كاد أكثر من 40 لاجئا سوريا معظمهم من الفلسطينيين الهاربين من جحيم الحرب في مخيم اليرموك بدمشق، يلقون حتفهم ملتحقين بمن سبقهم من ضحايا الهجرة غير الشرعية وهم يحاولون البحث عن مأوى لهم في بلاد أوروبا الواسعة بعدما انسدت أفق العيش أمامهم في لبنان.
فالرحلة التي كان يفترض أن توصلهم إلى «بر الأمان» كغيرهم ممن تمكنوا من اجتياز مخاطر عدّة، توقفت بهم في وسط البحر في منطقة أزمير التركية بسبب الحمولة الزائدة للقارب الذي كان ينقل أكثر من 40 شخصا بينما هو مخصص لنقل ما لا يزيد على 20 راكبا.
وكان انتشر خبر أول من أمس، مفاده أن 9 من اللاجئين غرقوا، مما أثار حالة من الذعر والخوف في صفوف عائلاتهم طوال يوم أول من أمس، قبل أن يعود أكثر من مصدر وينفي الخبر في غياب أي معلومات واضحة في الوقت عينه حول وضعهم. ولكن فتحي أبو العردات، أمين سر حركة فتح في لبنان، أكد أن كل اللاجئين الذين كانوا على متن القارب لا يزالون على قيد الحياة.
وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قام مسؤول لجنة النازحين في لبنان وبناء على تعليمات إلى التقصي عن الموضوع ونجح في التواصل مع بعض الناجين وأكدوا له أن الجميع بخير وقد نقلتهم فرق الإنقاذ وخفر السواحل التركية إلى المستشفيات». ولفت أبو العردات، نقلا عن أحد الناجين من آل حميد أنهم مروا بظروف صعبة لم يتوقعوا خلالها أنهم سينجون.
هذه الحادثة وإن كانت ليست الأولى من نوعها، فتحت الباب أمام رحلات الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من لبنان ولا سيما من طرابلس، كما بعض الدول المجاورة. وقد أكد كل من العردات ومدير المكتب الإعلامي للاجئين السوريين في لبنان صفوان الخطيب، وجود مافيات تعمل على خط الهجرة غير الشرعية من لبنان. وأوضح العردات أنّ «هذه المجموعات تأخذ من اللاجئين أموالا طائلة مقابل وعود بإيصالهم إلى أوروبا عبر البحر، نظرا إلى عدم قدرة هؤلاء على الحصول على أوراق ثبوتية ولا سيما جواز السفر الذي يحتاجونه للسفر جوا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا»، مشيرا إلى أن بعض الجهات الفلسطينية المسؤولة في لبنان تتعاون مع السلطات اللبنانية لملاحقة هؤلاء ضمن الحدود الممكنة، لكن يبدو واضحا أنها لا تزال تعمل بعيدا عن أي رادع.
وعزا العردات لجوء السوريين بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص الموجودين في لبنان إلى الهجرة غير الشرعية، لغياب أي جهة ترعاهم أو تقدم لهم المساعدات اللازمة في ظل عدم الاستقرار والأوضاع الاجتماعية القاهرة التي يعيشونها. بدوره أكد الخطيب في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن عشرات اللاجئين السوريين والفلسطينيين يقعون في فخ مافيات الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن تكلفة الرحلة من طرابلس، شمال لبنان، إلى تركيا تبلغ نحو ألف دولار بينما لا تزيد تذكرة السفر جوا على 300 دولار، وأوضح أنّ معظم الذين يختارون هذا الطريق هم من الشباب الذين لا يستطيعون الحصول أو تجديد جواز سفرهم، إضافة إلى صعوبة إجراءات الدخول والخروج من لبنان وانسداد كل الأفق في وجههم.
وشرح الخطيب أنّه غالبا ما يعمد عدد من الشباب إلى التنسيق فيما بينهم ومع أحد المهربين وهم في معظمهم من اللبنانيين، ويقررون السفر معا، بحيث تكون الوجهة الأولى إلى تركيا وتحديدا أزمير، ومنها إلى بلد أوروبي قد يكون اليونان أو هنغاريا أو ألمانيا والنمسا. وروى الخطيب أنه وقبل نحو 6 أشهر وقع صديقه ضحية هذه المافيات، وهو طبيب سوري كان قد لجأ إلى لبنان، وعمد إلى دفع مبلغ من المال طمعا بالهجرة فلم يجد نفسه إلا بين أيدي عناصر تابعين للنظام السوري في طرطوس حيث قتل هناك.
وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في التنسيق بين المهربين والساعين إلى الهجرة، ويستخدم اللاجئون وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، مجموعات على موقع «فيسبوك» تضم عشرات آلاف الأعضاء لمشاركة صورهم وتجاربهم، وللبحث أيضا عن أرقام المهربين، والخرائط للطريق بين تركيا واليونان ومنها إلى شمال أوروبا، وحتى لدراسة التكاليف.
وعلى موقع «فيسبوك» تتنوع المجموعات التي يستخدمها السوريون للبحث عن رحلات الهجرة، وهي أحيانا قاتلة، فهناك مثلا اللجوء والهجرة إلى أوروبا واللجوء في السويد، هولندا، النرويج، ألمانيا، بريطانيا، النمسا وسويسرا.
من بين الأكثر شهرة مجموعة تضم أكثر من 42 ألف عضو. وقال الكثير من السوريين في كوس للوكالة الفرنسية إنهم «استخدموا هذه الصفحة لتحديد خريطة طريقهم».
وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أعلنت في تقرير لها، أن 250 ألف مهاجر وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط منذ بداية العام الحالي، مشيرة إلى أن 36 في المائة منهم سوريون، حيث لقي ما لا يقل عن 3419 مهاجرا سوريا حتفهم في البحر المتوسط عام 2014 بعد أن حاول أكثر من 207 آلاف سوري عبوره منذ مطلع العام الحالي ما يمثل ارتفاعا كبيرا مقارنة بـ70 ألف مهاجر هربوا من البلاد عبر البحر في عام 2011.
وليس بعيدا عن رحلات الهجرة غير الشرعية والتي تكون وجهتها في معظم الأحيان إحدى دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال تتخبط فيما بينها لإيجاد حلول لهذه الأزمة، كانت قد أعلنت أول من أمس، وكالة فرونتكس الأوروبية المكلفة بمراقبة الحدود الخارجية لمجال شنغن، أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى حدود الاتحاد الأوروبي ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف في يوليو (تموز) بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي وبلغ 107 آلاف و500 شخص.
وقالت الوكالة إن «هذا الرقم يشكل ثالث رقم قياسي شهري على التوالي بعدما كان قد وصل إلى سبعين ألفا في يونيو (حزيران) الماضي».
وأضافت أنه في الأشهر السبعة الأولى من السنة بلغ عدد المهاجرين 340 ألفا مقابل 123 ألفا و500 في الفترة نفسها من 2015 مما يشكل ضغطا غير مسبوق على سلطات مراقبة الحدود في إيطاليا واليونان والمجر.
ويشكل السوريون والأفغان الجزء الأكبر من هؤلاء المهاجرين الذين يدخلون بطريقة غير شرعية إلى الاتحاد الأوروبي.
كذلك، هددت المجر الثلاثاء الماضي، آلاف اللاجئين بتوقيع عقوبة السجن عليهم لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أعوام بتهمة تخطي الحدود بشكل غير مشروع. وتعتبر المجر محطة عبور في طريق عشرات الآلاف من اللاجئين القادمين لأوروبا من سوريا وأفغانستان وأفريقيا.
لبنان: لاجئون سوريون وفلسطينيون ضحية مافيات الهجرة غير المشروعة من طرابلس
الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على جواز سفر تجعلهم عرضة للموت في البحر
لبنان: لاجئون سوريون وفلسطينيون ضحية مافيات الهجرة غير المشروعة من طرابلس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة