هل للتاريخ البشري غاية ومعنى؟

البعض يؤكد والبعض الآخر ينفي ويخضعها لحتمية تسير نحو ما هو محدد

هل للتاريخ البشري غاية ومعنى؟
TT

هل للتاريخ البشري غاية ومعنى؟

هل للتاريخ البشري غاية ومعنى؟

ثمة فارق نوعي بين نظرة الفيلسوف إلى التاريخ ونظرة المؤرخ؛ فهذا الأخير يهتم بسرد الوقائع وضبطها وفق مؤشرين فيزيائيين اثنين؛ هما: الزمان والمكان. بينما الفيلسوف المعتني بالتاريخ، يقصد إلى فهم مسار تلك الوقائع وتحديد معناها، وموضعتها في سياق الغاية الكلية التي يزعم أن تاريخ البشرية يتجه نحوها.
وإذا كانت الوقائع الجزئية تستغرق المؤرخ؛ فإن الفيلسوف بنزوعه الكلي ينشغل بالحركة العامة للاجتماع الإنساني، ولا يهتم بالحوادث الجزئية إلا إذا كانت مِطْوَاعَةً للتوظيف لتوكيد الخلاصة الكلية، التي يظن أنها تلتمع على مسرح التاريخ.
وإذا كان المؤرخ يتعامل مع المكان والزمان بوصفهما معطيين فيزيائيين؛ حيث يتناول المكان بوصفه جغرافيا، والزمان في بعده بوصفه ماضيا؛ فإن الفيلسوف – إذا استثنينا المنتمي إلى الفلسفة الإيكولوجية - لا ينشغل بتوصيف تضاريس المكان، بل بحركة الأفكار والأفعال الدالة التي تجري فيه. ولا يحصر نظره في الزمان الماضي، بل يزعم إمكان التنبؤ بالغاية القصدية التي تسكن المستقبل.
وعليه، فإن فيلسوف التاريخ لا يعتني بالأحداث الجزئية، بل يروم الإمساك بالدلالة الكلية لمسار الحركة التاريخية، لاعتقاده بأن ثمة معنى يحايث تلك الحركة، وهدفا ترنو إليه.
صحيح أن من عادة الإنسان أن يسلك في حركته اليومية سلوكا قصديا؛ إذ يتحرك في اتجاه غايات يعقلها ويوجه اندفاعة كيانه نحوها. لكن هل يكفي هذا لكي ندلل على وجود غاية يتحرك نحوها التاريخ البشري بمجموعه؟ ألسنا في هذه الحالة نقوم بإسقاط الملحوظ في السلوك أو السلوكات الفردية على السلوك الجمعي للبشرية بمختلف أفرادها وجماعاتها؟
وإذا كان للسلوك الفردي في أغلب مستوياته معنى وغاية، أليس من الخطأ أن نقول إن مجموع تلك السلوكات الفردية تنتج بالضرورة معنى محددا وغاية واحدة؟
أليست غايات الأفراد متنازعة متضاربة؟ فكيف يتحصل من شتات الغايات وتضارب المصالح والمقاصد غاية محددة، يكون مجموع حركات البشر في الزمان منجذبا نحوها؟
تجاه سؤال معنى وغاية التاريخ، ثمة موقفان فلسفيان:
* موقف يقول بأن حركة التاريخ لها معنى ومحكومة بغائية، بفعل عامل متعال (ترنسدنتالي) خارجي، أو بفعل عوامل محايثة.
* وموقف ينكر أن تكون حركة التاريخ لها معنى، وخاضعة لحتمية تسير به نحو غاية محددة مسبقا، حيث يرى تلك الصيرورة مجرد حركة عبثية محكومة بالصدفة.
وإذا فكرنا في الاحتمالات الممكنة للصيغ الناظمة لحركة التاريخ البشري، فيمكن أن نذكر ثلاثة احتمالات، هي:
- إما أن التاريخ البشري بدأ بمرحلة ذهبية، ثم ارتحل عنها، فيكون مسار البشرية من بعد تلك المرحلة الذهبية مجرد انحطاط وارتكاس.
- وإما أن التاريخ بدأ بمرحلة بدائية منحطة، فيكون تطور البشرية سائرا تدريجيا في سياق تقدمي.
- وإما أن التاريخ يعيد نفسه، بمعنى أن ثمة دورة أبدية تحكم حركة الإنسان في الوجود.
وبدراسة الرؤى التي تناولت التاريخ من منظور غائي، سنجدها لا تكاد تغادر احتمالا من هذه الاحتمالات الثلاثة:
بالنسبة للاحتمال الأول للنظرية الغائية، نجده سائدا قبل نشأة «فلسفة التاريخ»؛ حيث نلحظ أن الرؤية الميثولوجية الإغريقية، بلورت تصورا غائيا للتاريخ البشري. حيث قدم هيزيود في متن «الأعمال والأيام»، صورة عن صيرورة التاريخ، تقول بتطوره عبر أجيال تتنزل تدريجيا؛ حيث بدأت بالجيل الذهبي، ثم البرونزي، فالبطولي، لتنتهي بالجنس الحديدي. ومن تلك الصيرورة يتبين أن هيزيود قدم العهد البشري الأول عصرا ذهبيا، حيث كان البشر يعيشون في رغد ورفاه، ثم انقلب الحال إلى احتياج وانحطاط، حتى ارتكس في الجيل الحديدي.
وأول من نقد هذا التصور نقدا فلسفيا صريحا، هو كزينوفان الذي لم ينظر إلى بداية الزمن البشري الأول نظرة إعلائية، تخلع عليه صفات التقريظ؛ بل بالعكس، نظر إلى اللاحق بوصفه أفضل من السالف. وقد علل ذلك بأن الإله لم يعط للإنسان في البداية كل شيء، بل تركه يتطور بالتدريج، ومن ثم، فالبشرية تتقدم نحو الأفضل عبر الزمن. وهذا قلب تام للرؤية الهزيودية للعالم؛ بمعنى أنه منذ بداية الفكر والفلسفة اليونانية، نلحظ تصارع رؤيتين حول ماهية التاريخ البشري: رؤية تطورية تقدمية، وأخرى ارتكاسية.
أما نظرية الدورة التاريخية، فتجد تجسيدها الواضح في نظرية الفيلسوف الإيطالي فيكو (1668 - 1744)، في كتابه الرئيس «العلم الجديد» (1725)، الذي يقصد به علم التاريخ؛ ففي هذا الكتاب، يقدم تصورا دوريا للتاريخ مؤسسا على نظرية العود الأبدي، قائلا بأن تطور البشرية يمر عبر سلسلة من المراحل، تبدأ من البربرية لتصل، في النهاية، إلى المرحلة الحضارية؛ ثم تعود مرة أخرى إلى المرحلة البربرية.
وبدءا من نهاية القرن السابع عشر، أخذت تسود رؤية جديدة لا ترى التاريخ ارتكاسا، بل تقدم. وستبلغ هذه الرؤية أوجها في القرن التاسع عشر، مع هيغل وأوجست كونت وكارل ماركس.
لكن رغم أن الرؤية الغائية هيمنت على فلسفات التاريخ، فإن بعض الفلاسفة خرقوا هذا السمت العام، نافين أن يكون للتاريخ البشري معنى مسبق وغاية محددة. ومن أشهر الأمثلة على ذلك، الفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي ينفي وجود تطور يسير بالتاريخ نحو التقدم، أو أن له غاية محددة.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.