التوتر حول الأويغور يلقي بظلاله على زيارة إردوغان إلى بكين

مسؤول صيني: الجانبان اتفقا على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب البشر

الرئيسان الصيني شي جينبينغ  والتركي رجب طيب إردوغان يستعرضان حرس الشرف خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين أمس (أ.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والتركي رجب طيب إردوغان يستعرضان حرس الشرف خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين أمس (أ.ب)
TT

التوتر حول الأويغور يلقي بظلاله على زيارة إردوغان إلى بكين

الرئيسان الصيني شي جينبينغ  والتركي رجب طيب إردوغان يستعرضان حرس الشرف خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين أمس (أ.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والتركي رجب طيب إردوغان يستعرضان حرس الشرف خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين أمس (أ.ب)

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس محادثات مع نظيره الصيني شي جينبينغ خلال زيارة تستمر يومين إلى الصين حيث سيسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين بكين وأنقرة رغم التوتر الشديد حول أقلية الأويغور المسلمة الناطقة بالتركية.
واستقبل شي إردوغان خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين حيث رحب حرس الشرف العسكري بالزعيمين قبل دخولهما المبنى المزخرف للاجتماع. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن إردوغان قوله: «في الوقت الحاضر نحن نتحرك في اتجاه بناء يعزز علاقة التعاون الاستراتيجية بيننا».
من جهته، أكد شي أن زيارات إردوغان الثلاث للصين بصفته رئيسا للوزراء ورئيسا للجمهورية أظهرت أنه كان ملتزما بالعلاقات الصينية - التركية. وأضاف شي «ندعو باستمرار إلى أن على الصين وتركيا دعم بعضهما البعض في القضايا الرئيسية وتعميق علاقات التعاون الاستراتيجية بينهما».
وكانت تركيا بدأت في العام 2013 محادثات مع شركة حكومية صينية على أمل توقيع عقد لشراء نظام دفاع جوي بقيمة 3.4 مليار دولار لكن من دون أن تؤدي المحادثات إلى توقيع اتفاق نهائي. وهذا القرار أثار انتقادات واسعة من قبل حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال إردوغان لوكالة أنباء الصين الجديدة بأن محادثاته في بكين ستشمل عقد الصواريخ. وأضاف في مقابلة نشرت أمس «نحن نرحب بأي عرض من شأنه دفع المحادثات قدما». وتابع: «أعتقد أن هذه الزيارة من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية» بين البلدين.
وإذا كانت العلاقات الاقتصادية تتصدر جدول أعمال الزيارة، إلا أن الخلاف بين البلدين حول الأويغور الذين يقيمون في إقليم شينجيانغ يلقي بظلاله عليها. ويندد الأويغور بالاضطهاد الديني والثقافي الذي يتعرضون له في الصين والتوطين المكثف للهان (الاتنية الغالبية في الصين) في منطقتهم شينجيانغ الذاتية الحكم غرب الصين والغنية بالموارد الطبيعية.
في المقابل، تحمل السلطات في بكين الأويغور مسؤولية أعمال العنف في شينجيانغ وقد أعربت أنقرة مرارا عن قلقها إزاء المعاملة التي تتلقاها هذه الأقلية بأيدي السلطات. وكان إردوغان اتهم بكين في العام 2009 بارتكاب «ما يشبه الإبادة» في الإقليم، ومن المرجح أن يزيد التباين في وجهات النظر بين بكين وأنقرة من تعقيد المحادثات بين المسؤولين. وتنسب بكين دائما أعمال العنف الدامية في الإقليم إلى «مجموعات إرهابية» و«متطرفة».
وفي مطلع يوليو (تموز) استدعت أنقرة السفير الصيني للتنديد بالقيود التي تفرضها على حد قولها بكين على الأويغور خلال شهر رمضان وهو ما نفته الصين. كما استقبلت تركيا آنذاك قرابة 170 من اللاجئين الأويغور الذين هربوا من الصين مرورا بتايلاند. إلا أن بانكوك أعادت قرابة مائة آخرين إلى الصين مما أثار مظاهرات احتجاج في تركيا.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. اعتقل في تايلاند أكثر من 300 من الأويغور الصينيين الذين كانوا يحملون جوازات سفر مزيفة، بعد أن هربوا من بلادهم. واقتحم متظاهرون أتراك قنصلية تايلاند في إسطنبول وأحرقوا العلم الصيني أمام القنصلية الصينية في المدينة وهو ما نددت به بكين «بشدة». وقبل ذلك، تعرض مطعم صيني معروف في إسطنبول لهجوم، كما اعتدى متظاهرون أتراك على مجموعة من السياح الكوريين الجنوبيين في وسط إسطنبول بعد أن اعتقدوا خطأ أنهم صينيون.
وكتبت صحيفة «تشاينا ديلي» الحكومية الصينية أمس أن «مسألة الأويغور إذا لم يتم حلها فستؤدي إلى تسميم العلاقات وعرقلة التعاون». ولمحت إلى أن بكين ستضغط على إردوغان ليمنع المسؤولين الأتراك من منح الأويغور «الذين غادروا الصين بشكل غير قانوني» وثائق سفر. وأشارت نشرة الأخبار المسائية في التلفزيون الرسمي إلى أن إردوغان قال لشي بأن تركيا أيضا ضحية للإرهاب.
وشنت السلطات الصينية حملات في شينجيانغ ضد ارتداء الحجاب، واللباس الإسلامي من قبل النساء واللحية للرجال، كما منعت الموظفين المدنيين والطلاب والمعلمين من الصيام خلال شهر رمضان. وفي حفل الاستقبال، ظهرت زوجة إردوغان في لقطات على التلفزيون الرسمي وهي ترتدي حجابا فيما كانت تلقى ترحيبا من شي وزوجته بينغ ليوان.
كما أن تعزيز الصادرات التركية إلى الصين سيكون على الأرجح ضمن المواضيع التي سيبحثها إردوغان إذ تعاني بلاده من عجز تجاري كبير إزاء الاقتصاد الثاني في العالم، بحسب أرقام رسمية صينية. وقال إردوغان لرئيس الوزراء الصيني لي كيتشيانغ «أعتقد أن جميع الاتفاقات التي سنوقعها ستجعل من هذه الزيارة الأهم منذ أنشأنا علاقات التعاون الاستراتيجي». وأشارت الحكومة التركية إلى أن إردوغان سيزور إندونيسيا بعد انتهاء زيارته إلى الصين.
إلى ذلك، قال دبلوماسي صيني كبير إن القيادتين الصينية والتركية اتفقتا أمس على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب البشر. وقال تشانغ مينغ نائب وزير الخارجية الصيني للصحافيين بعد لقاء الرئيسين: «التعاون في الأمن وتطبيق القانون مجال مهم للبلدين واتفق البلدان على تعزيز التعاون».
ونقلت وكالة «رويترز» عن تشانغ أن إردوغان أبلغ شي أن تركيا تعتبر حركة شرق تركستان الإسلامية جماعة إرهابية. وأضاف تشانغ «قال إردوغان إن تركيا لن تسمح لأي شخص باستغلال أراضيها لفعل أي شيء يلحق الضرر بمصالح الصين وأمنها الوطني». وتقول الصين إن حركة شرق تركستان الإسلامية تجند الأويغور الذين سافروا إلى تركيا وتدربهم مع جماعات متطرفة في سوريا والعراق بهدف إعادتهم إلى شينجيانغ لشن أعمال عنف.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».