بعد جولة مفاوضات مكوكية مطولة وشاقة، توصلت إيران إلى اتفاق نووي تاريخي مع الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى لوضع حد لأزمة امتدت 12 عامًا بسبب أنشطتها النووية. يقضي الاتفاق برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بما يُمكنها من مضاعفة صادراتها النفطية، التي تراجعت أكثر من مليون برميل يوميًا على مدى العامين الماضيين.
تسبب انتشار أنباء توقيع الصفقة النووية، في انخفاض حاد في أسعار النفط، بأكثر من 2 في المائة، خلال تعاملات يوم الثلاثاء الماضي، لينخفض خام برنت الأوروبي لنحو 57.3 دولارًا للبرميل ووصل نايمكس الأميركي بالقرب من 51 دولارًا للبرميل، مسجلا خسارة لليوم الثاني على التوالي هذا الأسبوع.
وتراجعت أسعار النفط من 115 دولارًا في يوليو (تموز) 2014 إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل خلال يونيو (حزيران) 2015، مع ارتفاع الفائض من النفط الصخري الأميركي في الأسواق العالمية.
ووافقت حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا على رفع جميع العقوبات الدولية عن عاتق الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن تلتزم بمجموعة البنود المتعلقة بطاقتها النووية.
وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثلاثاء: «إنه سيجري إنهاء تجميد مليارات الدولارات من أرصدة إيران بموجب الاتفاق النووي بين طهران والقوى الست الكبرى». وأضافت: «سيتم رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عندما يبدأ تطبيق الاتفاق».
وتابعت الوكالة، نقلاً عما وصفته بأهم بنود الاتفاق: «الحظر والقيود المفروضة على التعاون الاقتصادي مع إيران ستُرفَع في جميع المجالات بما في ذلك الاستثمار في النفط والغاز، وسيجري الإفراج عن مليارات الدولارات من أرصدة إيران المجمدة. كما سيجري رفع الحظر المفروض على الطيران الإيراني بعد ثلاثة عقود، فضلا عن رفع الحظر المفروض على البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وخطوط الملاحة الإيرانية وإيران للطيران والكثير من المؤسسات الأخرى».
وتمتلك إيران رابع أكبر احتياطي مثبت من النفط في العالم، غير أن صادراتها النفطية تقلصت إلى النصف تقريبًا من مستويات الذروة التي بلغتها منذ العقوبات الغربية التي فرضت عليها بداية 2012، ومن المرجح أن تكثف صادراتها من النفط خلال الأشهر الستة المُقبلة.
وأنتجت إيران نحو 3.4 مليون برميل يوميًا من النفط وسوائل أخرى عام 2014، منها 2.8 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، وذلك مقارنة بما يقرب من 3.7 مليون برميل يوميا أنتجت عام 2011، أي قبل فرض العقوبات.
ولوحت إيران كثيرًا بأنها ستضخ كميات ضخمة من النفط الخام المخزنة في ناقلات عملاقة قبالة شواطئها، المقدرة بنحو 40 مليون برميل، بأي سعر، بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ما يثير المخاوف من إغراق الأسواق العالمية بتلك الكميات، الأمر الذي يفاقم من تخمة المعروض ويدفع الأسعار لمزيد من التراجع خلال النصف الثاني من عام 2015.
وتكثر التساؤلات حول مدى السرعة التي يمكن لإيران أن ترفع بها من مستويات الإنتاج النفطي، وهنا يتوقع معظم المحللين ارتفاعا بطيئا بسبب مشكلات في المنبع، خاصة أن إيران محرومة من الاستثمار في البنى التحتية النفطية منذ سنوات. وقد يكون هناك استمرار مؤقت لبعض العقوبات تشمل فرض قيود على الشحن الإيراني وقيود مالية على تحويل الدفعات لمبيعات النفط الخام.
ومُنعت شركات النفط الأميركية من الاستثمار في قطاع النفط الإيراني منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ونتيجة تشديد العقوبات على مدى السنوات القليلة الماضية، لم تتمكن شركات التنقيب الأخرى من العمل داخل الأراضي الإيرانية.
وبعد أن تتضح الصورة في ما يخص نتائج الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، يتوقع خبراء الطاقة أن تكون هناك مرونة أكبر من قبل طهران في العقود الجديدة، بما سيسمح بفتح السوق المحلية أمام الكثير من الشركات العالمية التي ترى أن إيران واحدة من الأماكن القليلة التي توفر لهم فرصًا هائلة للاستثمار.
ووفقًا لوحدة أبحاث الكونغرس الأميركي، يحتاج قطاع النفط والغاز في إيران لنحو 130 - 145 مليار دولار للاستثمار في عام. ووفقًا لمسح أجرته وكالة رويترز الإخبارية، شمل 25 محللاً للنفط، يمكن أن تزيد إيران من صادراتها النفطية بنسبة تصل إلى 60 في المائة في غضون سنة.
ويعتقد 12 من الذين شملهم الاستطلاع أن إيران قد ترفع إنتاج النفط بنسبة تصل إلى 250 ألف برميل يوميًا في الأشهر الستة الأولى، في حين توقع 8 آخرون أنه يمكن أن يزيد بمقدار 500 ألف برميل يوميًا.
ويقول بنك أوف أميركا إن مخاطر الاقتصاد الكلي في كل من اليونان والصين تُدعم الاتجاه الهبوطي للأسعار، لكن الصفقة النووية الإيرانية الأخيرة ستكون بمثابة صدمة أكبر فعالية للأسعار. ويتوقع البنك انخفاض أسعار الخام الأميركي إلى 50 دولارًا للبرميل خلال الربع الثالث من 2015.
يقول دويتشه بنك: «لا تزال أساسيات سوق النفط ضعيفة، وفي حالة عدم وجود تخفيضات في مستويات إنتاج أوبك أو تعطل في الإمدادات من جانب الدول الأخرى، وهذا هو المرجح، سوف تستمر الأسعار في التراجع خلال الأشهر المتبقية من عام 2015».
يضيف البنك، في مذكرة بحثية حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها: «العودة المحتملة للإمدادات الإيرانية يمكن أن تضيف إلى زيادة المعروض الحالي بين 1.5 مليون ومليوني برميل يوميًا بما يعني ضغطًا إضافيًا على الأسعار من جانب العرض في حين كانت هناك أيضا مخاطر الهبوط على جانب الطلب».
ويتصور البنك إمكانية سقوط سعر مزيج برنت إلى 55 دولارًا للبرميل وغرب تكساس الأميركي لأقل من 50 دولارًا للبرميل على المدى القصير بضغط من المعروض الإضافي من إيران.
وعلى نحو آخر، يرى المتعاملون في الأسواق أنه رغم نجاح الصفقة النووية على حد كبير، وإمكانية اختراق أسعار النفط يمكن لمستويات الدعم كرد فعل غير محسوب، فإن الزيادة الفعلية في صادرات النفط الإيرانية يمكن أن تستغرق عدة أشهر لتتحقق.
يقول بول هورسنيل، رئيس أبحاث السلع في بنك ستاندرد: «في رأيي ستكون هناك بداية بطيئة وعملية تدريجية ماثلة أمامنا، قبل عودة إنتاج إيران إلى مستويات عام 2010. وهذا قد يعني أن السوق ستحصل على الوقت الكافي لاستيعاب إمدادات إضافية من دون تأثير كبير على الأسعار».
يضيف هورسنيل في مداخلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»: «رغم وجود وفرة في المعروض في السوق في الوقت الحاضر، فإن هناك توقعات قاتمة من قبل وكالات الطاقة العالمية بشأن الإمدادات من خارج أوبك، وبخاصة في الولايات المتحدة وكندا، ما يعني أن السوق قادرة على استيعاب هذه الكميات بسهولة بحلول عام 2017، خاصة إذا استمر البطء في إنتاج النفط العراقي».
وفي نظرة متفائلة للأسعار خلال النصف الثاني من العام، قالت لجنة من الخبراء من مجموعة الخدمات المالية العملاقة إرنست ويونغ، في البث الشبكي للمؤسسة، إنه من المتوقع أن ينتعش قطاع الطاقة خلال النصف الثاني من عام 2015، وإن كان بوتيرة بطيئة، بعد عدة أشهر من الاضطرابات في أعقاب انهيار أسعار النفط الذي بدأ في الخريف الماضي. ومع ذلك، يرى الخبراء أن الاضطرابات الجيوسياسية وغيرها من المتغيرات يمكنها بسهولة أن تتسبب في ارتفاع أسعار أو انخفاضها بشكل مفاجئ.
ويستبعد «سانفورد بيرنشتاين»، بنك الاستثمار الأميركي، تأثير الاتفاق النووي الإيراني بشكل كبير على الأسعار، ويتوقع البنك ارتفاع سعر برنت، القياس الأوروبي، وسعر خام غرب تكساس الأميركي الوسيط إلى 90 دولارًا و84 دولارًا للبرميل على التوالي بحلول الربع الرابع من عام 2015.
ويتوقع «بيرنشتاين» في الوقت نفسه أن يرتفع برنت إلى 80 دولارًا للبرميل وخام غرب تكساس الوسيط ما بين 70 و75 دولارًا للبرميل في المدى القصير.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»