تكتسي قاعدة العند الجوية التي تسعى المقاومة الشعبية الموالية للشرعية في اليمن استعادتها من المتمردين الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، أهمية سياسية وعسكرية بالغة. وتسعى المقاومة الشعبية لدخول هذه القاعدة، الواقعة في محافظة لحج والبعيدة نحو 60 كيلومترًا شمال عدن، لتعزز انتصاراتها الأخيرة في الجنوب اليمني، وتؤمن عبرها الانتقال شمالاً لتحرير باقي البلدات والمدن اليمنية.
وهذه القاعدة الجوية، التي تتربع على مساحة 15 كيلومترًا مربعًا، أنشئت في منتصف الستينات من القرن العشرين من قبل الاستعمار البريطاني، كمركز متقدم لدعم وإمداد الجيش البريطاني المرابط وقتها في المناطق الحدودية مثل الضالع وكرش وردفان والصبيحة، وهي مناطق كانت تعرف حينها بالمحميات الغربية.
وبعد استقلال جنوب اليمن عن بريطانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1967، زادت أهمية القاعدة العسكرية لدى النظام اليساري التقدمي الحاكم للجنوب، إذ شرع النظام الوطني ببناء وتطوير القاعدة، بحيث مقرًا يستقبل آلاف المجندين وضباط الصف سنويًا لتلقي التدريبات. وكان آلاف المجندين من خريجي المدارس الثانوية، يخضعون لفترة تعلم وتدريب أولية وأساسية في المعسكر قبل أن يتم توزيعهم على عموم وحدات القوات المسلحة وبعد أن يتلقوا العلوم النظرية والتطبيقية في كل التخصصات القتالية، وكذلك صف الضباط الذين تتم ترقياتهم إلى مصاف الضباط بعد ستة أشهر من التدريب والتعليم في المدارس المختلفة.
وإلى جانب مدارس التدريب والتأهيل لآلاف المجندين وضباط الصف، وُسعت القاعدة العسكرية بحيث باتت مساحتها الشمالية معسكرًا لقيادة المحور الغربي الذي ضم لواءً قتاليًا وكتائب ملحقة مرابطة في المكان، علاوة على قيادته لألوية القتالية المنتشرة طوال الحدود الدولية التي وضعها الإنجليز والأتراك مطلع القرن العشرين، فيما الجهة الجنوبية عبارة عن قاعدة جوية للواء طيران تشكيلاته من مقاتلات حربية من نوعي الميغ والسوخوي الروسية إلى جانب إقامة أحياء سكنية لعائلات الضباط والجنود في المعسكر، وكذا لعائلات الخبراء والمستشارين السوفيات حينها.
بعد الوحدة بين الجنوب والشمال سنة 1990، دخلت القاعدة العسكرية مرحلة من النسيان، إلى أن جاءت الأزمة السياسية بين شركاء الوحدة. وبعد أول انتخابات برلمانية يوم 27 أبريل (نيسان) 1993، وعودة نائب الرئيس علي سالم البيض واعتكافه في عدن، عاد الاهتمام بقاعدة العند، فحاولت القيادات السياسية والعسكرية الجنوبية إعادة الحياة للقاعدة المهملة.
وخلال السنوات الأخيرة، تحولت القاعدة إلى منطلق لتنظيم عمليات ضد تنظيم القاعدة في اليمن؛ إذ منذ عامين تقريبًا وقوات المارينز الأميركية ترابط في قاعدة العند العسكرية، متخذة منها مستقرًا لجنودها وقواتها المحاربة للإرهاب، إلى أن انحدرت الأوضاع ووقع الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية، وأجبر القوات الأميركية (المارينز) على الرحيل.
وعلاوة على ذلك، تعد قاعدة العند بمثابة نقطة ارتكاز تلتقي فيه إمدادات محافظات تعز والضالع ولحج وعدن، فالعند يمثل منفذًا اقتصاديًا وتجاريًا وحيويًا نظرًا لموقعه المشرف على أهم شريان بري يتمثل في الطريق الواصلة بين هذه المحافظات المحاصرة حاليًا نتيجة سيطرة الميليشيات على الطريف الحيوي المار بمحاذاة القاعدة من الجهة الشرقية. وهذا العامل يعد، في نظر المقاومة، سببًا محفزًا للتعجيل بمسألة «تحرير القاعدة».
اليوم، يتكرر سيناريو الأمس وإن بطريقة مغايرة؛ فالميليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع صالح ما زالت مستميتة في القاعدة العسكرية المهمة والمحورية في معادلة الصراع العسكري. وفي المقابل، هناك مقاومة صاعدة مسنودة بقوات موالية للرئيس هادي تحظى بدعم جوي من دول التحالف العربي، وفوق ذلك بشعبية جماهيرية، وبيئة أقل ما يقال إنها حاضنة للمقاومة ونابذة للقوات المتمردة الانقلابية.
توجد في القاعدة الجوية الآن قوات موالية للحوثي وصالح، لكنها قوات مخلخلة ومحاصرة من كل الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، وفضلاً عن وضعها العسكري البائس والحصار المفروض عليها من المقاومة وقوات الجيش المتخلقة من رحم الحاجة والواقع والمصلحة الوطنية؛ لا يوجد لهذه القوات المبرر السياسي والمجتمعي الذي يمكنه إطالة عمر المعركة على قاعدة العند. فأيًا تكن العدة والعتاد لدى كتائب الحوثي وصالح، ففي النهاية ستدخل المقاومة وقوات الجيش الجديد، قاعدة العند، حسبما يرى متابعون للشأن العسكري في اليمن. ويرى هؤلاء أنه مثلما كانت العند بوابة لعبور قوات الرئيس المخلوع نحو لحج وعدن، فإنها (القاعدة العسكرية) ستكون أيضًا في قادم الأيام مقدمة لسقوط قوات صالح والحوثي وفي كل الجبهات الأخرى.
وقال الخبير في الشؤون العسكرية العميد ركن عباس صالح مقبل لـ«الشرق الأوسط»، إن قاعدة العند تعد أكبر وأهم القواعد الجوية الاستراتيجية التاريخية، إذ تم إنشاؤها في عام 1964 من قبل بريطانيا خدمة آنذاك لمصالحها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ونظرًا لموقعها المهم المحاذي لخليج عدن والبحر الأحمر. وأضاف: «قاعدة العند ليست قاعدة جوية فحسب، بل هي جوية وبرية وتوجد فيها وحدات للدبابات والمدفعية ومركز تدريب، وهي ممتلئة بالأسلحة والذخائر، ويوجد بها لواء للقوات البرية وآخر للطيران ومدرسة لتخريج الضباط والطيارين، ومرابض للطائرات، والقاعدة أشبه بمدينة متكاملة فيها مساكن للضباط ومستشفى ومدارس». ويضيف الخبير العسكري، أن القاعدة تمتد على مساحة واسعة خالية من السكان، وهي قريبة من ساحل البحر مما يسهل لها عملية الإنزال لإمداد المقاومين بالسلاح والانسحاب منها عن طريق البحر. ولفت إلى أن موقعها ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ القريب من مدن الجنوب جعلها تحظى بأهمية بالغة من جهة تأمين الطريق إلى محافظات عدن ولحج وأبين، فضلاً عن أنها تشكل منطلقًا لكل العمليات العسكرية باتجاه هذه المحافظات، ولذلك فإن السيطرة على القاعدة ستقطع الإمدادات القادمة من صنعاء، على حد تعبير صالح مقبل. ونوه الخبير العسكري بأن القاعدة كانت مركزًا لمراقبة متطورة أثناء الحرب الباردة، إذ تم استخدامها من قبل الاتحاد السوفياتي منذ مطلع السبعينات وحتى نهاية الثمانينات.
وفي عام 2012، استخدمت كمنطلق للطائرات من دون طيار من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لاستهداف عناصر الجماعات الإرهابية. لكن بعد المواجهات الأخيرة في مارس (آذار) 2015، تم إجلاء الجنود الأميركيين وسيطر عليها الحوثيون وأتباع الرئيس السابق.
بدوره، قال قائد نصر المتحدث عن الجبهة القتالية للمقاومة في العند لـ«الشرق الأوسط»، إن أهمية القاعدة العسكرية تكمن في كونها تتربع على مساحة جغرافية هامة، وفي كونها تؤمن السيطرة على طريقين حيويين يصلان لمدينتي عدن والحوطة جنوبا، كما تؤمن التواصل بين تعز شمالاً ولحج جنوبًا. واكتسبت القاعدة اسمها من محورها العسكري الشهير، محور العند، ذي المساحات المترامية الأطراف شمال وشرق الحوطة باتجاه ردفان وكرش.
وأضاف قائد المقاومة في المنطقة: «نحن نتجه اليوم لاستعادة هذه البقعة العسكرية والقاعدة الاستراتيجية المطلة على عدن ولحج بأي ثمن، ومن دون شك ستكون معركتنا مع ميليشيات الحوثي والمخلوع في العند حاسمة؛ فمتى استعدنا العند سيحدث بعدها سقوط كلي وانهيار شللي للميليشيات في كل الجنوب؛ لأن وجودها سيكون عبثيًا بغير العند». وأردف: «ستكون المعارك في العند تاريخية للبلد ككل وستوازي معاركنا مجتمعة. نحن ماضون لتحديد ساعة الزحف على العند تنسيقيًا بين جبهة العند بقيادة جواس شرقًا وجبهة أبناء الصبيحة غرب القاعدة تزامنا مع وصول طلائع زملائنا من عدن عبر الحوطة».
لكن المقاومة أبدت في الآونة الأخيرة ترددًا في شن هجوم على القاعدة بسبب وجود نحو ألفي معتقل وأسير فيها تحتجزهم قوات الحوثي وصالح. وقال قائد جبهة المقاومة في المنطقة: «نحن نضع ألف حساب لأماكن وجود أسرانا الذين جعلتهم الميليشيات دروعًا بشرية في قاعدة العند والذين يبلغ عددهم ألفي أسير».
قاعدة «العند».. مرتكز الانتصار في حروب اليمن
أسسها البريطانيون في الستينات واستخدمها السوفيات في الحرب الباردة والأميركيون ضد الإرهابيين
قاعدة «العند».. مرتكز الانتصار في حروب اليمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة