.
قبل خمس عشرة سنة تقريبًا بدأ التغيير بالوقوع. أخذ مهرجان تورنتو يضخ الأفلام التي لم يسبق عرضها من قبل في أي مكان، وباتت هذه الأفلام، بتدرج مريح، تصبح الشأن الغالب والسمة الأساسية لتورنتو. الآن لم يعد مناسبًا على الإطلاق، تسميته «بمهرجان المهرجانات» رغم أن برامجه لا تخلو من أفلام عرضت سابقًا، بل صار لزاما معاملته على أساس أنه مهرجان أول بكل تفاصيل الكلمة يحشد أفلاما جديدة من كل مكان وينافس المهرجانات الموازية الأخرى في الشمال الأميركي كما حول العالم.
الموقع الجديد يقترح، ومنذ بضعة أعوام، شكلاً جديدًا ومفهومًا مختلفًا لمهرجانات السينما. تورنتو، أكثر من أي موقع سينمائي تحت الشمس، هو الفرصة الأهم للإعلان عما سيتكرر ذكره والاستشهاد به من أفلام وتيارات سينمائية في الأشهر الفاصلة من الآن وحتى موعد الأوسكار في الشهر الثالث من العام المقبل.
إلى ذلك، هو المنصّة الأولى، حجمًا وأهمية، لإطلاق الأفلام كافة (أميركية وعالمية) صوب السوق الأميركية. مسألة باتت تفرض نفسها على الكثير من الشركات التي تتوخى من المهرجان الترويج لما قامت بإنتاجه، أو كما ذكر المنتج البريطاني ستيفن وولي عندما التقيناه في مهرجان بالم سبرينغز الأميركي في العاشر من يناير (كانون الثاني)، 2013: «أتفهم حاجة الكثير من منتجي اليوم اختيار مهرجان تورنتو عوض المهرجانات الأخرى. هو نوع من اختصار الطريق في الواقع. إذا لم يبع المنتج فيلمه في مهرجان أوروبي فإن فرصة بيعه لاحقًا ستكون ضئيلة جدًا، لذلك يزداد عدد المتجهين إلى تورنتو وهم على قناعة بأن فرص النجاح فيه هي أعلى من فرص نجاحه في برلين أو في كان على الرغم من وجود أسواق سينمائية نشطة وقوية فيهما».
مكارثية وسياسة خارجية
تحت هذا الغطاء، يزداد إذن اعتماد المنتجين على مهرجان تورنتو كشاشة أولى لعرض أفلامهم. من ناحية هو مهرجان فعلي ومن ناحية أخرى هو سوق بحد ذاتها. وبعد سنوات من الخجل، بات قيام المخرجين العرب بتقديم أفلامهم على شاشة تلك المدينة الجميلة مطروقًا أكثر من ذي قبل.
هذا العام على سبيل المثال نلحظ وجود حفنة من الأفلام العربية، على الأقل لناحية هوية مخرجيها، كما الحال مع فيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد الجديد «المحبوب» (The Idol) الذي يشهد عرضه العالمي الأول في تظاهرة «تقديم خاص» إلى جانب أفلام وفدت من الولايات المتحدة والنرويج وفرنسا والهند وآيرلندا وبريطانيا والمكسيك وكندا من بين كثيرة أخرى.
«المحبوب» هو سيرة ذاتية للمغني الفلسطيني الشاب محمد عسّاف عالجها المخرج الفلسطيني على نحو يشمل ما هو شبه خاص بما هو شبه عام من أوضاع وظروف واختار اللبنانية نادين لبكي لتقود البطولة النسائية.
من لبنان أيضًا تقوم المخرجة الفلسطينية مي المصري بعرض فيلمها الجديد «3000 ليلة» وهو أول فيلم روائي للسينمائية التي عرفت بأعمالها التسجيلية ذات الجوائز الكثيرة ولو كان معظمها من مهرجانات عربية.
وينتقل المنتج السعودي إبراهيم دشيشة والمنتج السوري أنور قوادري إلى هناك حيث سيشهد فيلمهما «ترنيمة مدينة» عرضه العالمي الأول هناك.
فيلم الافتتاح سيكون «هدم» (Demolition) حول رجل أعمال (جايك جيلنهال) يخسر زوجته ويكاد يخسر استقراره الاقتصادي على إثر ذلك مع ناوومي ووتس وكريس كوبر ومن إخراج جان - مارك فالي، نفسه الذي أخرج فيلم الجوائز «دالاس بايرز كلوب» قبل عامين.
جان - مارك هو كندي من كوبيك (مواليد 1963) كذلك دنيس فيللنيوف (المولود سنة 1967) الذي سيعرض في تظاهرة «تقديم خاص» فيلمه الأخير «سيكاريو» وهو ليس العرض العالمي الأول، بل العرض الشمال أميركي الأول بعدما كان شوهد في «كان» ضمن المسابقة ولم ينل منها أي جائزة.
الأفلام الأخرى المهمّة كثيرة منها «خطة ماغي» مع إيثان هوك في البطولة إخراج ربيكا ميلر و«أغنية المغيب» للبريطاني ترنس ديفيز، وفيلم المخرج الفرنسي المخضرم كلود ليلوش «واحد زائد واحدة» (تم تصوير جزء منه في الهند).
والسياسة لن تكون بعيدة عن كل هذا الحفل. أساسًا في الفيلمين العربيين «المحبوب» و«3000 ليلة» ما يكفي لكي يغرف منهما المشاهد ما يريد في هذا المجال، لكن بالإضافة إليهما هناك فيلم جاي روتش «ترامبو» الذي يدور حول كاتب السيناريو دالتون ترامبو الذي تعرض للمنع من العمل خلال الحقبة المكارثية في أواخر الأربعينات، ويقوم بدوره غير المعروف جيدًا برايان كرنستون بينما تلعب دايان لاين دور زوجته وتشترك هيلين ميرين في تمثيل شخصية صاحبة العمود الفني اليومي هيدا هوبر.
الأهم منه هو الفيلم الجديد لمايكل مور. هو المخرج التسجيلي المثير للشغب الذي تعرض لمواضيع سياسية أميركية داخلية وخارجية أثارت ضجيجًا على الجانبين الإيجابي والسلبي. فيلمه الأول من العام 2009 عندما حقق «رأسمالية: قصة حب» (اختاره لمهرجان فينيسيا آنذاك) بعنوان «أين سنغزو تاليًا؟» Where to Invade Next وذلك تعليق ساخر على سياسة الولايات المتحدة العسكرية الخارجية.