الحلّوم والعكّاوي والمشللة والشركسية والتركمانية والبلدية.. تعددت التسميات والنكهة رائعة

الأجبان في سوريا لا تزال تعتمد على الحرفية والتصنيع باليد

الحلّوم والعكّاوي والمشللة والشركسية والتركمانية والبلدية.. تعددت التسميات والنكهة رائعة
TT

الحلّوم والعكّاوي والمشللة والشركسية والتركمانية والبلدية.. تعددت التسميات والنكهة رائعة

الحلّوم والعكّاوي والمشللة والشركسية والتركمانية والبلدية.. تعددت التسميات والنكهة رائعة

«إنه أعظم ابتكار غذائي قدّم للبشرية في القرون الماضية»، يعلّق سامر صابوني الشاب العشريني بكثير من الدهشة وهو ينتظر دوره لشراء كيلو من جبنة (حلوم) ويرى عددًا من الأشخاص قبله يقفون في طابور طويل لشراء الجبن من أحد المحلات التي تحضرها وتبيعها في ساحة المرجة الدمشقية. ويبرر سامر رأيه في أن الجبنة مادة غذائية رائعة فعدا عن مذاقها اللذيذ فإن الإنسان يمكنه أن يتناولها مع الكثير من المواد الغذائية الأخرى ويمكنه تحضيرها بأشكال متعددة. ويقول سامر مبتسمًا: «كم هي لذيذة وجبة أو ساندويتش الجبنة مع المربيات أو في الفطائر مع زيت الزيتون والنعناع مثلاً».
وعلى الرغم من أن مصادر علمية أكدت مؤخرًا ومن خلال مكتشفات أثرية تحققت في أوروبا أن المزارعين كانوا يصنعون الجبن قبل 7500 سنة، فإن الكثير من شعوب العالم أخذت هذه الصناعة وقدّمت أشكالاً جديدة للجبنة بمذاقات لذيذة ومنها السوريون الذين عملوا على تصنيع عدّة أشكال منها في العقود الماضية من خلال ورش عائلية منزلية ومصانع حديثة انتشرت بشكل رئيسي في المناطق القريبة من البادية السورية، حيث توجد الأغنام كمدينتي حمص وحماه وفي ريف العاصمة دمشق كمدن دوما والمليحة وغيرها وفي منطقة حوران جنوب سوريا، حيث تنتشر تربية الأبقار وفي مناطق الساحل والمناطق الجبلية مكان وجود الماعز وقد لاقت انتشارًا واسعًا بين الناس بسبب جودتها الغذائية وتحضيرها المتقن واعتماد أكثر من مصدر للمادة الأولية أي الحليب بسبب تنوع الثروة الحيوانية في سوريا, حيث أتيح للمتذوق أن يختار ما يرغبه من الجبنة فهناك: جبنة الغنم أو جبنة الماعز أو جبنة البقر, كما أن هناك أنواعًا كثيرة تصنّع منها وهي: البلدية البيضاء، والحلّوم، والشلل الحموية، والشركسية، والقشقوان، والعكاوي، والتركمانية، وغيرها. ويشرح أبو ياسر الشيخ الذي يمتلك ورشة لتحضير وبيع الجبنة في دمشق طريقة تحضير جبنة الحلّوم قائلاً: نأتي بالحليب ونضعه في خزانات لها مجارٍ ويضاف له منفحة العجل بحيث يتم فصل المصل عن الجبنة والتي نسميها جبنة خضراء أي جاهزة للتصنيع حسبما نريد فإذا كنا نريد تحضيرها (حلّوم) أو (شلل) فالعمل يكون فيها يدويًا ويتم طبخها على نار هادئة وبدرجة حرارة نحو 75 درجة مئوية، أما القشقوان فالعمل في تحضيرها يكون آليًا، وفي حال الجبنة البلدية التي تحضّر عادة في ورش بالقرب من مناطق البادية فيتم تحضيرها خضراء ومباشرة من الحليب دون أن تمر بمراحل الحلّوم، حيث تضاف لها المنفحة وتنقّى عبر قماش بثقوب ناعمة (شاش) وتتم مراحل العمل فيها يدويًا أيضًا والفرق هنا بين البلدية والحلوم أن المستهلك عندما يشتري الجبنة البلدية عليه أن يقوم بغليها على نار لدرجة حرارة معينة ومن ثم تناولها، أما الحلوم والشلل فهي تباع مغلية, ولذلك وفي موسم الجبنة البلدية الذي يبدأ عادة في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) وحتى شهر يونيو (حزيران) من كل عام تقوم النساء في المنازل بغلي الجبنة البلدية وبكميات تتناسب وحاجات الأسرة كمونة وتعبأ الجبنة المغلية بعد تبريدها في برطمانات زجاجية مع الماء المالح أو في أكياس خاصة تحفظها في الثلاجة لتخرج الجبنة فيما بعد للتناول في فترات عدم وجودها طازجة (الطريف هنا أن هناك تقاليد خاصة لغلي الجبنة البلدية في المنزل بقصد تخزينها كمونة، حيث يطلق عليها جبنة مسنّرة - تشرحها عبير (45 عامًا) وهي سيدة منزل دمشقية. تقول عبير: نشتري الجبنة البلدية من مصدر موثوق ويفضل أن تكون محضرة في ورش منزلية وليس بمصانع صغيرة رغم أن الأولى أغلى سعرًا من الثانية ولكنها أفضل جودة ومذاقًا ونقوم فيما بعد بتقطيع أقراص الجبنة إلى قطع صغيرة ونغليها في قدر كبير وبمياه حلوة, وفي الوقت ذاته نغلي ماء مع ملح في قدر آخر وعادة نستخدم (بيضة) لمعرفة كمية الملح التي تناسب الماء، حيث نحرّك الملح مع الماء حتى يذوب تمامًا وتكون البيضة موجودة في قاع القدر فعندما تطفو على السطح فمعنى ذلك أن الملح ذاب تمامًا في الماء والذي نغليه لدرجة معينة ومن ثم نبرده مع تبريد الجبنة المغلية أيضًا والتي نضعها في مرطبانات زجاجية ونضيف لها الماء المملح ليحافظ عليها لأشهر كثيرة كمونة لفصلي الصيف والخريف. والطريف هنا أنه وأثناء غلي الجبنة تبقى قطع صغيرة جدًا من بقايا الجبن وهذه لا يمكن وضعها في البرطمانات ولذلك ترسلها السيدة عادة إلى فرن الحارة بقصد تحويلها إلى فطائر أو يقوم الأولاد بتناولها مباشرة وهي ساخنة حيث يؤكد كل من تذوقها بأنها ذات مذاق لذيذ جدًا. وفي عودة للمحضّر أبو ياسر يوضح شارحًا: رغم تشابه شكلي الجبنة البلدية والحلوم فإن هناك فروقات بينهما فإضافة إلى موضوع الغلي فإن هناك مقادير محددة بدقة لتصنيع الجبنة فلإنتاج كيلو جبنة حلوم نحتاج لعشرة كيلوغرامات من الحليب، بينما الجبنة البلدية نحتاج لخمسة كيلوغرامات فقط ولذلك سعر الأولى يكون ضعف سعر الثانية, وبالنسبة للجبنة الشلل فيتم تحضيرها يدويًا أيضًا من خلال مهارة الحرفي والذي يقوم بتحويل الحليب المطبوخ والمضاف له المنفحة إلى خيطان يلفها على بعضها البعض (تجديلها) بشكل كروي وبقطر نحو خمسة سنتيمترات وتعرض للبيع بهذا الشكل.
ولكن ما هي الجبنة الشركسية؟ يجيب أبو ياسر: هي أيضًا أحد أشكال الجبنة التي تحضّر في سوريا وقد يكون (الشركس) وهم كما معروف أصلهم من جبال القوقاز في روسيا الاتحادية، حيث هاجروا قبل أكثر من قرن وسكنوا بعض مناطق سوريا وأخذوا الجنسية السورية ومعروف عنهم أنهم مزارعون ممتازون وماهرون ولذلك قد يكونون هم من ابتكروا هذا النوع من أشكال الجبنة ونقلوها معهم إلى سوريا والتي تحضّر بشكل مختلف تمامًا عن الحلوم والشلل والبلدية, وتتم على الشكل التالي - كما يشرحها أبو ياسر - يُؤْتَى بالحليب ويُغْلَى على النار ويضاف لكل خمسة كيلوغرامات حليب كيلو من اللبن الحامض مع التحريك المستمر حتى تصل درجة الحرارة لستين درجة مئوية وهو يساعد على تقريشها (يقال باللهجة العامية فرط الحليب) وبعد انتهاء الغلي توضع على القماش الناعم الشاش وتصفى بمصافٍ خاصة للتخلص من الماء، حيث توضع في برادات وتكون جاهزة للتناول ومن أشهر مناطق تحضير الجبنة الشركسية في سوريا هناك قرية بئر عجم في محافظة القنيطرة جنوب دمشق، حيث يعمل سكانها على تحضيرها بشكل يدوي من خلال غلي الحليب مع إضافة خميرة تسمى محليًا (القندس)، حيث يتم بعد ذلك فصل الجبن عنه والذي يكون قد رَسَا في أسفل وعاء الغلي ويوضع الجبن في سلال صغيرة مشبكة للتصفية مع إضافة الملح ليوم واحد بعدها يوضع على لوح خشبي أو يدخن (يوضع في مدخنة) أو يجفف فوق مدفأة أو تحت أشعة الشمس ليحفظ فيما بعد كمونة ويؤكل مباشرة أو يضاف لأطعمة مختلفة أو يحوّل لفطائر لذيذة المذاق.
ولزيادة مذاق الجبنة لذة يعمل البعض من محضّريها على إضافة حبة السودا (البركة) على أقراص وقطع الجبنة، حيث تلقى إقبالاً لدى الكثير من المتذوقين، وخصوصًا لجبنة الحلوم والعكاوي والبلدية والمشللة.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».