{الشرق الأوسط} تنقل تفاصيل ليلة الرعب التي حرق فيها المستوطنون عائلة دوابشة

لا السلطة تحميهم ولا الأمن الإسرائيلي الذي تخضع له قريتهم.. فاختاروا «دفاعهم الذاتي»

أطفال من دوما على مدخل جانبي للبيت المحترق ({الشرق الأوسط})
أطفال من دوما على مدخل جانبي للبيت المحترق ({الشرق الأوسط})
TT

{الشرق الأوسط} تنقل تفاصيل ليلة الرعب التي حرق فيها المستوطنون عائلة دوابشة

أطفال من دوما على مدخل جانبي للبيت المحترق ({الشرق الأوسط})
أطفال من دوما على مدخل جانبي للبيت المحترق ({الشرق الأوسط})

«لم نعد نسهر مثل كل ليلة. ولم نعد ننام.. أخاف أن أستيقظ على خبر مزعج وأسوأ».
هذا ما قالته حفصة دوابشة، شقيقة سعد الذي أحرقه المستوطنون وزوجته مع إبنيه، الرضيع علي الذي فارق الحياة حرقًا، وأحمد الذي يرقد مع والديه بين الحياة والموت في مستشفيين إسرائيليين، بعدما هاجموهم بداية هذا الأسبوع في منزلهم في قرية دوما الوادعة جنوب شرقي نابلس. حفصة بحديثها هذا، عكست حالة القلق والخوف الذي زرعه المستوطنون في نفوس أهالي القرية الذين يصلون الليل بالنهار بحثًا عن آليات يحمون بها أنفسهم من هجمة أخرى محتملة.
عاشت حفصة مثل آخرين، ليلة رعب حقيقية، تشبه إلى حد كبير فلم رعب هوليوودي. بدأت القصة مع تسلل اثنين من المستوطنين إلى دوما، قبل أن يستيقظ الجميع على صرخات سعد ينادي أهالي قريته «ساعدوني لقد أحرقونا جميعا».
وقال الشاب إبراهيم دوابشة الشاهد الوحيد الذي وصل أولاً إلى بيت سعد: «كنت أتحدث إلى خطيبتي عبر الهاتف، سمعت صوت سعد ينادي.. الحقوني حرقونا حرقونا.. أيقظت أشقائي وذهبت مسرعًا إلى منزل سعد، شاهدت نيرانًا كثيفة تندلع من المنزل.. شاهدت سعد وزوجته هيام ممددين على الأرض خارج المنزل والنيران تأكلهم، كانوا مشتعلين، وتفاجأت باثنين من المستوطنين الملثمين يقلبونهما يمنيًا ويسارًا. صعقت ولم أستطع التحرك.. خفت ولم أعرف ماذا أفعل. صرخت على أشقائي وأبي وأهل الحارة قبل أن يفروا من المكان». وأضاف: «حاولت إطفاء النيران التي تلتهم سعد بيدي، وانتقلت إلى زوجته وكانت تشتعل بدورها، وفي حالة إغماء شديدة، أيقظتهم فصارت تصرخ ابني ابني». سمع إبراهيم صوت الطفل أحمد يصرخ «يما يما». حاول أن يدخل إلى المنزل لكن دون جدوى، قبل أن يتلثّم بخرقة مبلولة ويقتحم عدة أمتار وسط النيران ويخرج بالطفل الأول (أحمد) الذي كان في حالة هستيرية، لكن أحدًا لم يستطع الوصول إلى الرضيع علي».
بدا منزل الدوابشة كما أن النيران اشتعلت به للتو، لقد أتت على كل شيء وما زالت حاجات الأطفال وألعابهم ورضاعة علي شاهدة حية على الجريمة.
وأمام المنزل، وضع أهالي القرية خيمة اعتصام كبيرة يؤمها كل المتضامنين مع عائلة دوابشة التي تحولت إلى رمز للضحية في وجه «الإرهاب اليهودي». وقال عبد السلام دوابشة، رئيس مجلس قرية دوما: «لن نعيد بناء هذا المنزل سيبقى شاهدًا على الجريمة إلى الأبد». وعلى جدران المنزل، رفعت صور كبيرة لعلي الرضيع وللطفل محمد أبو خضير الذي حرقه المستوطنون العام الماضي في القدس، وللشاب ليث الخالدي الذي قضى برصاص الإسرائيليين في رام الله في الهبة الغاضبة على حرق علي.
لا يسأل أهالي القرية أيًا من الزوار عن هوياتهم، بل يبادرون إلى شرح تفاصيل الجريمة، مع بعض الافتراضات من أين دخل المستوطنون وكيف هربوا، لماذا كان الوالدان يحترقان في الخارج وتركوا أبناءهم في الداخل، وكم من الوقت استغرقت المسألة، بانتظار أن يفيق الضحايا ويروون بأنفسهم حقيقة ما حدث.
وقالت حفصة «أخشى أنهم لن ينجوا.. وضعهم سيء جدًا» ومع كثير من الدموع استطردت: «يا ريتني كنت معهم يا ريتني كنت معهم». وأضافت: «تركتهم قبل فترة قصيرة فقط، ولم أفهم حتى الآن ما حدث». وأردفت بشيء من الانفعال: «شو عمل سعد، شو عملت هيام، شو عمل علي.. ليش ليش.. مش متخيلة إنو في وحوش على شكل بني آدمين بهذه الطريقة».
ورد سائد دوابشة أحد أعمام الفتى وهو يشير إلى مستوطنات ترى بالعين المجردة، «كلهم وحوش». وتحيط بقرية دوما مستوطنات عدة، تحاصرها من كل حدب وصوب، من بينها «ييش كوديش»، و«كوخافعا شاخر» و«شفوت راحيل» و«معاليه إفرايم» و«كيداه».
ولا يعرف أهالي القرية تحديدًا، من أين جاء هؤلاء الذين حرقوا أيضًا منزلاً آخر، لحسن حظ أصحابه أنهم لم يكونوا آنذاك في القرية.
أشار سائر إلى ثلاثة أطفال صغار يجلسون أمام منزلهم المحترق، وقال: «كان يمكن أن يكونوا مثل علي لولا لطف الله».
كان محمد (5 سنوات) لا يزال يبحث عن ألعابه، وقال: «أنا زعلان.. بدي ألعابي» من دون أن يفهم هول ما حدث.
وفي أماكن أخرى كثيرة، كان صحافيون يستقصون جوانب أخرى بحثًا عن الحقيقة المرة.
وجزء من هذه الحكاية كان يمكن رصدها لدى الأهالي في مدرسة القرية الوحيدة حيث أقيم بيت عزاء للرضيع علي، وبدا مثل محج لجميع المسؤولين والصحافيين والمتضامنين.
ثار نقاش حاد حول كيفية حماية الأهالي لأنفسهم في القرية، التي تقع في المنطقة «ج» التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الأمنية.
حضرت فكرة إقامة لجان شعبية بقوة، لكن كثيرين كانوا متحفظين على ذلك.
وقال قدري دوابشة: «الحل الوحيد هو تشكيل لجان حراسة على المداخل الثلاثة للقرية». ورد شبان بأنهم مستعدون لذلك. لكن سليمان الذي أنيطت به مهمة تشكيل مثل هذه اللجان، قال: «بصراحة ليست فكرة عملية». وأضاف: «من يحمي اللجان من المستوطنين.. من يحميهم من الاعتقال لاحقًا»، فأجابه قدري: «رغم ذلك لا يوجد طريقة أخرى». فرد عليه: «لا.. يوجد لماذا لا يأتي الأمن الوطني لحمايتنا».
وعمليًا، لا يستطيع الأمن الوطني أداء واجباته في المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية. وتحتاج أجهزة أمن السلطة إلى تنسيق مسبق مع الإسرائيليين من أجل دخول أي قرية. وأصر سليمان على أن السلطة يجب أن تتحمل مسؤولياتها. وقال: «فليعملوا باللباس المدني إذن».
تدخل شبان كثر في النقاش، وتساءلوا عن مصيرهم إذا ما أطلق عليهم المستوطنون النار، وعن مصير عائلاتهم إذا ما تم اعتقالهم، وعمن سيتكلف بمصاريف الحراسات.
كان هناك كثير من الأسئلة التي لم يجد لها الأهالي إجابات شافية. وقال رئيس المجلس، إنه يجري التنسيق مع السلطة لتفريغ البعض من أهالي القرية للمهمة، أو لإرسال بعض أفراد الأمن الوطني لأداء هذه المهمة.
وتحتاج السلطة إلى مئات من الأفراد لحماية عشرات القرى التي يهاجمها المستوطنون بين الفينة والأخرى وبشكل يومي.
وقالت الحكومة الفلسطينية، إن جرائم قوات الاحتلال والمستوطنين أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للفلسطينيين، وهي امتداد لممارسات سلطات الاحتلال ولحكومات إسرائيل المتعاقبة طيلة مدة احتلالها للأرض الفلسطينية، مؤكدة على «حق شعبنا في الدفاع عن أرضه وممتلكاته ومقدساته بكل الوسائل المشروعة التي كفلتها الشرعية الدولية».
لكن مع التقسيم الفريد للضفة الغربية (مناطق «أ»، و«ب»، و«ج»)، لم تضع السلطة آلية واضحة حتى الآن.
ويواجه الفلسطينيون اليوم تنظيمًا يهوديًا مختلفًا، أخذ يهدد المجتمع الإسرائيلي نفسه، وقد أبدى كثير من المسؤولين الإسرائيليين تخوفهم من ارتداد هذا «الإرهاب» إلى داخل إسرائيل نفسها. وكان عضو الكنيست أحمد الطيبي (القائمة المشتركة)، واضحًا وفاضحًا في خطاب ناري في الكنيست، حين قال لقادة إسرائيل: «لن تكون حادثة القتل الفظيعة هذه هي الحادثة الأخيرة.. من يقول إن العرب الفلسطينيين (يتدفقون إلى صناديق الاقتراع)، يقول أيضًا إن الفلسطينيين هم جنس متدنٍ يستحق الحرق. هكذا فكر النازي الجديد الذي اقترف عملية الحرق». واستمر الطيبي بهجومه، وقال: «أنا آتٍ بأيادٍ نظيفة أما أنتم فتأتون بأيادٍ ملطخة بدم أطفال فلسطينيين. الأمل هو النور في نهاية النفق. الأمل هو الحق بالتحرر والحرية. الأمل هو حق الشعب الفلسطيني بالعيش كسائر الشعوب. أعرف أنني أضع أمامكم مرآة وأن هذا ليس بالأمر السهل». وحول الطيبي الجلسة التي عُقدت بمبادرة كتلة «المعسكر الصهيوني» وبناء على طلب من كتل المعارضة كافة، إلى جلسة صاخبة قام خلالها أعضاء كثيرون من المعارضة، بانتقاد سلوك زعماء اليمين بسبب تغيبهم عن الجلسة.
ويقود مائير إيتنغر في السنوات الأخيرة عمليات العنف ضد الفلسطينيين كجزء من خطة يُطلق عليها اسم «التمرد» وهدفها الرئيسي: تقريب «الخلافة اليهودية».
وفعلاً تم اعتقال إيتنغر بعد العثور على وثيقة تكشف عن خطته، لكن لا أحد في الأراضي الفلسطينية يؤمن بنية إسرائيل محاسبته وأمثاله من عتاة المتطرفين اليهود.
الألم والحسرة والغضب وقلة الحيلة فقط، هو ما يملكه الفلسطينيون في دوما وغيرها من القرى، في مواجهة التطرف اليهودي الديني، الذي يلخصه شعار تركه المستوطنون على جدران المنزل المحترق «يحيا المسيح المخلص» و«انتقام».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.