مؤتمر إسلامي بالقاهرة يحذر من «فتاوى العنف» ويبحث مواجهة الفكر المتطرف

أكثر من 50 عالمًا يطالبون بتشريع يقصر الإفتاء على المختصين وإنشاء مركز عالمي لتفنيد الفكر التكفيري

مفتي مصر شوقي ابراهيم عبد الكريم يلقي كلمته في المؤتمر الاسلامي بالقاهرة أمس (أ ف ب)
مفتي مصر شوقي ابراهيم عبد الكريم يلقي كلمته في المؤتمر الاسلامي بالقاهرة أمس (أ ف ب)
TT

مؤتمر إسلامي بالقاهرة يحذر من «فتاوى العنف» ويبحث مواجهة الفكر المتطرف

مفتي مصر شوقي ابراهيم عبد الكريم يلقي كلمته في المؤتمر الاسلامي بالقاهرة أمس (أ ف ب)
مفتي مصر شوقي ابراهيم عبد الكريم يلقي كلمته في المؤتمر الاسلامي بالقاهرة أمس (أ ف ب)

حذر مؤتمر إسلامي عالمي عقد بالقاهرة أمس، من خطورة الفتوى من دون علم.. ومن فتاوى العنف التي تدعو إلى تأجيج نيران الفتن بين أبناء الوطن الواحد. وأوصى المؤتمر بإقرار تشريع قانوني مصري يقصر الفتوى على علماء دار الإفتاء والأزهر من المتخصصين، وإنشاء مركز دولي لتحليل وتفكيك وتفنيد الفتاوى التكفيرية والشاذة خاصة في مجال العنف.
وشارك في المؤتمر 50 عالما ومفتيا من 30 دولة. وقال رئيس الحكومة المصرية، إبراهيم محلب في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه محافظ القاهرة جلال السعيد، إن «مصر تخوض حربا ضارية ضد فتاوى العنف وضد أشباه العلماء الذين يتجرأون على الفتوى بغير علم»، بينما شدد شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، على أن «الفتوى السليمة ترغب الناس في الالتزام بالشرع وصحيح الدين»، مشددا على أن التساهل في فتاوى التكفير يحلل الدماء المعصومة.
ويرى مراقبون أن «مؤتمر القاهرة محاولة من الدولة المصرية للرد على إرهاب جماعة الإخوان المسلمين وفتاوى التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتهم (داعش)»، بعد أن أصبحت الفتوى سلاحا مشرعا في تبرير العنف وإراقة دماء الأبرياء. وبدأت بأحد فنادق القاهرة أمس، فعاليات المؤتمر الدولي للإفتاء تحت عنوان «الفتوى إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل» الذي تعقده دار الإفتاء المصرية، ويدور حول خطورة «الفتوى من دون علم» على الدول والعلاقات بينها. وأقيم المؤتمر تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ويحضر فعالياته التي تستمر على مدار يومين، شيخ الأزهر، وعلماء من العالم العربي والإسلامي. ويبحث المؤتمر في مدونة لمواجهة الفكر المتطرف.
وقال السعيد، خلال مشاركته في المؤتمر، إن «البعض يتخذ الدين وسيلة لتحقيق مصالح سياسية.. ومصر تستمد قوتها من قوة المؤسسات الدينية بها، وإن دار الإفتاء استطاعت في توصيل الوجه السمح للإسلام في كل المحافل الدولية من خلال علاقتها بالدول الأخرى»، مضيفا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفتوى دون علم تؤدي إلى الفساد في الأرض». وتشهد مصر، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان التي أعلنتها السلطات «تنظيما إرهابيا»، فتاوى من أعضاء التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة تبيح التفجير والقتل وأعمال العنف والترويع المسلح.
وقالت مصادر في دار الإفتاء، إن «مفتي مصر الدكتور شوقي علام، سوف يطلق في نهاية أعمال المؤتمر مبادرة لإنشاء مركز عالمي لفتاوى الجاليات الإسلامية، وسوف يتم تدشينه بمشاركة مختلف دول العالم وبتأييد مطلق من مختلف المفتين من الدول الإسلامية، فضلا عن المطالبة بإقرار تشريع قانوني يقصر الفتوى على المتخصصين». وأكد شيخ الأزهر أن «عنوان مؤتمر الفتوى بالغ الدلالة على المشكلات التي تعاني منها الفتوى حاليا في العالم العربي»، مشيرا إلى أن بعض الذين يتجرءون على الفتوى الآن لا يكلفون أنفسهم في البحث عن أصل المعلومة التي يقدمونها.
وأضاف الطيب أن «التساهل في فتوى التكفير أدى إلى انتشار الإرهاب وحالات القتل واستباحة الدماء، وأن هناك بعض القضايا التي تشغل الناس على الرغم من أحكام الإسلام فيها واضح ولا يحتاج إلى نقاش على غرار تولي المرأة منصب القضاء وغيرها من المناصب».
وانتقد الطيب فتاوى تحريم التحف والتماثيل والتكسب من التصوير وتدمير آثار ذات قيمة فنية باسم الإسلام، قائلا: «بعض المعنيين بالإفتاء يصادرون بالتحريم المطلق، على الرغم من أن المحل محل بحث»، مضيفا أن تحريم صناعة التماثيل في صدر الإسلام معلل بما استقر عليه من أنها كانت تعبد من دون الله، وكان من المحتم تحريمها من باب سد الذرائع، لكن ما هي علة التحريم الآن بعد أن استقر الإسلام وتلاشت عبادة التماثيل مع التوحيد؟ إذ لم نسمع أن مسلما عكف على عبادة تمثال.
وكان تنظيم داعش قد أفتى مطلع مايو (أيار) الماضي، بهدم الآثار ومنع دراسة علومها باعتبارها تخالف القرآن الكريم، وسبق هذه الفتوى هدم التنظيم للآثار التاريخية في سوريا والعراق، وكان أشهرها هدم مدينة نمرود الآشورية. وتصف القاهرة فتوى «داعش» وأفعاله ضد التراث بـ«المنحرفة والشاذة». وأوضح الطيب أن الفتاوى المتشددة شغلت المسلمين عن أخذ مكانتهم بين الأمم، لافتا أنه لا تزال هناك فتاوى بنيت على أعراف انتهت، وأن الفترة القادمة لا بد أن ترتب فيه الأولويات لمجابهة الواقع وتحدياته حتى تؤسس لواقع صالح لكل مكان وزمان.
من جانبه، قال مفتي مصر: شوقي ابراهيم عبد الكريم «نأمل في أن يكون المؤتمر بداية موفقة في إعادة المرجعية الوسطية للفتوى، وتحقيق التعاون مع الجهات والهيئات والمؤسسات العلمية الدولية، التي تعمل في مجال الإفتاء لتوحيد الرؤى والجهود في هذا المجال، بهدف الاجتماع على كلمة سواء في أمر الفتوى»، موضحا أن ««هناك تحديات كبيرة يعيشها المسلمون في مختلف بلدان العالم، في ظل انتشار موجات التطرف والإرهاب التي تشوه ديننا الحنيف، وفي ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلام النبوي من سياقه، ويحملونه على المعاني والمحامل التي لا يحتملها اللفظ النبوي وفق قواعد الاستنباط الصحيحة، ويخلعون عليه ما وقر في نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده».
في غضون ذلك، من المقرر أن يوصي المؤتمر بإنشاء مركز عالمي لفتاوى الأقليات، بإنشاء مركز عالمي لفتاوى الجاليات المسلمة، وهو مركز بحثي يهتم بدراسات متخصصة في المسائل المستحدثة متعددة الأبعاد التي يحتاج الإفتاء فيها إلى معارف ومعلومات من مجالات علمية وبحثية متعددة. وأكد إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، أن دار الإفتاء تسعى لإنشاء هذا المركز العالمي ليكون همزة وصل بين المجتمعات الإسلامية والأقليات والجاليات المختلفة بدول العالم، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «الفكرة تلقى قبولا واسعا من حضور المؤتمر وسوف تشارك بعض دول العالم في إنشاء المركز لخدمة الجاليات والأقليات الإسلامية»، موضحا أن الأقليات الإسلامية في حاجة ماسة للمبادرات التي تقدم تنويرا وفكرا إسلاميا يخدمهم ويعطي الرؤية الشرعية الصحيحة للفتاوى والآراء المبنية على دليل شرعي لها لتنمية واقع الأقليات المسلمة بشكل شامل، وتطوير بنيتها المؤسسية وخصوصيتها دون انعزال، بالإضافة إلى حماية أبنائها من الوقوع في براثن التنظيمات الإرهابية.
في ذات السياق، قالت المصادر في دار الإفتاء إن «المؤتمر سوف يختم أعماله اليوم (الثلاثاء) وسوف يوصي بإنشاء الأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائي، فضلا عن إنشاء دستور (ميثاق شرف) للإفتاء وهو عبارة عن وثيقة أخلاقية تضم المعاني الإنسانية الراقية الحاكمة لعمل المفتي». مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «التوصيات سوف تتضمن أيضا إنشاء وحدات تأهيلية للإفتاء بالمؤسسات البحثية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.