تعيش العلاقات المصرية - الفرنسية «مرحلة ذهبية» منذ الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى باريس في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، والتي أعقبها سريعا توقيع عقد عسكري تزيد قيمته على 5.5 مليار يورو. ولعل أفضل ترجمة للعنوان الجديد لهذه المرحلة هي أن الرئيس فرنسوا هولاند سيكون «ضيف الشرف» في احتفال تدشين المجرى الجديد لقناة السويس في السادس من أغسطس (آب) المقبل، كما أن طائرات «الرافال» الحربية الثلاث التي تسلمتها القاهرة مؤخرا كدفعة أولى، من أصل 24 طائرة، من مصانع «داسو»، ستقوم بالتحليق فوق القناة، فيما ستمر الفرقاطة متعددة المهام التي شكلت هي الأخرى جزءا من صفقة السلاح في مياهها.
وأمس، وفرت الزيارة الفرصة للمصادر الرئاسة الفرنسية لعرض العلاقات الثنائية وآفاقها ولتقديم رؤية فرنسية تفصيلية للوضع في مصر في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. وستكون الملفات الثنائية والإقليمية (سوريا، لبنان، العراق، اليمن، الحرب على الإرهاب) موضع تبادل للرأي بين الرئيسين هولاند والسيسي على هامش احتفالات تدشين القناة الجديدة.
بداية، تعتبر باريس أن مصر «عادت لتحتل موقعا مركزيا لا يمكن الالتفاف عليه في المنطقة الشرق أوسطية، وهي بالتالي شريك يتعين على فرنسا العمل معه». لكن هذه النظرة الإيجابية مقرونة برغبة فرنسية واضحة لدفع العلاقات الثنائية والتعاون بشأن الملفات الإقليمية، ولا تمنع باريس من إبداء بعض الملاحظات التي ستثار خلال اجتماع الرئيسين، هولاند والسيسي.
تقول المصادر الرئاسية الفرنسية إن المحصلة الدبلوماسية لمصر، منذ وصول السيسي إلى السلطة بعد الانتخابات التي جرت ربيع العام الماضي، هي بشكل عام «إيجابية» حيث عادت القاهرة «لاعبا دبلوماسيا مركزيا في المنطقة» قياسا لما كان عليه وضعها قبل عامين. ومن بين ما يميز هذه الدبلوماسية «البراغماتية» في التعاطي مع الملفات الساخنة، ومن نجاحاتها تمكنها من المحافظة على علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية والانفتاح على البلدان الأوروبية الكبرى كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وإقامة علاقات «صلبة» مع عدد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن.. وتطوير علاقاتها مع إسرائيل والعودة بقوة إلى القارة الأفريقية.
وتضيف المصادر الفرنسية أنه «رغم العلاقات الوثيقة للغاية مع الدول الخليجية بشكل عام ومع السعودية بشكل خاص، فإن مصر احتفظت بأجندتها (الدبلوماسية) الخاصة بها». وتعبر القاهرة عن «طموحات» دبلوماسية، إذ إنها تسعى لتنتخب عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي. بيد أن ما يحد بعض الشيء من قدرتها على التأثير، وفق المصادر الفرنسية، هو راديكاليتها في التعاطي مع الإسلاميين ومع «الإخوان المسلمين» تحديدا، بحيث «يصعب عليها أن تلعب دورا مؤثرا في أزمات مثل سوريا وليبيا وفي موضوع غزة».
هذه الراديكالية تنعكس، بحسب باريس، على الوضع السياسي الداخلي، إذ إنه رغم التقدم الكبير الحاصل في تنفيذ خارطة الطريق التي لم يبق منها سوى الانتخابات التشريعية، فإن التركيز على التعاطي الأمني الذي يستهدف جماعة الإخوان المسلمين «يطال أيضا فئات أخرى غير إسلامية» ومن شأنه أن يصيب الحياة السياسية بـ«الضمور»، فضلا عن أنه «يغذي الراديكالية» التي يراد التخلص منها.
وتعتبر فرنسا أن إحدى الصعوبات تكمن في أن جزءا كبيرا من الرأي العام المصري داعم للسياسة الحالية ولا يتقبل فكرة أن سياسة من هذا النوع يمكن أن تقود إلى نتائج عكسية. وتقول المصادر الفرنسية إن باريس، في أي حال، ستثير هذه المواضيع مع الجانب المصري. لكنها تفضل الخوض فيها بعيدا عن التصريحات الصاخبة وخلال اللقاءات المشتركة باعتبار أن هذه الطريقة «أكثر فعالية وإنتاجية».
ولا ترى باريس ضيرا في اختلاف المقاربة بينها وبين القاهرة في الملف السوري على سبيل المثال، حيث تعتبر أن القاهرة «متجاذبة» بين حذرها الكبير إزاء المعارضة الإسلامية في سوريا ورغبتها في تمتين علاقاتها مع موسكو، كما أنها في الوقت نفسه ترى كما باريس أنه «لا انتقال سياسيا ممكنا في سوريا مع بقاء الأسد في السلطة».
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن باريس ترى أن مصر حققت عدة نجاحات لكنها بحاجة إلى مزيد من التدابير الصعبة، ومن نجاحاتها قدرتها على تحقيق معدل نمو نسبته 3 في المائة للعام الحالي، وتوفير ظروف النجاح للمؤتمر الاقتصادي الذي جرى في شرم الشيخ والذي أسفر عن وعود باستثمارات ومساعدات تصل إلى 72 مليار دولار، منها مشاريع استثمارية بقيمة 36 مليار دولار.
وتعزو باريس التحسن الاقتصادي لعاملين اثنين: الأول، المساعدات الكبيرة للميزانية المصرية من السعودية والإمارات والكويت.. والثاني، الإصلاحات البنيوية ومنها خفض الدعم عن مشتقات الطاقة الذي كان يستهلك 30 في المائة من مصاريف الدولة. ووصفت المصادر الفرنسية هذه القرارات بـ«الشجاعة». إلا أنها تشدد على الحاجة لإصلاحات إضافية أساسية، مثل الإصلاح الإداري واستصدار تشريعات جديدة تحفز الاستثمار ومناخ الأعمال في مصر.
وفي ما يخص حدث تدشين الخط الجديد لقناة السويس، فإن المصادر الرئاسية الفرنسية تعتبره نجاحا يوضع في خانة إنجازات الرئيس السيسي الذي أعلن عن هذا المشروع مباشرة عقب انتخابه، كما وعد بإنجازه خلال عام واحد، وهو ما تحقق. وترى باريس في المشروع «شحنة رمزية وتاريخية» نظرا لما تمثله قناة السويس لمصر ولتاريخها، واصفة التدشين بأنه «لحظة مهمة في مسار مصر» الطويل.
مصادر رئاسية فرنسية: مصر عادت لتحتل موقعًا مركزيًا في منطقة الشرق الأوسط
الرئيس هولاند «ضيف الشرف» في احتفال تدشين قناة السويس الجديدة
مصادر رئاسية فرنسية: مصر عادت لتحتل موقعًا مركزيًا في منطقة الشرق الأوسط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة