«اليونيسيف» تحذر من استخدام أطراف النزاع في سوريا للمياه كأداة عسكرية

5 ملايين شخص تأثروا من شُحّ المياه.. وفي حلب قتل 3 أطفال وهم يجلبون المياه

«اليونيسيف» تحذر من استخدام أطراف النزاع في سوريا للمياه كأداة عسكرية
TT

«اليونيسيف» تحذر من استخدام أطراف النزاع في سوريا للمياه كأداة عسكرية

«اليونيسيف» تحذر من استخدام أطراف النزاع في سوريا للمياه كأداة عسكرية

يعاني نحو 5 ملايين شخص يعيشون في مدن ومناطق مختلفة في سوريا من آثار قطع المياه عنهم بشكل متعمد ولفترات طويلة، خلال الأشهر الماضية. وقدرت منظمة اليونيسيف المعنية بأوضاع الأطفال في العالم، أن نحو 5 ملايين شخص يتأثرون من شُح المياه في حلب (2.3 مليون)، ودمشق (2.5 مليون) ودرعا (250,000) شخص. وان الأدلة تتزايد عن استخدام أطراف النزاع في سوريا للمياه كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، خصوصا في الحَر القائظ هذا الصيف.
في حلب (شمال سوريا)، شلّ الاقتتال عمل محطة ضخ المياه الرئيسية لعدة شهور، وقد رصدت اليونيسيف قطع المياه بشكل متعمد ثماني عشرة مرة خلال العام الحالي، إذ جفت حنفيات المياه في بعض المجتمعات على مدى 17 يومًا متتالية، ولأكثر من شهر كامل في بعض مناطق المدينة.
وتتكبد العائلات، وخصوصًا الأطفال، مهمة جلب المياه من نقاط جمع المياه والحنفيات العمومية في الشوارع. ويروي مهندس في اليونيسيف قصة فتاة صغيرة التقاها وهي تقف في الصف لساعات بانتظار أن تملأ أوعيتها الصغيرة بالماء، لتدرك بعدها أن الأوعية أصبحت أثقل من أن تحملها. ويقول: «ما كانت إلا أن انفجرت بالبكاء».
ويقول د. بيتير سلامة، مدير اليونيسيف الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «إن المياه النظيفة هي حق أساسي في سوريا كما في كل مكان، وإن حرمان المدنيين من الوصول إلى المياه هو انتهاك صارخ لقوانين الحرب ويجب أن يتوقف». هذا وقد باتت عملية جلب المياه بحد ذاتها خطيرة، إذ تسبب النزاع خلال الأسابيع الأخيرة بمقتل ثلاثة أطفال على الأقل وهم يجلبون المياه في حلب.
ويترتب على انقطاع المياه آثار أخرى، حيث تلجأ العائلات في دمشق ودرعا وحلب ومناطق أخرى من البلاد إلى المياه غير النظيفة من المصادر الجوفية غير المنظمة وغير المحمية، الأمر الذي يعرّض الأطفال بشكل خاص لخطر الإصابة بالإسهال والتيفود والتهاب الكبد والأمراض المعدية الأخرى. وفي الأسابيع الأخيرة ارتفعت أسعار المياه بشكل كبير بنحو 3000 في المائة، في وقت تجد فيه العائلات صعوبة في تغطية نفقاتها أكثر من أي وقت مضى.
ويلفت التقرير الصادر عن المنظمة الدولية، أمس، إلى أن أزمة المياه في سوريا تفاقمت مع استمرار النزاع، إذ انخفضت نسبة المياه المتوفرة إلى نصف ما كانت عليه قبل بداية الأزمة في عام 2011. ويخلف العنف والمواجهات أضرارًا جسيمة على الأنابيب وبنى المياه التحتية الأخرى، كما يواجه عمال البلدية في الكثير من الأحيان صعوبةً في القيام بعمليات الصيانة.
ومن جهة أخرى، يُصّعب الانقطاع المتكرر للكهرباء من مهام الفنيين والمهندسين ضخ المياه وتوصيلها إلى المدنيين، حيث تصل الكهرباء إلى بعض المناطق لساعة واحدة في اليوم فقط، وتنقطع في أماكن أخرى على طول أربعة أيام متواصلة بحسب التقارير، الأمر الذي يزيد من معاناة الملايين من العائلات النازحة التي تتشارك على كميات محدودة من المياه في المآوي الجماعية المكتظة.
ومما يزيد الأمر سوءًا، أن سوريا (مثلها مثل الكثير من دول المنطقة) تمر حاليًا بموجة حر هي الأشد منذ عقود، حيث تجاوزت درجات الحرارة في حلب 40 درجة مئوية في الأيام الأخيرة.
ودعت اليونيسيف أطراف النزاع كل إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتفادي المزيد من معاناة المدنيين في سوريا، من خلال الوقف الفوري لقطع المياه وكل الأعمال التي تُعطّل شبكات المياه العامة، وذلك تماشيا مع القانون الإنساني الدولي. كذلك وقف كل الهجمات على مرافق المياه ومحطات المعالجة والأنابيب والبنى التحتية. وحماية سلامة مهندسي المياه والعاملين الذين يقومون بتصليح منشآت المياه، كذلك، تفادي مهاجمة المدنيين على الحنفيات العمومية ونقاط جمع المياه.
وفي الوقت الذي تسعى فيه اليونيسيف إلى المساعدة في تقديم الخدمات على مستوى المياه، فإن المنظمة تعاني من فجوة في التمويل تصل إلى 40 مليون دولار أميركي لمتابعة عملها في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة العامة في سوريا. ويقول تقريرها الذي تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه عبر البريد الإلكتروني أمس، إنها تحتاج بشكل ملح لمبلغ 20 مليون دولار لتستجيب للاحتياجات في حلب وريف دمشق.
ويشمل دعم اليونيسيف لقطاع المياه في سوريا، نقل المياه بالشاحنات إلى نحو 500000 شخص، بمن فيهم 400000 في حلب إعادة تأهيل 94 بئرًا، وتزويد 470000 شخص بالمياه. توصيل 300000 لتر من الوقود لدعم التوزيع العام للمياه في حلب ودمشق وتوزيع لوازم النظافة الشخصية على أكثر من 660000 شخص.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.