بدء جولة المفاوضات بين طرفي النزاع في جنوب السودان وسط خلافات حول وثيقة السلام

وفد جوبا يؤكد رفضه لبعض البنود في الوثيقة.. والمعارضة تعتبر جوبا غير جادة

بدء جولة المفاوضات بين طرفي النزاع في جنوب السودان وسط خلافات حول وثيقة السلام
TT

بدء جولة المفاوضات بين طرفي النزاع في جنوب السودان وسط خلافات حول وثيقة السلام

بدء جولة المفاوضات بين طرفي النزاع في جنوب السودان وسط خلافات حول وثيقة السلام

بدأت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا المحادثات بين حكومة جنوب السودان والمعارضة المسلحة التي يقودها نائب الرئيس السابق رياك مشار والتي ترعاها دول الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا «إيقاد» مضاف إليها الشركاء الدوليون. وجرت الجلسة الأولى بين الوفدين في أجواء خلافية حول بنود الوثيقة التي أعدها الوسطاء للتوقيع عليها في السابع عشر من أغسطس (آب) الحالي.
وشن رئيس وفد المعارضة المسلحة تعبان دينق قاي في الجلسة الافتتاحية للمحادثات هجومًا عنيفًا على حكومة جنوب السودان والتي اعتبرها بأنها فاقدة للشرعية منذ التاسع من يوليو (تموز) الماضي وفق نصوص الدستور الانتقالي لسنة 2005، وقال إن حكومة سلفا كير ما زالت تعمل على استمرار معاناة الشعب باستهدافهم بالقتل وتشريدهم. وأوضح أن جوبا منعت وفد الأحزاب السياسية المعارضة من المشاركة في هذه المفاوضات وهم من أصحاب المصلحة، وقال: «هذا دليل آخر يوضح أن حكومة سلفا كير ليس لديها رغبة في تحقيق السلام وإيقاف الحرب ووقف معاناة شعبنا».
ومن جهته، قال عضو وفد المعارضة المسلحة مسؤول العلاقات الخارجية فيها الدكتور ضيو مطوك لـ«الشرق الأوسط» إن وفد الحكومة ليس لديه جديد، خصوصا أنه بدأ بالحديث عن رفضه وثيقة مسودة اتفاق السلام الذي عرضته الوساطة، وأضاف أن الوفد الحكومي استعرض في الجلسة بالقول إن هناك تظاهرات من قبل المواطنين في عشر ولايات ضد مقترحات الوساطة، وتابع: «الذين خرجوا هم من الجيش الحكومي والموظفين لأنه ليس من المنطق أن يرفض المواطنون تحقيق السلام ووقف الحرب»، وقال: «واضح أن الحكومة غير جادة ولكن ليس لديها وقت للمناورة في هذه الجولة ونتمنى أن تكون الوساطة والشركاء جادين في تحديد الطرف الذي يرفض السلام وينفذون ما صرحوا به».
من جانبه، أكد رئيس وفد حكومة جنوب السودان في المفاوضات نيال دينق نيال رفض حكومته لبعض البنود التي وردت في وثيقة السلام المقترحة من قبل وساطة الـ«إيقاد»، وأضاف أن نسب تقسيم السلطة في ولايات الوحدة، جونقلي وأعالي النيل بحسب وثيقة الـ«إيقاد» المقترحة بمنح المعارضة المسلحة نسبة 53 في المائة في هذه الولايات وللحكومة 33 في المائة لا يمكن أن تطبيقه، وتابع: «هذه مرفوضة من قبل الحكومة»، مشددًا على أن حكومته ترفض أن تصبح عاصمة البلاد جوبا خالية من قوات الطرفين (الحكومة والمعارضة) وأن تصبح تحت حماية القوات الأجنبية، وقال: «هذا يمثل انتقاصًا من سيادة الحكومة وهي التي يقع على عاتقها حماية أراضيها بشكل كامل»، ورأى أن تشكيل الحكومة الانتقالية في ظرف ستة أشهر أمر مستحيل، لكنه رفض أن يحدد الفترة الزمنية، وقال: «يجب التركيز على تحقيق السلام وتجاوز هذه الأمور»، مطالبًا وساطة الـ«إيقاد» وشركائها بمراجعة جادة لمسودة المقترحات التي قدمتها لطرفي النزاع وبمخاطبة جذور الأزمة.
إلى ذلك اعتبر رئيس فريق الوساطة السفير الإثيوبي سيوم مسفن في الجلسة الافتتاحية أن الأزمة في جنوب السودان داخلية وليست خارجية، داعيًا أطراف النزاع إلى حل خلافاتهما بشكل سلمي وجاد، مشيرًا إلى أن الوثيقة التي قدمتها الوساطة جرت بعد مشاورات طويلة، مؤكدًا أن السابع عشر من الشهر الحالي هو موعد توقيع اتفاق السلام النهائي.
وكانت وساطة الـ«إيقاد» قد سلمت طرفي النزاع مسودة اتفاق السلام في 25 من يوليو الماضي، وأكدت أن رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار زعيم المعارضة المسلحة، سيلحقان بوفدي التفاوض للتوقيع على الاتفاق النهائي في 17 أغسطس الحالي.
وشهدت دولة جنوب السودان حربًا أهلية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2013 بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة التي يقودها نائب الرئيس السابق رياك مشار، وقد استقلت الدولة عن السودان في يوليو 2011 عبر استفتاء شعبي جرى في يناير (كانون الثاني) 2011 وفق نصوص اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة السودانية ومتمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان السابقين في يناير 2005.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.