القصف الجوي يتواصل على دوما.. والمعارضة تتوعد بـ«رد يناسب حجم المجزرة»

واشنطن تدين «استخفاف» دمشق بـ«حياة البشر» بعد قصف دوما «الوحشي»

طفل سوري مع دراجته في مدينة دوما قرب دمشق أثناء هروب عائلات من قصف طيران الحرب السوري أمس (أ.ف.ب)
طفل سوري مع دراجته في مدينة دوما قرب دمشق أثناء هروب عائلات من قصف طيران الحرب السوري أمس (أ.ف.ب)
TT

القصف الجوي يتواصل على دوما.. والمعارضة تتوعد بـ«رد يناسب حجم المجزرة»

طفل سوري مع دراجته في مدينة دوما قرب دمشق أثناء هروب عائلات من قصف طيران الحرب السوري أمس (أ.ف.ب)
طفل سوري مع دراجته في مدينة دوما قرب دمشق أثناء هروب عائلات من قصف طيران الحرب السوري أمس (أ.ف.ب)

توعدت قوات المعارضة السورية في الغوطة الشرقية، بالردّ على «واحدة من أكبر المجازر التي وقعت في دوما» بريف دمشق أمس، معلنة أن الردّ «سيتناسب مع حجم المجزرة»، مشددة على أنه «ليس بالضرورة أن يكون في الغوطة الشرقية» حيث قتل نحو مائة شخص، معظمهم مدنيون، في قصف جوي نفذته الطائرات الحربية السورية، مستهدفة منطقة يسكنها مدنيون في دوما، عاصمة الغوطة الشرقية.
وأثارت المجزرة، جملة ردود فعل دولية مستنكرة، إذ أعرب مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن اوبراين من دمشق عن «ذهوله» غداة وقوع المجزرة، فيما حملت المعارضة السورية المجتمع الدولي المسؤولية، متهمة إياه بـ«التواطؤ»، إذ دعا رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة دول العالم إلى أن «تكف عن حماية قاتل الأطفال بشار الأسد وأن تكف عن حرمان السوريين من حق الدفاع عن حياة أطفالهم».
كما دانت الولايات المتحدة الاثنين «بشدة» الغارات «الوحشية» التي شنها النظام السوري الأحد على بلدة دوما في ريف دمشق وخلفت نحو مائة قتيل، منددة بـ«استخفاف النظام (السوري) بحياة البشر».
وكررت الخارجية الأميركية في بيان أن واشنطن «تعمل مع شركائها من أجل انتقال سياسي فعلي يقوم على التفاوض، بمعزل عن (الرئيس السوري بشار) الأسد».
وتعرضت مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ العام 2012 لسلسلة غارات جوية شنها الطيران الحربي التابع للنظام السوري الأحد واستهدفت سوقا شعبية مكتظة بالسكان، وذلك قبل أيام من الذكرى السنوية الثانية لهجوم بالسلاح الكيميائي استهدف المنطقة ذاتها في 21 أغسطس (آب) 2013 وأوقع مئات القتلى.
ووثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 96 شخصًا بينهم 3 مواطنات و4 أطفال على الأقل، وإصابة نحو 240 آخرين بجراح، إثر أربع غارات جوية استهدفت سوقًا مكتظة وسط البلد، مشيرًا إلى أن القوات النظامية نفذت 9 غارات جوية استهدفت دوما وحرستا وعربين في الغوطة الشرقية أمس، بعد غارات أول من أمس التي أسفرت عن وقوع هذا العدد الكبير من المدنيين.
وأكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المجزرة «واحدة من أكبر المجازر التي ارتكبتها قوات النظام في الغوطة الشرقية، وتحديدًا في دوما التي تعد معقلاً لجيش الإسلام في ريف دمشق»، مشيرًا إلى أن المدينة «تعرضت منذ العام 2013 لأكثر من عشرين مجزرة، ذهب ضحيتها عشرات المدنيين».
وقال: إن دوما لم تدخل بمصالحات مع النظام حتى الآن، وهي عصية عليه».
وقال: إن النظام «لا يأبه لقتل المدنيين، ولا تردعه المجازر عن ارتكاب أخرى، وذلك يعود إلى غياب المجتمع الدولي، وقدرته على الردع».
وتوعدت فصائل المعارضة في ريف دمشق بـ«الرد على المجزرة، بما يتناسب مع حجمها، في أي مكان في سوريا»، كما قال عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق محمد علوش لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدًا أن الرد «ليس ضروريًا أن يكون في الغوطة».
ووصف علوش المجزرة بأنها «حدث كبير»، محملاً المسؤولية لما سماه «تخاذل المجتمع الدولي وأصدقاء نأوا بأنفسهم عن الجرائم». وقال: «شهدنا تحولات في كوباني بعد وقوع مجازر ارتكبها داعش، وكانت أقل وقعًا مما حدث اليوم، وكانت هناك مساعٍ دولية ودبلوماسية لإيجاد حلول للمسألة، بينما لم نُمنح المساعدة لرد مجازر النظام بحقنا».
وتكرر تحميل المجتمع الدولي المسؤولية، على لسان عدد من الناشطين والقياديين في المعارضة السياسية والعسكرية، إذ اتهم الائتلاف الوطني النظام بـ«تعمد» قتل المدنيين، منتقدا تقصير المجتمع الدولي.
وقال رئيس الائتلاف خالد خوجة في مؤتمر صحافي في إسطنبول أمس إن «جرأة النظام وتماديه في ارتكاب المذابح بحق المدنيين والتي تمتد لـ53 شهرًا متواصلا تعتمد على صمت دولي يصل إلى حد التواطؤ».
وأضاف: «من يسلح نظاما مثل هذا النظام ويحميه من المحاسبة في مجلس الأمن الدولي شريك في المسؤولية عن جريمة قصف مدنيين محاصرين ومجوعين منذ سنوات بالطائرات الحربية».
واستخدمت روسيا بصورة منتظمة حقها في الاعتراض (الفيتو) لعرقلة صدور قرارات عن مجلس الأمن تدين الأسد على خلفية قمعه للاحتجاجات الشعبية ضده.
واعتبر خوجة أن «من يعارض قيام مناطق آمنة للسوريين على أرضهم ويمنع تزويدهم بسلاح للدفاع عن أهلهم وأطفالهم فهو يرسل رسالة واضحة للنظام بأنه مسموح له ارتكاب ما يشاء من فظائع».
وقال: «على الأمم المتحدة، وعلى مجلس الأمن الدولي، وعلى الدول دائمة العضوية فيه، أن تعترف بحق شعب سوريا في الحياة وأن تكف عن حماية قاتل الأطفال بشار الأسد وأن تكف عن حرمان السوريين من حق الدفاع عن حياة أطفالهم».
وتعرضت مدينة دوما أمس لخمس غارات جوية على الأقل وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرًا إلى «ارتفاع حصيلة القتلى جراء مجزرة نفذتها طائرات النظام الحربية باستهدافها لسوق في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية إلى 96 شهيدا على الأقل بينهم أربعة أطفال فيما أصيب 250 آخرون بجروح». وأضاف أن عدد القتلى «مرشح للارتفاع بسبب وجود جرحى في حالات خطرة».
وأورد المرصد في حصيلة أولية الأحد مقتل 58 شخصا قبل ارتفاع العدد ليلا إلى 82 شخصا.
وقال مصور لوكالة الصحافة الفرنسية في دوما، بأن الأهالي انصرفوا الاثنين إلى تشييع القتلى بعد أن حال القصف الجوي الذي طال موقع المقبرة دون تشييعهم الأحد. وأضاف أنه «بعد كل مجزرة يضطر الأهالي إلى دفن أربعة أشخاص فوق بعضهم البعض بسبب ارتفاع عدد القتلى».
وأوضح أن ما رآه في المدينة الأحد كان «أشد قسوة مما شاهده بعد قصف المدينة بالسلاح الكيميائي قبل عامين». وروى كيف أن سكان الحي المنكوب أصيبوا بحالة هستيريا وهم ينقلون الجرحى إلى مستشفى ميداني وكان عدد كبير منهم ملقى على الأرض لعدم وجود أسرة كافية.
وتزامنت الغارات الجوية على دوما الأحد مع وجود مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة في دمشق، في زيارة هي الأولى له منذ توليه منصبه في مايو (أيار) خلفا لفاليري أموس.
وقال اوبراين خلال مؤتمر صحافي في دمشق: «هالتني أخبار الضربات الجوية أمس على وجه الخصوص» والتي «تسببت في سقوط عشرات القتلى من المدنيين ومئات الجرحى في وسط منطقة دوما المحاصرة في دمشق». وأضاف: «أصبت بالذهول من جراء التجاهل التام لحياة المدنيين في هذا الصراع»، مشددا على أن الاعتداء على المدنيين «غير قانوني وغير مقبول ويجب أن يتوقف».
وناشد المسؤول الأممي الذي يختتم الاثنين زيارته إلى دمشق «كل أطراف هذا النزاع الطويل حماية المدنيين واحترام القانون الإنساني الدولي».
وخلال الأيام القليلة الماضية تصاعدت حدة القتال في دمشق ومحيطها حيث تتحصن قوات النظام. وهاجم جيش الإسلام، بحسب ما أفادت وكالة «رويترز»، مواقع حكومية بحرستا يوم السبت. والأربعاء الماضي قتل سيل من صواريخ المعارضة 13 شخصا في دمشق وقتلت غارات لسلاح الجو السوري في منطقة قريبة بالغوطة الشرقية 31 شخصا حسبما أورد المرصد السوري.
وقال مصدر عسكري سوري بأن ضربات الأحد «كانت ردا على هجمات المعارضة في دمشق»، مضيفًا: «إذا كان هناك أي تصعيد باتجاه دمشق فسيكون الرد قويا وحاسما». ونفى المصدر استهداف المدنيين قائلا: إن الجماعات المسلحة سعت للتمركز في أحياء سكنية، لكن متحدثا باسم جيش الإسلام نفى هذا الزعم. وقال المتحدث إسلام علوش بأن قواته ليس لها أي وجود في المناطق السكنية.
واتهمت منظمة العفو الدولية الأربعاء قوات النظام السوري بارتكاب «جرائم حرب» ضد المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية، محذرة من أن استمرار القصف والغارات الجوية يفاقم معاناة السكان.
هذا في الوقت الذي دان فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، الاثنين الغارات الجوية التي تمت الأحد على سوق في بلدة دوما السورية، ما أسفر عن مقتل نحو مائة شخص.
وقال دي ميستورا، في بيان، بأن «قصف الحكومة لدوما أمس كان مدمرا، فالهجمات على المناطق المدنية وإطلاق قنابل جوية بشكل عشوائي وكذلك القنابل الحارقة أمر يحظره القانون الدولي». وأضاف: «من غير المقبول أن تقتل حكومة مواطنيها بغض النظر عن الظروف». وأشار إلى أن هجوم الأحد أعقب قصف دمشق الأسبوع الماضي من قبل جماعات المعارضة المسلحة، فضلا عن قطع إمدادات المياه، وهذه تدابير تؤثر في المدنيين وهي غير مقبولة.
وأكد دي ميستورا «يجب ضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط ويجب أن يتوقف القتل، حل هذا الصراع لن يكون بطريقة عسكرية، كما تم إثبات ذلك في السنوات الأخيرة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.