دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

المرشح الجمهوري في سباق البيت الأبيض.. ظاهرة تحير علماء السياسة

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص
TT

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

دونالد ترامب.. مرشح من نوع خاص

يوم الأحد الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» (العدد الأسبوعي)، وفي عدد واحد ثمانية تقارير عن دونالد ترامب، ملياردير العقارات الذي ترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. هذه عناوين التقارير: «آلام النمو لرجل ظهر فجأة في المقدمة» و«قادة الحزب الجمهوري قلقون من إساءات ترامب، لكنه لا يهتم» و«تاريخ تصرفات ترامب الخرقاء» و«منافسو ترامب ينتقدونه لإساءة المشرفة على المناظرة» و«ما لم يقل ترامب عن إفلاسه، أربع مرات» و«ترامب شاور بيل كلينتون قبل أن يترشح»، و«ترامب: نجحت في العقارات، وسأنجح في السياسة» و«فكاهيات: هل سيشتري ترامب البيت الأبيض؟». وفي مناظرة يوم الأربعاء الماضي، فاز ترامب على بقية المرشحين بفروقات كبيرة.. فمن هو هذا الرجل الذي يقيم الأرض ولا يقعدها في الولايات المتحدة؟

في العام القادم، سيكون عمر ترامب سبعين عاما، قضاها كلها، تقريبا، في بيع وشراء عقارات، منذ أن كان صبيا يزور مكتب والده، الذي كان من كبار مستثمري العقارات في نيويورك. هاجر جده من أبيه إلى أميركا من اسكوتلندا، وهاجر جده من والدته إلى أميركا من ألمانيا. عن هذا كتبت مجلة «تايم»، في سرد لسيرة حياته، أنه جمع بين «تشدد الألمان ومغامرات مرتفعات اسكوتلندا». عندما كان في المدرسة الابتدائية، قدم محاضرات عن أنواع العقارات. وعندما كان في المدرسة الثانوية، كان، فعلا، يبيع ويشترى عقارات (بمساعدة والده). وعندما جاء وقت الدراسة الجامعية، أرسله والده إلى ربما أشهر كلية إدارة الأعمال في الولايات المتحدة.. وارتون (جامعة بنسلفانيا).
في عام 1968 وكان عمره 22 عاما، تخرج بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، وكان عنوان رسالته: «استهداف الطبقة الوسطي في شراء وبيع العقارات». بعد تخرجه، تبع القول بالفعل.
أكمل مشروعا كان بدأه وهو في الجامعة: شراء وتحسين ثم بيع شقق «سويفتون» في سنساتي (ولاية أوهايو). واصطاد عصفورين بحجر واحد: الأول: كتب رسالة البكالوريوس عن المشروع. الثاني: استفاد من الدراسة في تنفيذ المشروع. وهكذا، بدا في طريق جعله واحدا من أشهر ملوك العقارات في أميركا، وفي العالم. حتى صار اسم «ترامب» مطابقا لاسم عقارات ناجحة. بدأ يكرر تجربة شقق «سويفتون» اشتراها بسبعة ملايين دولار، ثم صرف مليون دولار لتحسينها، ثم باعها بعشرة ملايين دولار. عندما اشتراها كانت نسبة الشقق المؤجرة 60 في المائة. وعندما باعها، كانت النسبة 100 في المائة.

صفقات نيويورك
خلال السنوات القليلة التالية، وقبل أن يصل عمره إلى ثلاثين عاما، عقد سلسلة صفقات مع بلدية نيويورك: أولا: اشترى «بن سنترال» (مركز المواصلات في نيويورك) بستين مليون دولار، من دون أي مقدم نقدي. وطوره لتصير قيمته، خلال خمس سنوات، ضعف قيمته الأولى.
ثانيا: اشترى فندق «كومودور» الذي كان أعلن إفلاسه، وحوله إلى فندق «غراند حياة»، واحد من أرقى فنادق نيويورك. ثالثا: في عام 1986 كانت ترميمات شقق «وولمان» استغرقت أربع سنوات أكثر من المدة المقررة. ومن دون دعم مالي من بلدية نيويورك، تبرع ترامب، وأكمل الترميمات، خلال ثلاثة أشهر فقط، وبتكاليف تقل مليون دولار عن ما كانت قررت البلدية. بعد نجاحاته في نيويورك، انطلق إلى مدن أميركية أخرى. ودخل عالم كازينوهات وفنادق القمار. في عام 1988، اشترى كازينو وفندق «تاج محل» من نجم برامج التلفزيون ميرف غريفين.
لكن، عندما دخل دنيا الكازينوهات والقمار. زاد طمعه. وفجأة، في عام 1990 واجهت شركاته إفلاسا شاملا. ولم تستطع إكمال ثالث فنادق وكازينوهات «تاج محل» بقيمة مليار دولار. واضطر لإعلان إفلاس شركاته (وليس إفلاسه هو شخصيا). خلال العشر سنوات التالية، خرج من الكارثة بعد أن ركز على ناطحات السحاب في نيويورك: أولا: «برج ترامب العالمي» السكني، الذي يتكون من 72 طابقا، بالقرب من مبنى الأمم المتحدة. ثانيا: «ترامب بالاس» السكني على نهر هدسون. ثالثا: «فندق ترامب العالمي»، قرب سنترال بارك.

منافسة بلومبيرغ
هكذا، ربط اسمه باسم عقاراته. اليوم، يملك أكثر من خمسين عقارا عملاقا باسمه في الولايات المتحدة، ومثل هذا العدد خارج الولايات المتحدة. منها: فندق «ترامب إنترناشيونال» في هاواي: «برج ترامب» في شيكاغو: «برج ترامب» في فورت لوترديل (ولاية فلوريدا): «كازيون ترامب» في أتلانتيك سيتي (ولاية نيوجيرسي)، الخ..
في بداية هذا العام، قالت مجلة «فوربز» (لرجال الأعمال) إن ثروة ترامب وصلت إلى أربعة مليارات دولار. وقال نفس الشيء تلفزيون «بلومبيرغ» (الذي يملكه مايكل بلومبيرغ، ملياردير الإعلام، وسابقا عمدة نيويورك). لكن، غضب ترامب، وزمجر، وقال إن ثروته ثمانية مليارات دولار، وهي أكثر من ثروة بلومبيرغ. وقال: «يحسدني بلومبيرغ، وجند تلفزيوناته وإذاعاته ليحتقرني». في وقت لاحق، تأكد أن ثروة بلومبيرغ عشرة مليارات دولار (أغنى من ترامب). وأن ثروة ترامب الإجمالية هي، نعم، ثمانية مليارات دولار، لكن، نصفها ديون، مما يخفضها إلى أربعة مليارات دولار.
لكن، يظل ترامب يتفوق على بلومبيرغ، وعلى غيره من المليارديرات الأميركيين، بمزيد من المغامرات. خلال العشر سنوات الماضية، دخل مجالات جديدة: «مطاعم ترامب» و«بوفيهات ترامب» و«آيس كريم ترامب» و«سفريات ترامب» و«إكسسوارات ترامب» و«عطور ترامب» و«ساعات ترامب» و«شيكولاته ترامب» و«فودكا ترامب» و«ويسكي ترامب» و«ستيك ترامب» و«مجلة ترامب» و«إذاعة ترامب» (ربما الأخيرتان لمنافسة عدوه اللدود بلومبيرغ).

الألماني الاسكوتلندي
في العام الماضي أثار ترامب النقد (والإعجاب، وأيضا الغيرة) عندما اشترى نادي غولف «دونبيغ» في آيرلندا، واحدا من أشهر أندية الغولف في العالم. ويراه كثير من الآيرلنديين جزءا من تراثهم التاريخي. (لعنت صحيفة آيرلندية ترامب. ووصفته بأنه «هذا الاسكوتلندي المغامر»).
في الشهر الماضي، عندما انتقد ترامب المهاجرين غير القانونيين من المكسيك، وأساء إليهم، ووصفهم بالكسل، والفساد، واغتصاب النساء، قاطع تلفزيون «إن بي سي» منافسات ملكة جمال العالم، التي كان ينقلها كل عام. ولم يكن كثير من الناس يعرفون أن ترامب هو صاحب شركة منافسات ملكة جمال العالم، وأيضا صاحب شركة منافسات ملكة جمال الولايات المتحدة (اشترى الشركتين عام 1996).
في عام 1983. اشترت ترامب فريق «الجنرالات» (ولاية نيوجيرسي) لكرة القدم. وبعد خمسة أعوام، باعه إلى وولتر دنكان، ملياردير النفط في ولاية أوكلاهوها. وبعد خمسة أعوام أخرى، اشتراه مرة أخرى. وفي كل مرة، زادت أرباحه. وهكذا، يشتري الفاشل، ويحسنه، ويبيعه، ويربح. وهكذا، على خطى والده. لكن، بينما كان الوالد يشترى ويبيع عمارات سكنية يعيش فيها فقراء (مثلا: عمارات سكنية في حي «هارلم» في نيويورك)، صار الابن يشتري ويبيع الفنادق الراقية وكازينوهات القمار.

إساءات
في تقرير عن «إساءات ترامب، خاصة ضد النساء والأنثويات (قادة منظمات مساواة المرأة بالرجل)، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الإساءات ليست جديدة على ترامب. بل اشتهر بها خلال مناورات، ومساومات، ومراهنات، ومراوغات، شراء وبيع العقارات، فقط، لم يكن الناس يعرفونها إلا عندما ترشيح لرئاسة الجمهورية. وصارت التلفزيونات والصحف ومواقع الإنترنت تتابعه خطوة بخطوة. من بين هذه: أولا: في الشهر الماضي، قال عن المهاجرين غير القانونيين من المكسيك: «صارت الولايات المتحدة مقلب زبالة لمشاكل الدول الأخرى. انتهت هجرة العباقرة والأذكياء إلينا. صارت المكسيك ترسل إلينا أصحاب المشاكل. جاءوا إلينا مع مخدراتهم، وجرائمهم، واغتصاباتهم». وأضاف: «لكن، بعضهم طيبون».
ثانيا: في مناظرة المرشحين من الحزب الجمهوري يوم الأربعاء، شن ترامب هجوما شخصيا على ميغان كيلي، التي اشتركت في تقديم الأسئلة خلال المناظرة. قال إنها تعودت على أن تسأله أسئلة حرجة. وإنها غاضبة عليه، وإن غضبها «يسيل منها كالدم، من فمها، ومن أماكن أخرى (العادة الشهرية؟)..». وفي الحال، احتجت كيلي، واحتج تلفزيون «فوكس» الذي قدم المناظرة، وانتقد ترامب حتى بقية المرشحين الذين اشتركوا معه في المناظرة. يوم الاثنين، في تلفزيون «سي إن إن» قال ترامب: «ليست إساءة الناس من عاداتي». ولم يعترف. ولم يعتذر.

طموحات سياسية
في عام 1997، أصدر ترامب كتاب «ترامب: فن الانتصار بعد الفشل» (بعد أن أعلن إفلاس شركاته أربع مرات). وكتب فيه عن صديقه الرئيس بيل كلينتون: «فشل ثم نجح (في مناصب سياسية في ولاية أركنساس). وها هو الآن رئيس أميركا.. اقدر على أن افعل أكثر ذلك».
كان ذلك ثالث كتاب أصدره، كلها، طبعا، عنه هو، وفيها اسمه في كل عنوان كتاب: «ترامب: فن الصفقات» و«ترامب: الحياة في القمة».
في ذلك الوقت، تحدث ترامب عن طموحاته السياسية. كان يميل نحو الحزب الديمقراطي. لكن، كان كلينتون (وزوجته) يسيطر على المسرح الديمقراطي. لم يكن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يتحول إلى الحزب الجمهوري. كانت الأسباب الرئيسية هي: أولا: صفقاته، ومناوراته، ومساوماته التجارية، واستغلاله قوانين الضرائب والعقارات.
ثانيا: فلسفة «السوق المفتوحة» التي تطلق عنان الرأسماليين، وتقلل سيطرة الحكومات.
ثالثا: «عادات اجتماعية» تربى عليها.
في أكثر من كتاب، قال إنه «رجل تقليدي»، وانتقد النساء، وانتقد المهاجرين، وانتقد دول العالم الثالث. وها هو، بعد عشرين عاما، يثير المشاكل بسبب ذلك.
كتب عن ثلاث نساء تزوجهن، واحدة بعد الأخرى (على الأقل، فشل مرتين). وعن «طمع النساء» (لجوء زوجات وصديقات سابقات إلى المحاكم للحصول على تعويضات بملايين الدولارات).
في الجانب الآخر، صار واضحا أن النساء لا يرتحن له: في الماضي، بسبب مشاكله الزوجية وغرامياته. وفي الحاضر، خلال الحملة الانتخابية (وإساءة مذيعة التلفزيون كيلي). وأوضح استطلاع نشرت نتيجته في الأسبوع الماضي (قبل إساءة كيلي)، أن النساء يكرهن ترامب بنسبة ضعف كراهية الرجال له.
في الحقيقة، أساء ترامب إلى كيلي بعد أن سألته سؤالا لا يخلو من إساءة: «لماذا تحتقر النساء؟ لماذا تنتقدهن في حسابك في (تويتر)؟ لماذا كتبت في كتبك أنك تحتقرهن؟ لماذا تصف النساء بأنهن كلاب وخنازير سمينة؟ ما هو رأيك فيما قالت هيلاري كلينتون بأنك تقود حربا ضد النساء؟».

إلى أين؟
يوم الاثنين، كتب ليون هادار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماريلاند: «تحير علماء السياسة واحدة من مفارقات المعارك الانتخابية الأميركية: يميل أبناء الطبقة الوسطى والدنيا من البيض نحو انتخاب مرشحين جمهوريين لرئاسة أميركا يسعون إلى إضعاف دولة الرفاهية، ويريدون خفض الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والاقتصادية والحد من سلطة النقابات العمالية».
وأضاف: «يبدو غريبا أن الغالبية العظمى من الناخبين البيض في اثنتين من أفقر الولايات الأميركية، تينيسي وويست فرجينيا، يدعمون المليونير الجمهوري والمرشح المؤيد لقطاع الأعمال، دونالد ترامب. بينما يؤيد الناخبون في أغنى منطقتين في البلاد، بيفرلي هيلز ومقاطعة مارين (لوس أنجليس) باراك أوباما الذي وعد بزيادة الضرائب المفروضة عليهم».
وأضاف هادار: يصف ناقدون ترامب بأنه «مسخرة» أو «مجنون». لكنه يظل يفوز ويفوز: 10 في المائة، 20 في المائة، والآن ما يقرب من 30 في المائة من أصوات الجمهوريين. لهذا، أتوقع أن يصل إلى نهائي المنافسات، رغم أنه وصف مرشحين معارضين له بأن واحدا «غبي»، وواحدا «أبله»، وواحدا «خاسر»، والمذيعة كيلي «دموية»، والمهاجرين المكسيكيين «مغتصبون». وانتقد وسخر من بطل حرب فيتنام، جون ماكين.
وقال هادار: «الحقيقة هي أن كل تنابز جديد يساعده في الحصول على مزيد من الزخم السياسي.. هذا ما يحير علماء السياسة الأميركيين».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».