بعد انتهاء ولاية بارزاني.. كردستان على مفترق طرق في غياب حل توافقي لأزمة الرئاسة

في حال عدم تمديدها.. عودة الإقليم إلى نظام الإدارتين واردة بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات

قوات من البشمركة أثناء مراسم احتفالية في أبريل الماضي وفي الإطار مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
قوات من البشمركة أثناء مراسم احتفالية في أبريل الماضي وفي الإطار مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
TT

بعد انتهاء ولاية بارزاني.. كردستان على مفترق طرق في غياب حل توافقي لأزمة الرئاسة

قوات من البشمركة أثناء مراسم احتفالية في أبريل الماضي وفي الإطار مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
قوات من البشمركة أثناء مراسم احتفالية في أبريل الماضي وفي الإطار مسعود بارزاني (أ.ف.ب)

مع انتهاء ولاية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني اليوم في غياب اتفاق على تمديد ولايته مثلما يريد حزبه الديمقراطي الكردستاني، يقف الإقليم على مفترق طرق أسوأها قد تعيده إلى نظام الإدارتين.
ورغم تأكيد الحزب الديمقراطي الكردستاني على أن أبوابه مفتوحة بالكامل أمام أي مباحثات لحل هذه الأزمة، وطرحه أول من أمس مشروع حل، فإن الأحزاب الأربعة المنافسة لحزب بارزاني، وهي الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، وحركة التغيير، والجماعة الإسلامية، وإلى حد ما الاتحاد الإسلامي، متمسكة بالمشاريع التي قدمتها لتعديل قانون رئاسة الإقليم في 23 يونيو (حزيران) الماضي وتصر على أن يختار البرلمان الرئيس بصلاحيات بروتوكولية، فيما يصر حزب بارزاني على انتخابه بالاقتراع الشعبي.
بدأت ولاية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الأولى عام 2005 بعد انتخابه داخل البرلمان. وأعيد انتخابه للولاية الثانية في عام 2009 عن طريق الانتخاب المباشر وحصل على 70 في المائة من الأصوات. وفي عام 2013 وقبيل انتهاء فترة ولايته الثانية، وبسبب عدم حصول توافق بين الحزبين الرئيسيين (حزبا بارزاني وطالباني) على طرح مشروع دستور جديد للإقليم للاستفتاء العام، وافق الاتحاد الوطني الكردستاني على تمديد ولاية بارزاني لمدة سنتين مقابل موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني على تعديل بعض المواد في مشروع الدستور. وبسبب ذلك لم تجر الانتخابات الرئاسية في عام 2013. وفي 13 يونيو الماضي طلب بارزاني في مرسوم رئاسي من المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم عملية انتخابات رئاسة الإقليم في 20 أغسطس (آب) الحالي، أي اليوم، لكن المفوضية أعلنت عدم استعدادها لإجراء هذه الانتخابات في الموعد المحدد لعدم توفر الإمكانية اللازمة والكوادر المطلوبة. وفي 23 يونيو تقدمت الأحزاب الأربعة آنفة الذكر، كل على حدة، بمشروعها لتعديل قانون رئاسة الإقليم إلى رئاسة البرلمان في جلسة قاطعها الحزب الديمقراطي الكردستاني صاحب أكبر كتلة برلمانية في الإقليم وكذلك نواب المكونات الدينية والعرقية.
لكن رغم مقاطعة حزب بارزاني، فإن الأحزاب الأربعة أجرت القراءة الأولى لهذه المشاريع بحضور لافت لممثل القنصلية الإيرانية الأمر الذي كشف عن مسعى إيراني لإزاحة بارزاني من منصبه حتى تفرض إيران هيمنتها الكاملة على إقليم كردستان العراق. ومنذ تلك الجلسة التي وصفت بالجلسة الانقلابية في الإقليم، بدأت مباحثات مكثفة بين الأطراف الكردية الرئيسة للتوصل إلى حل قبل انتهاء ولاية الرئيس اليوم.
أمام هذا الانسداد، تدخل مجلس الشورى في الإقليم، الذي يعود إليه القرار في كل المسائل الخلافية، ليقرر قبل يومين بقاء بارزاني في منصبه لعامين آخرين، إلا أن الأحزاب الأربعة ما زالت متمسكة بموقفها من تمرير مشروع تعديل قانون الرئاسة الأمر الذي يفاقم الوضع أكثر مما هو عليه الآن.
وفي هذا السياق، قال المستشار الإعلامي في مكتب رئيس الإقليم، كفاح محمود، لـ«الشرق الأوسط» إن «الخلاف حول رئاسة الإقليم ليس خلافا حول كرسي الحكم، بل هو على آلية انتخاب رئيس الإقليم، ففي الوقت الذي يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني ومجموعة من المؤيدين له انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، فإن حركة التغيير والاتحاد الوطني ومن معهما يريدون انتخابه في البرلمان، في حين أن هؤلاء أنفسهم اعترضوا في عام 2005 على انتخاب الرئيس في البرلمان، وبعد انتهاء ولايته الأولى طالب الرئيس بارزاني شخصيا بانتخابه من قبل الشعب بشكل مباشر، وكان هناك عدد من المرشحين المنافسين له، وفاز بنحو 70 في المائة من أصوات الناخبين، ثم مددت له الولاية بضرورات اتفق عليها الحزبان الرئيسيان، وطلب الرئيس في وقتها أن يكون التمديد لعام واحد لكي يستطيعوا إنجاز مشروع دستور الإقليم ليكون خارطة الطريق لانتخاب رئيس الإقليم، لكنهم لم ينجزوا الدستور». ويضيف: «الرئيس بارزاني ناضل لأكثر من أربعين عاما من أجل إيصال شعب كردستان إلى أهدافه، لذلك لا يجوز أن تفرض مجموعة معينة إرادتها على الآخرين خارج التوافق الذي اعتمد منذ عام 1992 في الإقليم عندما تخلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبارزاني شخصيا بصفته رئيسا للحزب، عن حقه في تشكيل الحكومة رغم أنه كان حزب الأغلبية ورضي بالتوافق على مشاركة الاتحاد الوطني». وتابع: «هم أردوا أن يخرجوا باجتماعهم في 23 يونيو الماضي في البرلمان عن مبدأ التوافق لذلك تسببوا في أزمة بالإقليم».
ويؤكد محمود أن «جميع زعماء الأحزاب السياسية، سواء الموجودة في الحكومة أو البرلمان، وكل زعماء المكونات الاجتماعية يدركون تماما أن مصالح كردستان العليا تكمن في استمرار الرئيس مسعود بارزاني في أداء مهامه، لأن البلاد تعيش الآن حربا ضروسا مع واحدة من أخطر المنظمات الإرهابية، والوضع الاقتصادي معقد بسبب قطع ميزانية الإقليم من قبل بغداد منذ 2014، وهناك أزمة سياسية خانقة في بغداد، فكل هذه الظروف غير الطبيعية تتطلب أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين إجراء الانتخابات العامة في الإقليم» عام 2017.
وتطالب الأحزاب الأربعة المنافسة لحزب بارزاني أيضا بتثبيت النظام البرلماني في إقليم كردستان بشكل كامل بحيث يتم فيه انتخاب الرئيس داخل البرلمان وتقليص بعض صلاحياته وجعلها بروتوكولية كرئيس الجمهورية العراقية.
الحزب الديمقراطي الكردستاني قدم، بدوره، مقترحه لهذه الأحزاب ويتضمن تمديد ولاية رئيس الإقليم حتى انتخابات الدورة الخامسة للبرلمان، ومن ثم تعديل قانون رئاسة إقليم كردستان وتعديل سلطات رئاسة إقليم كردستان خلال هذه الفترة أو بعدها، مؤكدا على أن كل المسائل قابلة للتفاوض وأن التوافق السياسي هو الطريق الأمثل لحل هذه الإشكاليات. لكن الاتحاد الوطني وحركة التغيير لا يزالان متمسكين بضرورة حل المسألة عن طريق البرلمان الذي كان مقررا أن يعقد أمس جلسة لكنها أجلت في اللحظات الأخيرة.
فريد أسسرد، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، لا يستبعد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «يعاد السيناريو اللبناني في الإقليم إذا لم تتوصل الأطراف السياسية إلى حل للأزمة، أي مثلما لم يستطع البرلمان اللبناني على مدى أكثر من عام انتخاب رئيس جديد للبنان». ويضيف: «هذه الأزمة قد تستمر في الإقليم، ومن المحتمل أن يكون هناك سيناريو (الرئيس المنتهية ولايته)»، محذرا من أنه «إذا لم تتوصل الأطراف السياسية إلى حل، فإن مؤسستين رئيسيتين في الإقليم ستتعطلان، إحداهما مؤسسة الرئاسة، والثانية هي مؤسسة البرلمان التي ستؤدي التفككات الموجودة فيه إلى إبعاده عن أداء واجبه، وتبقى الحكومة فقط، وأتوقع أن تنتقل هذه المشكلات إليها أيضا خلال هذه المرحلة». ويرى أسسرد أن «الإجراء الأمثل للخروج من هذه الأزمة إذا لم تتوصل الأطراف السياسية إلى الاتفاق، يكمن في إجراء انتخابات مبكرة».
وبسؤاله عن الدور الإيراني في إثارة هذه الأزمة في إقليم كردستان، شدد أسسرد: «ليس لإيران أي دور في هذه المسألة، فهذه مسألة داخلية تتعلق بقوانين إقليم كردستان». وتابع: «بحسب علمي، بعثت إيران بممثلين إلى الأطراف السياسية في الإقليم لبحث هذه المسألة، الأول عبر عن دور إيران المحايد من هذه المسألة، وتحدث عن أن هذه المسألة داخلية لا علاقة لإيران بها، لكن ممثل إيران الثاني الذي اجتمع مع الأطراف السياسية في الإقليم قبل مدة حث هذه الأطراف على تمديد ولاية بارزاني لعامين آخرين».
وعن التأثيرات الدولية والإقليمية على المباحثات الحالية في الإقليم بين الأطراف السياسية للتوصل إلى حل للأزمة، قال القيادي في الجماعة الإسلامية، شوان رابر، لـ«الشرق الأوسط» إن «أي دولة من الدول التي لها تأثير ويد في إقليم كردستان، تحاول الحفاظ على مصالحها وتنفيذ برامجها، لا سيما إيران وأميركا وتركيا، وهي تحاول عن طريق الأحزاب السياسية، خاصة عن طريق أحزاب السلطة، تنفيذ أجنداتها، وهي في الوقت نفسه مع بقاء كردستان على حالتها السابقة، وليسوا مع الفوضى والحالة الطارئة».
يذكر أن إقليم كردستان عانى لأعوام كثيرة من نظام الإدارتين الذي قسم الإقليم إلى قسمين، قسم خاضع للاتحاد الوطني الكردستاني وشمل محافظة السليمانية والمناطق الأخرى التابعة لها المحاذية لإيران، وقسم آخر خاضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني وشمل محافظتي أربيل ودهوك المحاذيتين لتركيا. وانتهى نظام الإدارتين في إقليم كردستان مع تشكيل الكابينة الخامسة لحكومة الإقليم عام 2005 برئاسة رئيس الحكومة الحالي، نيجيرفان بارزاني، واستطاعت هذه الحكومة أن تنقذ مواطني الإقليم من نظام الإدارتين وما رافقه من حروب داخلية شهدها الإقليم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في ما بين عامي 1992 و1998.
ورغم الأزمة الحالية، فإن رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم، أميد خوشناو، يرى أن الأوضاع في الإقليم ستكون على ما يرام حتى لو لم تصل الأطراف إلى حل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني نرى أننا إن لم نتوصل إلى أي نتيجة قبل الموعد المحدد لذلك، فإننا فيما بعد سنصل بالتأكيد إلى حل لهذه المسألة». وتابع: «الوضع سيكون على ما يرام، وسيواصل رئيس الإقليم أداء مهامه، ولن يستطيع رئيس البرلمان تولي رئاسة الإقليم حتى للحظة واحدة وذلك بحسب القانون رقم (واحد) من قانون رئاسة الإقليم لعام 2005 وبحسب مسودة دستور الإقليم، ونحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني نقف ضد كل محاولة لتقسيم الإقليم إلى إدارتين أو التفريق بين مواطني كردستان».
وأضاف خوشناو أن «آلية انتخاب الرئيس ومسألة الرئاسة مسألة مهمة، وهي من حقوق المواطنين، وليس من حق أي حزب أو مجموعة أحزاب إقرار ذلك، لذا نحن في (الديمقراطي الكردستاني) نرى أن الخروج من هذه الأزمة إما أن يكون بتوافق وطني، أو ترك ذلك للشعب ليكون هو الفيصل، وسنكون ملتزمين بأي قرار صادر من الشعب، لكن أي خطوة أخرى أو طريقة أو تصرف آخر في هذا الموضوع يوحي لنا بأن فرض الإرادة لن ينجح أبدا».
وعن موقف حركة التغيير و(الاتحاد الوطني) من المسألة، أوضح خوشناو: «حركة التغيير تتصرف في هذه المسألة بشكل غير مسؤول، لأنها تظن أنها تمتلك مؤيدين، لكن لو نظرنا إلى ذلك من كل الاتجاهات الدولية والإقليمية والشعبية، نرى أن هذا يثير انزعاجهم، فهناك أناس يبدون النصيحة للأطراف الكردية بضرورة توحيد الصف، لأنهم يشهدون حربا طاحنة ضد الإرهاب، لكن ما تقوم به حركة التغيير عبارة عن فرض إرادتها، وهي لن تنجح في ذلك أبدا. أما بالنسبة لـ(الاتحاد الوطني)، فهو يشهد حاليا جدلا ومناقشات حول هذه المسألة داخل صفوفه، لكنهم بصفتهم حزبا لم يخفوا أنهم يؤيدون آلية انتخاب الرئيس داخل البرلمان، ونحن في الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا لم نخف أننا نريد انتخاب الرئيس من قبل الشعب بشكل مباشر، ولتسوية هذا الخلاف أمامنا خياران؛ الأول التوصل إلى التوافق، والثاني أن يكون الشعب هو الحكم في تسوية الخلاف».
بدوره، نفى عضو غرفة العلاقات الدبلوماسية في حركة التغيير، شوان قليساني، فرض حركته إرادتها على الأطراف الأخرى، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لحركة التغيير طريقتان لحل المشكلة؛ الأولى عن طريق المشروع الذي قدمته الحركة مع مشاريع الأحزاب الثلاثة في البرلمان التي تمت القراءة الأولى له، هذا من الناحية القانونية، والطريقة الأخرى عن طريق التوافق الوطني، حيث تتواصل الاجتماعات على هذا الأساس بين الأطراف السياسية في الإقليم، ونحن نؤمن بالحوار، ونرحب بالتوصل إلى أي نتيجة لهذه المسألة في هذا الوقت للخروج من أزمة الرئاسة عبر أي طريقة من الطريقتين التي أشرت إليهما، وهاتان الطريقتان لا تمثلان أي فرض للرأي من قبل الحركة على الأطراف الأخرى».
في السياق ذاته، يؤكد مراقب سياسي كردي أن استمرار الاجتماعات التي يعقدها الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الأطراف الأخرى في الإقليم للتوصل إلى نتيجة يدل على اهتمام بارزاني وحزبه بأزمة الرئاسة في كردستان. وقال المراقب السياسي عبد الغني علي يحيى لـ«الشرق الأوسط» إن «الدعوة التي وجهها بارزاني في 16 أغسطس (آب) الحالي للأحزاب في الإقليم لعقد اجتماع للخروج من الأزمة كانت خطوة ذكية كونه خص الأحزاب التي تعد قائدة للبرلمان وتوجهه»، محذرا من أنه «في حال عدم توصل رئيس الإقليم إلى حل مع هذه الأحزاب، فإن العودة إلى نظام الإدارتين ستحصل تلقائيا، الأمر الذي يرفضه الجميع، وبالأخص بارزاني. لذا على الأحزاب الكردستانية الاستفادة من هذه الفرصة للعودة إلى نظام التوافق والعمل به لأن هذا النظام أفاد الإقليم كثيرا منذ عام 1992 وبفضله تمتع الإقليم بالأمن والاستقرار».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».