كارتر يطمئن من بغداد على عمليات تحرير الأنبار وسط تفاهم أميركي ـ إيراني

وزير الدفاع الأميركي زار معسكرًا للتدريب ضد الإرهاب قرب العاصمة العراقية

رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في مكتبه برئاسة الوزراء في بغداد أمس (رويترز)
رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في مكتبه برئاسة الوزراء في بغداد أمس (رويترز)
TT

كارتر يطمئن من بغداد على عمليات تحرير الأنبار وسط تفاهم أميركي ـ إيراني

رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في مكتبه برئاسة الوزراء في بغداد أمس (رويترز)
رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في مكتبه برئاسة الوزراء في بغداد أمس (رويترز)

بحث وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أمس مع مسؤولين سياسيين وعسكريين وشيوخ عشائر من محافظات ذات غالبية سنية، في التصدي لتنظيم داعش الذي كثف مؤخرا تفجيراته في العاصمة العراقية ومناطق قريبة منها.
وخلال زيارته الأولى إلى العراق منذ تسلمه مهامه في فبراير (شباط)، بحث كارتر في العمليات العسكرية في محافظة الأنبار (غرب) ذات الغالبية السنية التي يشارك فيها للمرة الأولى جنود دربهم الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن وينفذ ضربات جوية ضد المتطرفين.
والتقى كارتر أمس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ونظيره خالد العبيدي، إضافة إلى جنود أميركيين يشكلون جزءا من نحو 3500 جندي ومستشار عسكري أرسلتهم واشنطن بعد الهجوم الواسع للتنظيم العام الماضي، وسيطرته على مناطق عدة في العراق معظمها ذات غالبية سنية.
كما عقد اجتماعا مع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري بمشاركة سياسيين وشيوخ عشائر من محافظات ذات غالبية سنية أبرزها نينوى (شمال) والأنبار (غرب).
وقال بيان لوزارة الدفاع العراقية، إن «الجانبين بحثا سبل تدعيم التعاون العسكري بين البلدين». وأضاف البيان أن العبيدي شدد على «ضرورة مساهمة المجتمع الدولي بإعادة بناء المناطق المحررة»، معتبرًا أن «العراق يمثل خط الدفاع الأول عن أمن الشرق الأوسط، وأن قتاله ضد قوى الإرهاب يصب بالنتيجة في حماية مصالح العالم المتحضر». كما طمأن الوزير العراقي نظيره الأميركي بأن «نهج الإصلاح وإعادة بناء المؤسسة العسكرية يسير بخطى مدروسة».
وقام كارتر بزيارة لقوات جهاز مكافحة الإرهاب؛ حيث شاهد عناصرها الذين ارتدوا زيًا أسود أثناء تدريبهم على إطلاق النار على نماذج أهداف. وأشاد بالقوات الخاصة العراقية وعبّر عن أسفه لسقوط قتلى وجرحى منهم في المعارك. وقال إن «قواتكم تقدم أداء جيدًا جدًا، وبشجاعة شديدة». وعبّر عن ثقته في أن تنظيم داعش سيُهزم في نهاية المطاف.
وقال كارتر إنه سيلتقي أيضًا بزعماء سُنة خلال زيارته، مشيرًا إلى أن المشاركة السنية في الحملة أساسية لنجاحها. وذكر مسؤول دفاع أميركي كبير أن العراق أظهر قدرًا من «قوة الدفع الإيجابية» في تواصله مع السنة خلال الشهور الماضية، مضيفًا أن كارتر يأمل في تعزيز هذه الأجواء.
وبينما يتطابق الموقف العراقي الرسمي مع الموقفين الأميركي والإيراني بشأن التوقيع على الملف النووي، فإن هناك تضاربًا في الأنباء بين بدء عمليات التحرير الفعلية لمدن محافظة الأنبار وبين التنسيق بين الطيران الأميركي وفصيلين من الفصائل العراقية المسلحة المنضوية تحت لافتة الحشد الشعبي وهما عصائب أهل الحق، وكتائب «حزب الله».
وفي إطار عمليات تحرير الأنبار من تنظيم داعش، فإن القيادات العسكرية والسياسية العراقية تتحدث عن بدء المعارك وتحقيقها تقدمًا كبيرًا في مختلف قواطعها في هذه المحافظة المترامية الأطراف التي تمثل ثلث مساحة العراق، وبين ما أعلنه مسؤولون أميركيون من أن عمليات الأنبار لم تبدأ بعد. وكانت القوات العراقية، بمساعدة كثيفة هذه المرة من طيران التحالف الدولي، إضافة إلى أول مشاركة بالطلعات الجوية لطائرة إف 16 التي استوردتها بغداد من واشنطن، قد نجحت بعزل أجزاء من مدينتي الرمادي والفلوجة تمهيدًا لاقتحامهما وسط خلافات بشأن الآلية التي يمكن أن تتم بواسطتها عملية الاقتحام.
وفي هذا السياق، يقول الشيخ حميد الجميلي، أحد شيوخ العشائر في مدينة الفلوجة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفلوجة لا تزال مأهولة بالسكان، على الرغم من خروج أعداد كبيرة من أهاليها خارجها. وبالتالي، فإن أي عملية اقتحام يمكن أن تعطي صورة سلبية عن عملية التحرير، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية»، مشيرًا إلى أن «المفاوضات التي أجراها شيوخ عشائر وقيادات سياسية مع الحكومة العراقية والقوات الأمنية هناك، بالإضافة إلى ما سمعناه عن وجود ضغوط أميركية أسفرت عن تأخير عملية الاقتحام لحين استكمال إجراءات خروج العوائل»، مبينًا أنه «في الوقت الذي نريد فيه إخراج المزيد من العوائل نواجه بعراقيل على صعيد تأمين عملية استقبالهم وتوزيعهم، خصوصًا وأن المعاناة ما زالت موجودة على جسر بزيبز».
على صعيد متصل، فإن زيارة كارتر إلى بغداد تأتي في وقت كشف فيه مصدر أمني عراقي مسؤول عن قيام واشنطن برفع الفيتو عن مشاركة فصيلين من الفصائل المسلحة الشيعية العراقية، وهما عصائب أهل الحق، وكتائب «حزب الله»، وهما الأكثر دعمًا من إيران في العمليات القتالية. وقال المسؤول الأمني لـ«الشرق الأوسط»، طالبًا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته: «كان هناك فيتو أميركي، وفي المقابل تحفّظ من كلٍ من عصائب أهل الحق وكتائب (حزب الله)، على صعيد المشاركة في العمليات القتالية لكل منهما في الحرب ضد تنظيم داعش». وأضاف المسؤول الأمني أن «الأميركان كانوا أخبروا القيادة العراقية أن طائراتهم في السماء لن تشارك في عمليات قتالية تكون فيها على الأرض العصائب والكتائب. وفي المقابل، فإن هذه الفصائل أيضًا كانت تتحفظ على مشاركتها في العمليات العسكرية في إطار القوات العراقية في حال شارك طيران التحالف الدولي، غير أن هناك على ما يبدو تفاهمًا أميركيًا - إيرانيًا، بعد توقيع الاتفاق النووي مؤخرًا، أدى إلى رفع الفيتو الأميركي على هذين الفصيلين، في مقابل رفع تحفظ الفصيلين عن مشاركة الطيران الأميركي مع الإبقاء على تحفظهما بشأن رفض وجود قوات أميركية على الأرض العراقية، وكذلك إقامة قواعد عسكرية ثابتة».
وبينما يواصل كارتر مباحثاته في بغداد، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن معركة تحرير مدينة الرمادي ستبدأ خلال الأسابيع المقبلة، وأشارت إلى أن أكثر من ستة آلاف مقاتل سيشاركون في المعركة من الجيش والشرطة الاتحادية والقوات الخاصة، بينما لفتت إلى أن المعركة لن تشهد مشاركة القوات التي تم تدريبها مؤخرًا. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الكولونيل ستيف وارنر، خلال مؤتمر صحافي عقده، أمس، قبيل وصول وزير الدفاع كارتر إلى العراق، إن «القوات العراقية، مدعومة بالطائرات الأميركية، بدأت خلال الأيام الأخيرة بتنفيذ وصياغة الهجمات لاستعادة مدينة الرمادي محشدة آلافًا عدة من القوات استعدادًا للهجوم على المدينة». وأضاف وارنر: «عندما تتهيأ الظروف سننتقل إلى مرحلة الهجوم للسيطرة على الرمادي، وستكون معركة مناورات تقليدية» مؤكدًا أن «الهجوم المباشر سيبدأ في غضون أسبوع إلى ثمانية أسابيع رافضًا إعطاء وقت محدد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».