وسط غضب فلسطيني وإدانات دولية أقدمت عصابة إرهابية يهودية، في الثانية من سحر أمس الجمعة، على إحراق عائلة فلسطينية من أربعة أفراد وهم نيام. وقد قُتل الطفل الفلسطيني علي سعد دوابشة (عمره سنة ونصف السنة) لأن والديه لم يتمكنا من الوصول إليه في العتمة، وأصيب والداه وشقيقه أحمد بجراح خطيرة جدا ونقلوا جميع للعلاج في مستشفيين إسرائيليين بالطائرة المروحية، لكن الأطباء تحدثوا عن حالة ميؤوس منها لشفائهم. وترك القتلة وراءهم رسالة مكتوبة تدل على هويتهم، باللغة العبرية.
نظر رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله بحسرة كبيرة إلى الجثة المتفحمة للطفل علي الدوابشة (18 شهرا) الذي أحرقه غلاة المستوطنين مع بقية عائلته التي ترقد بين الحياة والموت في مستشفى إسرائيلي، دون أن يعلق بشيء. كان صمته ومن حوله أبلغ آنذاك من الكلام، فيما كان عم الطفل حسن يلتقط من بين ركام المنزل المحترق، وهو يبكي بحرقة، رضاعته الصغيرة، ومريوله الطفولي الذي كتب عليه: «صباح الخير يا ماما»، وبعض صوره التي احترقت كذلك، في مشهد هز الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي، وأخرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن دبلوماسيته المعهودة، متعهدا برد عملي قريب على إرهاب المستوطنين وحكومتهم.
وقال عباس بعد عملية إحراق منزل الطفل في قرية دوما جنوب نابلس: «سنتوجه لـ«الجنايات الدولية)، وسيكون لنا موقف آخر عملي في القريب العاجل». واتهم عباس في كلمة تلفزيونية من مقره في رام الله الحكومة الإسرائيلية بأنها هي التي «ترتكب الجرائم البشعة بحق الشعب الفلسطيني»، مضيفا: «هذه أيضًا تضاف إلى سلسة الجرائم التي يرتكبها المستوطنون وترتكبها الحكومة الإسرائيلية، لأن الحكومة الإسرائيلية عندما تشجع الاستيطان، عندما تبني الاستيطان في كل مكان، وفي كل موقع في الضفة الغربية والقدس، فإنها تشجع القطعان على القيام بجرائمهم اليومية».
وتابع عباس: «إنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية في وقت معا، وبالتالي نحن لن نسكت إطلاقا، ما دام هذا الاستيطان موجودا، وما دام الاحتلال موجودا، فستبقى مثل هذه الأعمال.. في كل يوم نستيقظ على جريمة من جرائم الإسرائيليين».
وتعهد عباس بتقديم هذه الجريمة إلى محكمة الجنايات الدولية.. «نحن نحضر ملف هذه الجريمة وما سبقها من جرائم فورا سنرسلها إلى محكمة الجنايات الدولية، ولن يوقفنا أي شيء أو أي مانع للذهاب للشكوى هناك، ونحن سيكون لنا موقف عملي آخر سيأتي في القريب العاجل».
وتابع: «نحن نطالب أولا الحكومة الإسرائيلية، ومع الأسف هذا الطلب في الفراغ، لأننا طالبناها أكثر من مرة أن تتخذ إجراءات ولم تتخذ أي إجراء على الإطلاق، ونطالب العالم بأن يقف ضد هذه الجرائم. نطالب أميركا أن تقول ما هو رأيها في هذه الجرائم.. في هذا الحادث، بعد أن أوقفت كل العملية السياسية، وبعد أن توقف كل شيء، ولم يقولوا كل شيء، ولا كلمة واحدة بصدد هذه الجرائم التي ارتكبت، وآخرها جريمة صبيحة هذا اليوم». وأردف: «لو أرادت الحكومة الإسرائيلية.. لو أراد الجيش الإسرائيلي أن يمنعهم لمنعهم، اليوم يقولون هذا هو إرهاب يهودي، يقول الجيش الإسرائيلي ذلك، ولكن وماذا بعد هذا التصريح، ألا يستطيعون وقف هؤلاء».
وكان عباس يشير إلى عصابات «تدفيع الثمن» اليهودية التي هاجمت قرية دوما وأحرقت المنزل وتركت وراءها شعارات بالعبرية على جدرانه من بينها «انتقام» و«يحيى الملك المخلص».
وخلفت الجريمة غضبا كبيرا في الأراضي الفلسطينية، واستدعت أن يعزز الجيش الإسرائيلي من وجوده في الضفة الغربية قبل أن يغلق بعض الطرق ويفرض طوقا مشددا على مدينة القدس.
واشتبك فلسطينيون مع الجيش الإسرائيلي في القدس ونابلس ورام الله والخليل وبيت لحم، وخلف ذلك عشرات الإصابات، كما سجلت محاولة مهاجمة الجيش بقنابل حارقة قرب رام الله.
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي امتصاص الغضب وهاتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقدم له التعازي وأبلغه بأنه «زار جرحى الاعتداء الإرهابي الذي وقع في قرية دوما قرب نابلس، في المستشفى». ورد عباس بقوله إنه تجب «محاربة الإرهاب وإلقاء القبض على منفذي هذه الجريمة البشعة بحق الرضيع وأسرته، ومعاقبتهم».
وكانت مجموعة تقدر، حسب شهود عيان، بأربعة أشخاص حضروا ملثمين إلى قرية دوما جنوب نابلس في الساعة الثانية من السحر. واختاروا بيتين فلسطينيين متجاورين يقعان في مكان ناء قرب مدخل القرية، فكسروا شباكين بآلة حادة وقذفوا زجاجتين حارقتين ومواد قابلة للاشتعال في كل بيت، بغرض واضح هو إحراق من فيهما وهم نائمون. وتبين لاحقا أن أحد المنزلين كان خاليا من السكان، بالصفة، إذ إن أفراد عائلة صاحب البيت بقوا لدى أقارب لهم في نابلس.
وأما العائلة الثانية فقد انتكبت بهذه العملية الإرهابية؛ فقد كانوا جميعا نائمين في البيت: الأب سعد محمد دوابشة (39 عاما) وزوجته رهام (37 عاما) وطفلاهما: أحمد (4 سنوات) والرضيع علي (18 شهرا). وقد استيقظ الوالدان على رائحة الدخان وحرارة النيران، وراحا يفتشان عن ولديهما بهستيريا، حيث التيار الكهربائي قد انقطع وساد الظلام الحالك وانتشرت ألسنة اللهب تلتهم كل ما يعترض طريقها. وفقط بأعجوبة تمكنا من إخراج أحمد، وسقطا وقد أغمي عليهما بين النيران. وهرع سكان القرية إلى المكان فأخرجوا الوالدين ولم يعثروا على الطفل الرضيع علي.
وفي هذه الأثناء حضرت قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي، ولكن حضورها جاء متأخرا؛ فقد نقلت المصابين الثلاثة بطائرة مروحية إلى مستشفيين، في تل أبيب وبئر السبع. وأكد الأطباء أن حالتهم جميعا حرجة جدا والخطر يتهدد حياة كل منهم. أما الطفل الرضيع فقد تبين أنه فارق الحياة، فنقل إلى مستشفى رفيديا في نابلس.
وروى مسلم دوابشة، وهو شاهد عيان من أقارب العائلة: «لقد شاهدنا أربعة مستوطنين بينهم مسافات وقد لاذوا بالفرار وطاردهم عدد من سكان القرية إلا أنهم هربوا باتجاه مستوطنه (معالي إفريم) القريبة من القرية». وأكد أن إحدى الفتيات، وهي تقطن قريبا من المنزل المحروق، شاهدت المستوطنين وهم يقومون بتحطيم زجاج نوافذ منزل عائلة دوابشة ويلقون الزجاجات الحارقة داخله وقد لاذوا بالفرار. وأضاف أن الأب سعد دوابشة استطاع إنقاذ أحد أبنائه إلا أنه لم ير الطفل الذي قتل حرقا بسبب عدم وجود تيار كهربائي داخل المنزل وحاول مرات كثيرة دون جدوى.
وخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ببيان يعتبر فيه العملية إرهابية، ويقول إن إسرائيل ترفض الإرهاب من أي جهة كانت. وأمر أجهزة الأمن ببذل كل جهد ممكن للقبض على الإرهابيين. لكن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، حمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الجريمة البشعة. وقال إن هذه الجريمة ما كانت لتحدث لولا إصرار الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار في الاستيطان وحماية المستوطنين. وعلى أثر ذلك اتصل نتنياهو بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، مباشرة، معلنا استنكاره للعملية، وداعيا إلى العمل المشترك لمكافحة الإرهاب. ورد عباس قائلا إن انفلات المستوطنين بدعم من الحكومة الإسرائيلية يجبي ثمنا باهظا بالإرهاب.
وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو، في أعقاب العملية: «يعبر رئيس الوزراء نتنياهو عن صدمته من حرق منزل عائلة دوابشة في بلدة دوما الفلسطينية. إن هذه الجريمة النكراء هي عملية إرهابية. لقد أوعزت للأجهزة الأمنية باتخاذ جميع الوسائل من أجل إلقاء القبض على القتلة وتقديمهم للعدالة في أسرع وقت ممكن». وأضاف البيان أن «الحكومة الإسرائيلية موحدة برفضها القاطع لأعمال شنيعة وسافلة مثل هذا. وقدم رئيس الوزراء نتنياهو باسم الشعب الإسرائيلي التعازي إلى عائلة علي دوابشة وتمنى الشفاء العاجل لأفراد الأسرة الذين أصيبوا بجراح». وتوجه نتنياهو في وقت لاحق إلى المستشفى حيث يعالج الجرحى الفلسطينيون. وكان قد سبقه رئيس الدولة العبرية، رؤوبين رفلين، في عيادة الجرحى، فأصدر بيانا باللغة العربية جاء فيه: «استيقظنا هذا الصباح على يوم حزين. قتل الطفل الرضيع علي دوابشة، الذي كان نائما في سريره، والإصابات الخطيرة التي لحقت بأبناء أسرته: شقيقه، والده، وأمه التي تكافح من أجل حياتها، لقد جرح قلبنا جميعا.
عصابة إرهاب يهودية تحرق رضيعًا فلسطينيًا.. وغضب في الضفة والقدس وإدانات دولية
عباس: جريمة حرق الطفل ستتقدم ملفات «الجنائية» .. وإسرائيل تزعم ملاحقة مستوطني «تدفيع الثمن» التي ارتكبتها
عصابة إرهاب يهودية تحرق رضيعًا فلسطينيًا.. وغضب في الضفة والقدس وإدانات دولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة