يغامر بعض من العراقيين من أهالي مدينة الموصل بترك مدينتهم وبلدهم وتحمل مشاق ومخاطر رحلة يطلقون عليها «رحلة الموت» من أجل الخلاص من الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشونها والتوجه إلى الحدود التركية مرورا بالأراضي السورية.
الغريب في هذه الرحلة هو أن من ينظمها وينفذها هم أعضاء في تنظيم داعش مقابل مبالغ كبيرة من المال تتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف دولار أميركي، إضافة إلى مصادرة ما يحمله الشخص من مصوغات ذهبية أو ساعات أو أية ممتلكات غالية الثمن.
وقال أحد أهالي الموصل وهو يقص حكاية هروبه مع شقيقته من مدينة الموصل إلى الحدود التركية: «لقد عنينا وتعبنا وكنا على حافة الموت من أجل أن نخرج من الموصل والعراق»، مشيرا إلى أن الرحلة من الموصل إلى الحدود التركية يمكننا أن نسميها برحلة الموت.
وقال أركان، اكتفى بهذا الاسم لأسباب أمنية، وعمره 46 عاما لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من إسطنبول التي وصلتها مع شقيقتي قبل أكثر من أسبوع بعد أن انتظرنا لأكثر من شهر في غازي عنتاب التركية، إن «موضوع تهريب العراقيين من أهالي الموصل يقوم به أفراد من داعش (دواعش)، وعندما سمعنا بأنهم هربوا أكثر من شخص سلمنا أمرنا لله وقررنا أن نترك المدينة التي أصبحت الحياة فيها لا تطاق خاصة وأن(الدواعش) أخبرونا بأن معركة الموصل بين التنظيم والجيش والحشد الشعبي قريبة وكلنا سنتعرض للموت».
وأضاف أركان قائلا «تركنا بيتنا بعد أن أسكنا فيه بعض أقاربنا وهذه مغامرة كبيرة فإذا علم تنظيم داعش بأننا تركنا البيت وهاجرنا فسوف تصادره، وهذا لم يهمنا لأنا حياتنا أهم من البيت». واستطرد قائلا أن «نسلم أرواحنا لأعضاء في هذا التنظيم المجرم هي المغامرة الأخطر، لكن هناك أصدقاء كانوا قد خرجوا قبلنا وعرفنا أنهم وصلوا بسلام دون معرفة التفاصيل، لهذا قررنا ركوب المغامرة».
ويشرح أركان تفاصيل الرحلة قائلا «الاتفاق تم بواسطة وسيط بيننا وبين من سيقومون بتهريبنا وهم أفراد في داعش وعراقيين بل من سكنة أطراف الموصل، ودفعنا التكاليف كاملة مقدما 12 ألف دولار، بواقع عشرة آلاف دولار للمهربين عني وعن شقيقتي وألفي دولار للوسيط، وبقينا ننتظر لأكثر من أسبوع حتى أبلغنا الوسيط بالتهيؤ مساء للانطلاق، وكانت شقيقتي قد خبأت بين حاجاتها بعض مصوغاتها الذهبية لبيعها في تركيا لمواجهة أي طارئ لكن أحد المهربين فتش ما نحمله بصورة دقيقة وعثر على المصوغات وصادرها»، وأكمل قائلا «جاءتنا سيارة (بيك آب) تحمل ثلاث نساء ورجلين وطفلتين وحشرنا في حوضها الخلفي، وكان هناك مرافق قرب السائق، وانطلقت بنا ليلا إلى الأراضي السورية»، مستدركا «لم نكن نعرف في البداية الوجهة التي انطلقت إليها السيارة، لكننا تأكدنا أننا وصلنا إلى مشارف مدينة الرقة عندما تم تغيير السيارة والسائق المرافق حيث تم تسليمنا إلى سائق ومرافق سوريين أنزلونا قرب بيت هو شبه خرب، وقالوا إذا تريدوا تذهبون للحمام فأمامكم عشر دقائق، وطوال السفرة ليس معنا سوى قناني ماء جلبناها معنا وبعض الطعام البسيط».
ويكمل أركان حكايته قائلا «بين كل مسافة وأخرى كانت السيارة تتوقف وينزل السائق ومرافقه وهو يحمل رشاشته ويقول لنا سنقتلكم ونترككم هنا ونتخلص منكم ويسخرون منا بينما نحن نرتجف خوفا لأننا نعرف أن قتلنا ليس صعبا عليهم، وفي إحدى المرات أشهر السائق سكينا، وقال سوف نذبحكم على الطريقة الإسلامية وحسب تعاليم أميرنا..كيف تتركون دولة الإسلام وتهربون، وفتش جيوبنا ليأخذ آخر ما عندنا من مال بسيط وساعاتنا اليدوية مع أنها لم تكن غالية».
وفي رده عن سؤال فيما إذا واجهتهم نقاط تفتيش تابعة لتنظيم داعش أم لا؟ قال أركان «لقد تحاشوا المرور من خلال نقاط تفتيش لأن الطرق التي سلكوها كانت وعرة للغاية، إذ إن عمليات التهريب لم يكن التنظيم يعلم بها، وهؤلاء المهربون كانوا بحاجة للأموال بعد أن عرفنا أن تنظيمهم توقف عن دفع رواتبهم وخولهم بالحصول على الأموال بطرقهم الخاصة، وهم يعتبرون التهريب إحدى الطرق الخاصة للحصول على الأموال».
بعد أكثر ما يقرب من 24 ساعة وصل أركان وشقيقته ومن معهم إلى منطقة مجهولة تماما بالنسبة لهم، يقول هذه أكثر 24 ساعة رعبا كانت في حياتنا، إذ كنا نفكر بالفعل ماذا كنا سنفعل لو ذبحنا هؤلاء الدواعش في الصحراء وتركوا أجسادنا للحيوانات؟ أو قد تعترضهم دورية تابعة لـ«داعش» وتسبي النساء وتقتلنا نحن الرجال؟ هذا بالإضافة إلى تهديداتهم بقتلنا والسخرية منا كلما توقفنا قليلا عند قرية مهجورة أو أطلال بناء. يضيف «بعد أكثر من 24 ساعة، ومع ظهور ضوء الفجر وصلنا إلى منطقة لا نعرفها توقفت السيارة وأنزلونا، وقالوا لنا ستمشون قليلا للوصول إلى مخيم تركي للاجئين، وهناك سوف يستقبلونكم الأتراك، ثم ذهبوا ونحن في حيرة من أمرنا.. لم نكن نرى شيئا لكننا مشينا في الاتجاه الذي أشاروا إليه ونحن نتوقع أن نقع في فخ (داعش)، وبعد ما يقرب من 3 أو 4 كيلومترات بالفعل شاهدنا العلم التركي قرب نقطة حدودية وبقربه مخيم اللاجئين».
في مخيم اللاجئين وبعد أن سجلوا أسماءنا وجميع المعلومات المطلوبة أوينا إلى خيمة وتمكنا بواسطة هاتف أحد اللاجئين من الاتصال بابن عمي في دولة الإمارات العربية الذي وصل إلينا وتكفل بإخراجنا وإيصالنا إلى إسطنبول حيث حصلنا على أوراق إقامة مؤقتة.
شقيقته التي قدمت نفسها باسم إسراء (37 عاما) كانت معلمة، لم تتحدث طويلا سوى أنها عبرت عن «الرعب الذي عشناه في تلك الرحلة التي ندمت في البداية على الموافقة بالقيام بها»، حسبما أوضحت، مشيرة إلى أن الموصل كانت عبارة عن سجن محكم. وقالت إن أهل الموصل عبارة عن أسرى بيد «داعش» وهم دروع بشرية إذا حدثت أية معركة لتحرير المدينة من «داعش»، يضاف إلى مخاوفنا لو دخلت ميلشيات الحشد الشعبي بعد تحرير الموصل إذ شاعت أنباء عن قيامهم بالانتقام من أهالي الموصل كما انتقموا من أهالي تكريت والدور.
أحد سكان الموصل يروي لـ {الشرق الأوسط} تفاصيل «رحلة الموت»
«الدواعش» يهربون أهالي المدينة المحتلة إلى تركيا مقابل آلاف الدولارات
أحد سكان الموصل يروي لـ {الشرق الأوسط} تفاصيل «رحلة الموت»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة