في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة إغلاق لـ«البوابة الخلفية» التي تسمح باعتلاء الدعاة غير الرسميين المتشددين لمنابر المساجد، قررت السلطات المصرية غلق معاهد إعداد الدعاة ومراكز الثقافة الإسلامية التابعة للجمعيات الأهلية. وقال رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، الشيخ محمد عبد الرازق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «غلقها خطوة على طريق حصار أصحاب الأفكار المتشددة والمتطرفة».
وأثار القرار الذي أصدره رئيس الحكومة المصرية إبراهيم محلب، حالة من الرفض والسخط بين تيارات الإسلام السياسي خاصة حزب النور والجمعية الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين. وقال قيادي في الجمعية الشرعية، إننا «لا نخرج دعاة متشددين؛ بل أناسا قادرين على الخطابة وتصحيح المفاهيم.. وسوف نلجأ للقضاء المصري».
وتشير الإحصاءات الرسمية في مصر أن عدد معاهد إعداد الدعاة تبلغ 91 معهدا منها 19 تابعة لوزارة الأوقاف تدرس مناهج الأزهر، فيما يصل عدد المعاهد الخاصة التي لا تخضع لإشراف الأزهر - بحسب مصادر في الأوقاف - إلى 15 معهدا تابعا لجماعة أنصار السنة (والتي تضم دعاة من حزب النور)، و37 للجمعية الشرعية (وتضم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور وعلماء من جامعة الأزهر أيضا)، و20 لجمعية الفرقان بالإسكندرية، وقالت المصادر إن «هذه المعاهد التي لا تتبع الأوقاف، تبث أفكارا متشددة للطلاب الذين يدرسون بها سواء كانوا مصريين أو وافدين من دول أفريقية».
وتواصل الدولة المصرية اتخاذ التدابير الاستثنائية على المساجد منذ سقوط حكم الإخوان قبل ما يزيد على العامين، وقصرت إلقاء الخطب والدروس في المساجد على الأزهريين، وعمدت إلى توحيد موضوع خطبة الجمعة، ومنعت أي جهة غير الأوقاف من جمع أموال التبرعات.
وأكدت الحكومة أنها «حظرت عمل أي معهد من معاهد إعداد الدعاة أو الثقافة الإسلامية التابعة لأي جمعية أهلية، فضلا عن عدم السماح لهذه المعاهد بالاستمرار في العمل وتخريج الطلاب».
وقال الشيخ عبد الرازق، إن «عددا كبيرا من الدعاة قد تخرجوا من تلك المعاهد (الخاصة) وتشبعوا بأفكار شيوخها المنتمين لجماعات وتيارات بعينها، وكانت بوابتهم للصعود على المنابر والترويج لأفكارهم وانتماءاتهم عبر مساجد الأوقاف، التي تشرف على نحو 198 ألف مسجد في مختلف ربوع البلاد».
من جانبها، قالت مصادر في وزارة الأوقاف، إن «معاهد الدعاة غير التابعة للأوقاف أمامها طريق واحد يتم تدارس خطواته الآن، متمثل في تعديل مناهجها لتوافق فكر الأزهر وأن تلتزم حرفيا بمناهج معاهد الأوقاف، وأن يكون جميع أعضاء هيئة التدريس بهذه المعاهد من أعضاء هيئة التدريس بالأزهر، وليس لهم أي انتماء للجماعات التي تحمل الفكر المتطرف، وأن تشرف الأوقاف إشرافا كاملا على سير الدراسة».
لكن المصادر توقعت أن «ترفض معاهد الجمعيات هذه الشروط»، مضيفة: «حال رفضها سيتم حظر نشاطها بشكل نهائي وتجميد مقراتها»، لافتة إلى أنه «حال توفيق أوضاع المعاهد التابعة للجمعيات ستتم مراجعة وتدقيق كافة بيانات المتقدمين لهذه المعاهد والوقوف على ميولهم وأفكارهم والتثبت من عدم الانتماء لأي فكر أو جماعة متطرفة، وأنه في حال خداع وزارة الأوقاف من قبل أي خريج لتلك المعاهد، فسوف يتم تتبعه بعد صعوده إلى منابر الأوقاف، وإلغاء التصريح فورا لمن يثبت ولاؤه لجماعة بعينها أو يخاطب الناس بأفكار متطرفة».
وتابعت المصادر التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» أن «معاهد الجمعيات الخيرية كانت تقبل غير الحاصلين على مؤهل عال، وبعضهم كان حاملا لشهادة محو الأمية».
ويرى مراقبون أن السلطات المصرية تحاول إحكام قبضتها على المساجد التي باتت مراكز للدعاة المتشددين من بعض الجماعات المتطرفة، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وحذرت وزارة الأوقاف في بيان لها أمس، من «الالتحاق بأي معهد تابع للجمعيات الأهلية»، مؤكدة أن «هذه المعاهد تعمل خارج إطار القانون.. ولن يتم الاعتراف بخريجيها».
في ذات السياق، يقول القيادي في الجمعية الشرعية نفسه، إن «الأوقاف تريد الانفراد فقط بالدراسة في معاهدها الـ19. بينما تريد غلق باقي المعاهد غير التابعة لها بوضع شروط مجحفة لا يمكن قبولها.. بغرض السيطرة فقط على معاهدنا»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا القرار الذي سيضر بآلاف العاملين بهذه المعاهد ومن تخرجوا منها، حيث تجبرهم الأوقاف على خوض اختبارات لاستمرار عملهم في الخطابة»، مؤكدا أنه «حال تطبيق القرار سوف نتوجه للقضاء للفصل في الأمر». وتابع القيادي في الجمعية الشرعية، أن «مدة الدراسة في معاهد الجمعية 4 سنوات يتناول فيها الطالب علوم الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والدعوة والخطابة، ويحصل الطالب على شهادة تمكنه من إلقاء الدروس والخطب»، لافتا إلى أنه «يتم تخريج ما يقرب من 2500 طالب سنويا».
وترفض وزارة الأوقاف الاعتراف بهؤلاء الخريجين على اعتبار أنهم ليسوا أزهريين، ويدعون للتشدد والفكر المتطرف وينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية؛ لكن محمد مختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجمعية تعطي تصريحا للخريج ويكون هناك مراقبة منها لأدائه وتوجهه على المنابر.. وأي انحرافات فكرية يتم رصدها وتوجيه صاحبها للاتجاه الصحيح»، مضيفا: أن «فكرة التعصب المذهبي أو التحزب السياسي ترفضهما الجمعية الشرعية وتعتبرهما مفسدة في الأرض».
وتبدأ وزارة الأوقاف في استقبال طلبات راغبي الدراسة بمعاهد إعداد الدعاة اليوم (السبت)، ويقول مصدر من حزب النور، إنهم «سوف يدفعون بألف من أعضائه لخوض الاختبارات، المقرر لها منتصف أغسطس (آب) الجاري». وسبق أن قبلت الأوقاف 10 من قيادات النور العام الماضي، بعد أن اجتازوا الاختبارات عقب خلافات كبيرة وصلت القضاء بين الأوقاف وقيادات النور، حول أحقيتهم للصعود والخطابة من فوق المنابر.
مصر تغلق «البوابة الخلفية» لاعتلاء الدعاة غير الرسميين للمنابر
مسؤول رسمي لـ {الشرق الأوسط}: خطوة لحصار أصحاب الأفكار المتشددة
مصر تغلق «البوابة الخلفية» لاعتلاء الدعاة غير الرسميين للمنابر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة